مقالات

رحيل صلاح ستيتية : مبدع خارج الزمن ودبلوماسي في ترويض الجنون

كتبت كابي لطيف / باريس

كابي لطيف
صلاح ستيتية إقتطع لنفسه مكانة عبر الإبداع خارج الزمن. من شيوخ الشعر والفلسفة والدبلوماسية في عصرنا الحالي الذين عرفتهم عن كثب. في شخصيته جاذبية الأطفال وحكمة الكبار. في ابتسامته رائحة صنوبر بيروت. يحمل عيناً على لبنان وأخرى على فرنسا حيث يقيم منذ سنين. كان لمسيرته الصدى الإيجابي على نفسي لأني في بحث دائم عن ملهم يدفعني الى متابعة الطريق..وأي طريق سلك ابن بيروت خلال حياته..
من يتعرف إلى صلاح ستيتية بالصدفة يهتدي بسرعة إلى أنه مثقف كبير وأن لديه علاقة خاصة مع لغة موليير. ويلاحظ أنه بقدر ما بلغت علاقته بالشعر واللغة مرحلة

الجنون، بقدر ما هو دبلوماسي بارع في ترويض الجنون في مفهومه المطلق وفتح جسور حقيقية بين ضفتي المتوسط وبين الشرق والغرب والشمال والجنوب برغم الفجوات والتناقضات والكسور والجروح.
كنت أعرفه وأحب استضافته كلما قام بإصدار كتاب أو ساهم في تظاهرة ثقافية. لكني لم أكن املك مفاتيح شخصيته الدفينة بعيدا عن كتاباته ومناصبه التي تولاها في فرنسا والعالم. عندما اطلعت على مذكراته تحت عنوان “حفلة جنون”: نصف قرن من الحياة الأدبية والسياسية”، اكتشفت صلابة هذا الرجل ونضاله من اجل الثقافة والحق والابداع. نعم الإبداع نضال وتمّرس. وهو ممن واكبوا موهبتهم وصقلوها وعملوا على تشعبّها ونشرها في اوساط المثقفين الفرنسيين والعرب عبر سنين عمره. مدافع عن الحق وعن لبنان وتفرده. في فرنسا هو صوت الاعتدال والمنبر الحقيقي للحوار بين الثقافات. أنا المهمومة دوما في حلي وترحالي وفي أحلامي بشجرة الأرز أحببت أن أطمئن عنده على مستقبل لبنان فاسر لي بهذه الكلمات: “لا أعرف ما الذي سيكون عليه مستقبل لبنان، لأن لبنان ليس لديه مستقبل ذاتي، فمستقبله مرتبط بكل ما يجري على أرض الشرق الأوسط. وما يجري على أرض الشرق الأوسط هو من أصعب وأفظع ما عرفته هذه المنطقة في تاريخها الذي يعود إلى آلاف السنين”.
بعض المبدعين الذين يتعاطون مع الكلمة يجد نفسه وهو يعركها في حالة المصارع الذي يحلو له الكر والفر عندما يكون في حالة مخاض. والبعض الآخر ينجح في أن يضطلع بدور المروض. ولكني لاحظت من خلال أحاديثي مع صلاح ستيتية أنه يقيم مع الحرف والجملة والنص علاقة غرامية تستمر فيها فترات الانتشاء إلى حد طويل ممتع يختلط الحلم فيه بالواقع ويصبح الفضاء الصغير في زخم النشوة كونا بكليته. خلال لقاءاتي به باح لي بالكثير دون ان يقع في العاطفي. وكانت اللقاءات على أثير إذاعة مونت كارلو الدولية من أروع المحطات الإذاعية التي أبحرت فيها داخل أعماق قبطان السفينة أو بالأحرى المسافر العتيق..حاولت ان أقوم برحلة في عمق روحه وهويته..وتبقى المقتطفات من بوح الشاعر الذي لا يأبه بالزمن ويتحدى السنين بالإبداع الدائم وهنا سره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق