نشاطات
ملامح نظرية زوال اسرائيل حول التجييش وتغيير طبيعة النظام.
ملامح نظرية زوال اسرائيل حول التجييش وتغيير طبيعة النظام
بقلم: تمارا حداد.
أضحى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أزمة مستمرة يمس البُعد المحلي الفلسطيني أدى نتائجه إلى السيطرة الفعلية على القدس بشطريها الغربي والشرقي والسيطرة على الضفة الغربية من خلال استمرار الاستيطان وآخرها تشكيل المجلس التخطيطي بقيادة الأمن والوزارة الداخلية الاسرائيلية لمناطق الضفة الغربية والعمل على تغيير البعد القانوني والديمغرافي لمناطق الضفة الغربية وبالتحديد المناطق المصنفة سي وبي ضمن سياق اجراءات اسرائيلية أحادية الجانب لتكريس الاحتلال متذرعاً باتفاق اوسلو وأن تلك المناطق تحت سلطته بحكم الاتفاق كمناطق نزاع وليست محتلة.
تراودت الأخبار والتحليلات الواسعة حول زوال اسرائيل وان اقتراب العقد الثمانين هو بداية نهاية اسرائيل وهو الأمر الذي يُثر تساؤلات الكثير من المحللين، هل فعلاً ستزول اسرائيل أم إنها نظرية لتجييش العطف الدولي وبداية تغيير نظامها مع تغيير ملامح الانظمة العربية وتغير النظام الدولي إلى متعدد الأقطاب وانتهاء الدور الوظيفي القديم لها؟
بداية، تتعين الإشارة إلى أن أية محاولات للتنبؤ لا بد الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من العوامل تُمثل منطلقات أساسية للتحليل وأن هذا السؤال بحاجة لإجابة توصلنا لنتيجة هل ستزول اسرائيل بوضعها الحالي أم ستبقى بنظام آخر، والمنطلقات على النحو التالي:
أولا: أن طبيعة الأنظمة العربية قبل ثورات الربيع العربي كانت تعتبر اسرائيل العدو الرسمي في المنطقة ولكن بعد ظهور تيارات الإسلام السياسي الممولة غربياً وصهيونياً لتفتيت الشرق الأوسط بحجة ترسيخ الديمقراطية باتت الأنظمة العربية هشة وضعيفة لمقاومة أي عدو، فبات العدو الاسرائيلي الذي انزرع في منطقة الشرق الأوسط كوكيلاً أمريكياً وغربياً أصبح الصديق وبدأت الدول العربية تتسارع نحو ترسيخ العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ضمن علاقات التطبيع سواء سراً أو علناً.
فتغير ملامح النظام الاسرائيلي الذي أساسه مشروعاً استعمارياً ومازال ولكن بنظرة أخرى تغيرت أهدافه ورؤيته الاستراتيجية ووظيفته الجديدة بما يتلاءم مع ضعف الأنظمة العربية بعد ثورات الربيع العربي، بدأ يتغير وجود المشروع الصهيوني من مشروع استيطاني إحلالي استعماري إلى مشروع اندماجي في منطقة الشرق الأوسط ضمن سياق التغير الوظيفي لها لأنه إذا بقيت اسرائيل ضمن سياق الوظيفة القديمة التي أوكلت لها من أمريكا والغرب في منطقة الشرق الأوسط فإن الوظيفة القديمة انتهت منذ خمس سنوات وهذا يعني وقف الدعم عن اسرائيل وهو ضمنياً انتهاء اسرائيل، ولكن تغيرت الوظيفة الموكلة لها من عدو ومشروع صهيوني إلى مشروع يندمج كلياً مع العلاقات العربية من خلال مشروع ديني وهو ترسيخ الديانة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين واليهود تحت مسمى “الديانة الابراهيمية” وهو المشروع الذي يوحد العرب ولكن تحت سيطرة اسرائيل الكبرى وهذا المشروع بحاجة لإعادة تيارات الإسلام السياسي بكافة اشكالها ليتناسب دينياً مع المشروع الديني لأن اسرائيل بُنيت على معتقد ديني وهي تريد مشاريع ما يناسبها دينياً لذلك نرى أن منطقة الشرق الأوسط قسمت إلى مناطق سنية وشيعية ويهودية ومسيحية لترسيخ المشروع الابراهيمي.
ثانياً: يأتي فهم الدور الاسرائيلي في الإقليم بوجه عام وفي الدولة المأزومة حولها اقتصادياً وامنياً وعسكرياً نرى أن اسرائيل فرضت نفسها في الشرق الأوسط ميداناً لاستعراض مقومات القوة العسكرية والامنية والاقتصادية وأصبح وجودها كحقل تجربة السلاح الحديث بالتحديد في حروبها على قطاع غزة وعلى سوريا.
ثالثاً: فهم أدوار الفواعل الدولية والاقليمية بمعنى هل أمريكيا فعلياً تريد إنهاء الدور الوظيفي لاسرائيل في المنطقة؟ باعتقادي ما زال دورها إحدى أهداف ومهام الوزارة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وهل الأدوار الإقليمية تُريد سحب اسرائيل فعلياً؟ أيضاً الإجابة لا لأن بقاء الانظمة العربية مرتبط ببقاء اسرائيل وهذا ما ذكره نتينياهو في أكثر من موقف أن وجود اسرائيل في المنطقة هو حماية لهم، وما زال حدود التلاقي بين الفواعل الدولية والإقليمية واسرائيل في الشرق الاوسط قوياً وهو الأمر سيُعزز التفاهمات بينهم فوجود اسرائيل مرهوناً بوجود الأطراف الدولية والإقليمية.
رابعاً: اذا رجعنا إلى الصراع الفلسطيني_ الاسرائيلي سنرى أن اسرائيل معنية تماماً بترسيخ الحركات الاسلامية في مناطق الضفة الغربية سواء حركة حماس وغيرها وهذا ما شهدناه في أكثر من انتخابات حصلت في الضفة الغربية وكيف تم الاعتقال قُبيل الانتخابات ليس حباً بحماس وأنما لإعادة ترتيب المنطقة بما يتلاءم مع المشروع الابراهيمي الديني وهذا هدفها الأساسي، والهدف الآخر بما أن العالم الغربي والمجتمع الدولي والامريكي وضع حركة حماس وغيرها ضمن سياق الحركات الارهابية واسرائيل تعلم تماماً ان الوعي الجمعي الفلسطيني مع حالة الاستعطاف لاعتقال اي فرد وبالتالي انتخابه سيكون دون تفكير فمن هذا المنطلق تعمل اسرائيل ضمنياً على تشجيع انتخاب حماس لأنها تريد ارسال رسالة للعالم الغربي “انظروا الى الشعب الفلسطيني ينتخب جماعة ارهابية (حسب معتقدهم) حتى تشير للغرب كيف لي أن اعطي دولة بجانبي وهم ارهابيين؟” من هنا لن يتحقق حلم الدولة الفلسطينية والمشروع الوطني على اراضي الضفة الغربية والقطاع والقدس لان المجتمع الدولي يصدق رواية اسرائيل فسيتم الغاء اي تفكير مستقبلي لايجاد دولة فلسطينية وبالتحديد في الضفة الغربية لان اسرائيل تعتبر الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من دولة اسرائيل وبالتحديد اسرائيل الجديدة وليست اسرائيل المشروع الصهيوني بل اسرائيل الصديق للدول العربية وهذا ما نشهده من ارتفاع وتيرة العلاقات العربية_ الاسرائيلية وقريباً سنشهد تطبيع دولة عربية أصرت على أن لا تطبع إلا بأفق سياسي للفلسطينيين.
من هنا سيبدأ نجاح المشروع الوظيفي الجديد لاسرائيل في الضفة الغربية وهو أتوماتيكياً نجاحه في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وهو ما يشير الى ان نظرية زوال اسرائيل في العقد الثمانين غير صحيحة قد تموت اسرائيل بطبيعة وجودها الوظيفي القديم وليس الوظيفة الحديثة والمدعومة أيضا امريكياً وأوروبياً.
قد يدور للبعض ماذا سيحصل للسلطة الفلسطينية للأسف السلطة هي الطرف الأضعف في كل المعادلات وفي وقتها الحالي وصلت لأخطر مراحلها ووجودها، فليس بيدها حيلة سوى الانتظار ما سيفعله الامريكي، ولكن امريكا ضمن سياق خطتها الموضوعة في الخارجية الامريكية وبالذات الملف الفلسطيني لن تعطي اي أمل لافق سياسي للقضية الفلسطينية بل العكس مهما كانت التنديدات من قبل السلطة بوقف اجراءات سحب الاعتراف باسرائيل لن يُعريها الاهتمام لانه فات الآوان حتى لو تم الاتصال مع القيادة الفلسطينية مع وزير الخارجية الامريكية الا ان هذا الاتصال لكسب الوقت ايضاً لاستكمال المشروع الحالي الديني الابراهيمي والذي بحاجة لحركات اسلامية يتوافق مع المشروع وليس مشاريع علمانية او اشتراكية او قومية لان الشعوب العربية هي بحد ذاتها تؤمن بالمعتقدات الدينية، واعطاء السلطة اي افق سياسي يعني استكمال المشروع الوطني ويعني أيضاً ايجاد أفق سياسي وهذا يتعارض مع المشاريع الدينية الجديدة.
خلاصة، لا يوجد مقومات على أرض الواقع تُبرهن على زوال اسرائيل وما ينشره المحللين والكتاب الاسرائيليين هو لاستعطاف اليهود من اصقاع العالم وجلبهم نحو فلسطين وترسيخ يهودية ودينية المشروع ودمج الديانات في دين واحد استناداً حول نظريات الأمن والسلام والتعاون في كوكب الارض وفرض معايير (ديمقراطية) خاصة تمثل اساءة للديمقراطية الحقيقية.
كما ان الحالة الفلسطينية اذا بقيت في سباتها الحالي فإن اسرائيل ستتمادى أكثر وأكثر في الضفة الغربية لانه الرادع غير موجود فعلياً سوى الشعارات والتنديدات والوحدة الوطنية غير موجودة في ناموس المصلحة العامة فالمستفيدين من الانقسام اكثر ولا يريدون دولة لاستمرار مصالحهم الشخصية ولكن نتمنى ان يدق ناقوس الضمير لديهم لما آلت إليه القضية الفلسطينية وترسيخ معالم ديمقراطية حقيقية مهما كانت نتائجها فأربع سنوات للتجديد ليست بفترة طويلة والشعب يختار ويجرب ومن ثم يختار ويجرب الى حين يختار الأفضل اسوة بالعالم، خذوا لبنان مثالاً كل اربع سنوات تحدث انتخابات رغم الصراعات الطائفية والاثنية والعرقية الا ان الشعب يختار ويتحمل اختياره الى حين استكمال خياراً صحيحاً يمثل الاجماع الشعبي.
نظرية اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات اصبحت الآن غير صالحة ضمن المتغيرات الحالية ولن يرضى العالم العربي والغربي بذلك وهو الأمر الذي عرفته اسرائيل واميركا فتغيرت وظيفتها لدولة تحقق الديانة الابراهمية الجامعة للجميع والتي تتماشى مع النظام المتعدد الاقطاب.