مقالات

كُثُر الشعر ومن يدّعون الشعرمعرِفةً وإحترافاً-بقلم الشاعر أمين زيد الكيلاني

image
لقد كثر في اﻵونة اﻷخيرة من يدعون الشعر معرفة وآحترافا وهم ﻻ يفقهون في ذلك الفن شيئا.وقد كثرت المنتديات التي تسوق لهم تجارتهم الكاسدة لدى سماسرة
فاسدين.
من هذا المنطلق،قمت بكتابة رسالتي”شعر التبرج وسماسرة الشعر”وهي رسالة من مجموعة – رسائل شن إلى طبقة -.
شعر التبرج وسماسرة الشعر
من رسائل شن إلى طبقة

طبقة : – من ثنايا وجع آلضمير يفيض عشق حب آلشعر شوقا. ومن خبايا ألم آلحرف يتنفس قلمي آلمحزون تنهدا عذريا محبوس آلمشاعر.
وحين يحن يراعي إلى أناملي آلمتراقصة صبابة ويرتمي بين أحضانها منتشيا ﻻ يريد فراقها طوعا وآلشوق يغمره حسا.
فتغمرني سعادة خفية تسري في شراييني حتى تﻻمس نواة آلعصب.ثم تنفعل خﻻيا آلجسد لدي. حتى ويكأني أسمعه يناجي
نفسه قائﻻ : – إن كل ما يراق مني،ما هو إﻻ شعور فياض فاض به ذو آﻷنامل آلتي تمسكني من حسه شغفا. فيزداد تمسكي به حبا.وأفيض بمثل فيضه شوقا وحنانا من لدني وزكاة.وكان آلشوق بيننا متبادﻻ.فترى آلدفء ينبجس من بين أصابعي ﻷلفعه دفءا مميزا.وﻻ يحس بذاك الحس إﻻ قليل من آلناس فيعاينوه.
طبقة : – أتذكرين حين كنت أرتجف قلقا من شدة آلقلق على صورتك آلضائعة؟ وهل تذكرين حين داهمني آلخوف خوفا على ضياع لغتي آلجميلة تحت ألسنة أعاجم آلعرب؟وهل تذكرين أيضا حين حبسني آﻷلم بين طيات آلضياع وبين وطآت آلمتبرجات بكحل آلحرف آلمفقود؟ وهل تذكرين كذلك حين عضني دمع آلثكالى خلف آبتسامة عﻻمة آلترقيم آلتائهة عن آﻷصل؟ولعلك تذكرين أيضا حين كنت ألتصق بذاتي غيظا من شدة آﻷشمئزاز من ذاك آلثوب آلمنسوج في مصانع آلغش وآلخداع لدى سماسرة آلكلمة آلملقاة خلف تابوت آﻷصالة؟. وربما تذكرين أولئك آلسماسرة أولي آلوجوه آلشاحبة وهم يتجولون بين صاﻻت آلعرض آلمزورة بحثا عن صيد ساذج كي يضاف إسما جديدا على قائمة آلتزوير ليصاغ هيكﻻ جديدا ويرسم على خارطة آﻷعضاء آلكاذبة.وما نلبث أن نراهم وهم يزينون تلك آلقوائم بأطر آلتملق آلمفضوح وببراويز زخرف آلمسميات وآﻷلقاب آلمنتحلة لتكون ستارا لعناوين آلزيف وآﻷوهام.
طبقة : – لقد عجبت كل آلعجب حين شاهدت عيناي إسما
من تلك آﻷسماء آلساذجة ينمو خلف ضباب آلعصرنة دون أن يهنأ بقطرة طل نقية أو أن يحظى بترنيمة بيدر عوسجية أو أن يكسب مواﻻ من مواويل آلعشق آﻷبدية.لكنه غدا حرفا من حروف آلمد ولحنا من ألحان آلغنج. فينادى به في أسواق آلمناداة ليعرض كتجارة كاسدة يراد لها رواجا في موسم قحط وشح عطاء.فيبرز آلمحفل جسدا مقطوع آلرأس مبتور آﻷطراف
فأنثني على نفسي أسائلها. أين هؤﻻء مما قاله آلجاحظ في كتابه البيان والتبيين حين قال : – “ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار آلمعاني. ويوازن بينها وبين أقدار آلمستمعين وبين أقدار آلحاﻻت.فيجعل لكل طبقة من ذلك كﻻما، ولكل حالة من ذلك مقاما…..”.
فينقلني آلجاحظ بهذه آلكلمات إلى رسالة أبي التي تﻻها على مسامعي ذات يوم حين كنت غﻻما يافعا،معتد آلنفس .كغزال في فﻻة ﻻ يشق له غبار. وذلك بعد أن علمني أبجدية آلشعر آﻷصيل.
وقد رآني أبي وأنا أرتدي ثياب آلعجب وكنت حينها في سني سنين آلشعر آﻷولى.وقد بلغت آلحبو دون آلمشي فيه، فعدوت متبرجا بأعلق ما لدي من مساحيق ومستحضرات تجميل.
أذكر حين تعطرت بأجود أنواع آلعطر آلمستورد آلذي كان يزيل آلزكام من آﻷنوف عند أول فوحة يفوحها، ولو آستنشقه (ديغول) في وقتها لما وصل إلي ذاك آلعطر بتاتا.وأذكر أيضا حين كان ثوبي آلطيلساني مضمخا بكل ألوان آلتبرج وبجميع أشكال آﻹغراء .فتعجب نفسي بنفسي.إلى أن ضرب آلكبر فيها جذراعميقا ﻻزمها دهرا غير يسير. وأذكر ما أذكر أيضا حين آعتليت صهوة منصة آﻷحتفال في مدرستنا آنذاك، متطاوﻻ في آلفراغ ﻷتلو من على متنها آلمنتهي ما جاءت به قريحتي آلسقيمة ببعض آيات آلشعر آلموحى إلي بها من وحي شيطاني آﻷخرس.وما زلت حينها غﻻما أمردا كما أسلفت.خلت نفسي حينها أني قد إرتقيت أعلى قمة في العالم .أو أني قد ملكت العالم باسره. ومن شدة إعجابي بنفسي ،لم تر نفسي إﻻ نفسي.ولم أر أحدا سواي .
وقفت أمام آلناس متدثرا بجﻻبيب آلخيﻻء، وقد ظننتهم طيلة فترة آلتبرج التي عايشتها في حياتي تلك أنهم دوني.
فيكحل آلكبر عيوني بأثمده فتصاب بعمى آﻷلوان ولم أر لهم
ظﻻ.
وكم تفاخرت على أترابي وأصدقائي آلذين آزروني ليفخروا بي، وهم آلذين عزروني وشجعوني حين داهمني جيش آﻹرتباك وآحتل حنجرتي فأخرسها،وآستقر في عيوني
فأدمعها قبل أن يصيبها عمى آلكبر، عندما آختارني مدير آلمدرسة دون أترابي أن أقرأ ما تيسر من أشعاري على مسامعه ومسامع آلمعلمين وآلمفتشين ومن حضر من أولياء أمور آلطﻻب الذين جاءوا ليحتفلوا بمناسبة نهاية آلسنة آلدراسية وتوزيع آلشهادات. فتلعثمت أكثر من مرة،لوﻻ آيات آلتشجيع التي تلتها معلمتي على مسامعي،وأصدقائي وأترابي الذين حذوا حذو معلمتي بتراتيلهم مزينين عباراتهم آلتشجيعية بآلتصفيق طورا وبآلتلويح تارة أخرى. فينهض بي آلحماس من جديد، ولما أصل إلى مرحلة آﻹعجاب بعد.وكان أبي بين آلحضور ولم يتكلم.
طبقة : – لقد داخلني آلعجب الذي تولد لدي من لباس إبليس.كنت أتلو آلشعر وأنا أتخيل أن آلبحتري ولى مدبرا ولم يعقب،هذا إذا حضرت،ولم أقف عند هذا آلغرور فحسب، بل خضت مستنقع آلنرجسية التي طفح كيلها.وساورني آلشك آلمكلل بتاج آلهواجس مزينا لي وساوسي آلتي تملكتني حتى آخر عرق من شراييني موحية إلي أن آلشعر آلجميل ﻻ يملكه إﻻ من ملك آلجمال آلخلقي أو حاز على حيز من آلتبرج آلعصري، سواء بزي جميل أو بمسحوق زينة نفيسة مستوردة،
أو من تعطر بأجود أنواع آلعطر، وكل من خالف هذه آلصفات والمواصفات فشعرهم رديء فقير مثلهم.
ومما ظننت حين ظننت أن آلشعر آلجميل قد حرم عليهم
تماما كما حرموا هم من نعم كثيرة وآﻻء جمة ممنوعة عنهم.
وعندما كنت أحسن آلظن حين أحسنه بهم أو بشعرهم،كنت أظن أن أشعارهم قد فارقت زينة آﻷدب.وليس لها إلى جمال آلشعر سبيﻻ.وذلك ﻷنهم فارقوا سبل آلتبرج بأنفسهم وغادروا دروب
آلسماسرة وقطعوا طرق آلمتبرج

مقالات ذات صلة

إغلاق