مكتبة الأدب العربي و العالمي

صياد_الحمام_والوالي الجزء الثاني

أمر الوالي معاونيه بالبحث عن صيّاد الحمام، فحملوا أسلحتهم ،وداروا في القرى يسئلون كلّ عابر عن فتى طويل القامة ،مليح الوجه، تبدو عليه عزة النّفس رغم فقره ،ومضوا في الجبال والفيافي ، فانتشر خبرهم، وحين اقتربوا من قرية الصّياد، سألوا إمرأة كانت تشعل حطبا في موقد عن الفتى فأجابتهم بأنّه ينصب خيمتة على أطراف القرية، ولكنّه إذا رأى أسلحتهم فإنّه سيهرب ، ولن يستطيعوا اللحاق به، ونصحتهم أن يتركوا أسلحتهم وعتادهم عندها، وبعودتهم يكون ما في قدرها قد نضج،وستطعمهم منه !!!
بحثوا في المكان الذي أشارت إليه المرأة ،لكنّهم لم يجدوا أحدا، وحين رجعوا إليها كانت قد إختفت، ومعها سلاحهم ، وليس في القدر سوى الحصى، وهو يفور متراقصا أمام أعينهم الجائعة، إلتفتوا حولهم ،فرأوا ورقة على أحد الأشجار مكتوب فيها : “هذا من فعل صيّاد الحمام والعاقبة أشد”،ولمّا عادوا بالورقة إلى الوالي،ضربهم بقسوة، وأمر بحبسهم.
ثمّ جمع ثلة من الحكماء، وطلب منهم أن يخرجوا للبحث عن الصّياد، وإقناعه بأن يسلّم نفسه، وفي الطريق رأوا الفلاحة تسقي النّخل، وكان الطقس حارا ذلك اليوم ، فخلعوا ملابسهم ،وعلقوها على نخلة، وذهبوا للسّباحة، فتسلل الصياد ورائهم ،وأخذ ملابسهم وأموالهم ،وعلّق مكانها رسالة كتب عليها “هذا من فعل صياد الحمام والعاقبة أشد”.بعد أن خرج الحكماء من الماء لم يجدوا شيئا ،فانتظروا حلول الظلام ،ثمّ جروا بسرعة في أطراف الأودية ،وقد غطوا عوراتهم بأيديهم .
ولمّا علم الوالي بما حدث غضب من حمقهم،، وأمر بحبسهم عراة عقابا لهم ،وحين استعان بالمنجّمين، اقترحوا عليه أن يطلق جملا ذو فراسة، والموضع الذي يبرك أمامه سيكون بيت الصياد. رأى الفتى الجمل يقترب من القرية وعرف أنّه حيلة من الوالي ،فلوّح له بطعام ،فإتّبعه حتى وصل إلى خربة مهجورة ،ثم ألقى له ما في يده ،فأكل الجمل حتى شبع ،ثم برك ،ولمّا وصل المنجمون ،أطلوا داخل الخربة ،لكن الصياد جاء على أطراف أصابعه، وأغلق عليهم الباب ثمّ ساق الجمل وراح في سبيله ،
بعد يومين تمكّن المنجّمون من الخروج ،وهم في حالة يرثى لها من الجوع والتعب، فوجدوا على الباب رسالة كتب عليها: “هذا من فعل صياد الحمام والعاقبة أشد “،عاقب الوالي المنجمين عقابا شديدا ،وسمع كلّ من في القصر صرخاتهم ،ولم يقبل أحد من أعوان الوالي بالخروج للبحث عن ذلك الصّياد ،وإنتشر خبره في الأسواق ،فخشي الوالي أن يصل الأمر إلى السّلطان ،ويصغر في عينيه ،ربّما عزله لضعفه ،فأرسل المنادي في القرى يصيح :إنه أعطاه الأمان ،وسامحه في كلّ ما أخذه منه ،ويريده أن يأتي ليقصّ عليه حكايته .
وحين جاء الصياد إلى القلعة استقبله الوالي بنفسه، ثم أجلسه بجانبه، وعاتبه قائلا : لماذا فعلت بنا هذا أيها الصّياد؟ فأجابه: يا مولاي، لقد جازيت تعبي ومشقة سفري بالإحتقار، وتقديمك على أهلي ونفسي بالمبالاة ،وتركتني بدون سلام أو مقام ، وألقاني حرسك في الطريق ولم يسمعوا شكوى أو كلام ،وأنت تعلم حال أمثالي، وأنّهم ما يفعلون ما فعلته عن فيض زاد ورخاء حال، إنما طلبا لكرمك وتقرّبا من جودك، فرجعت من عندك منكسر البال، تسيل الدّمعة من عينيّ، ويمور الحقد في صدري، فلم أحتمله حتى فار على النحو الذي رأيت.
ولم يشق عليّ أخذ قروشك حتى سلبت أعوانك ،وعرّيت حكمائك وفزت بناقتك، وكنت ماضيا فيما عزمت حتى أعلنت صفحك عني، فبالله ما ضرك لو مسحت راحتك بكفي لما قصدتك ،ووضعت، فيها نقطة ممّا أنعم الله به عليك، أغني بها فاقتي ،وتعينني على بيتي ؟ سال ذلك الكلام كالنغم في أذني الوالي.،وإعتذر منه ،وقال: الحمد لله أن ساق إلي من فتح بصيرتي وأصلح إعوجاجي في الدنيا قبل أن يسألني الله على فعلى في دنياي ،ثم أمر أن لا يرد محتاج، ولا فقير ،ولا أرملة عن بابه وأمر له بكسوة وفرس ،وجعله رئيس حرسه ،وأمين سره ،وسبحان الله الذي يعطي من حيث لا نعلم ،والصلاة والسّلام على رسول الله …
….
من قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق