مقالات
فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النوويةج1 إبراهيم أمين مؤمن-مصر
زالت الخطورة عن فهمان، وأول من علمبزوالها هو الرئيس مهدي الذي كان يتابعحالته من قصر الاتحادية لحظة بلحظة، وقررفريق الأطباء إخراجه على إثر ذلك.
على مدار الفترة الفائتة كان جاك يتابع مايفعله كاجيتا في FFC-2 بطريقته الخاصةمنذ لحظة وصوله فيما عدا لحظة خروجكاجيتا من حجرة العناية المركزة لأنهبالأساس لم يره لحظتها، ولم يكن بوسعهفعل أكثر من ذلك (المتابعة) لأنه واقف علىباب حجرة العناية المركزة ترقبا لخروجفهمان، ولم يجلس قط.
لذلك أول ما وصله الخبر بأن كاجيتا عادمجددا للعمل على المصادم ذُهل، ولأول مرةيترك باب الغرفة ويركض كالعدّاء –مفككالأوصال، ووجهه تحوّل من اللون الأصفر إلىالأحمر في غمضة عين– حتى وصل إلى غرفةالعناية المركزة التي دخلها كاجيتا فلم يجدهبالفعل.
فعاد سائرا مهزوما مكسور النفس ولزم بابفهمان مجددا، وجل فكره منصب ما بينالخوف على فهمان وما سيحدث للعالم لوتمكن كاجيتا من صنع قنابل الثقوب السوداء(لحظتها كان كاجيتا يحاول تحويل الطاقةإلى مادة كما أخبرتكم سابقا).
وبعد مرور بضع ساعات جاءه الخبر عبرالهاتف أن كاجيتا وفريقه حزموا أمتعتهمقاصدين اليابان. فأنزل الهاتف وانتفضجسده بشدة، وأخذ يتمتم بقوله: أكيد تمكنالملعون من صنع قنابل الثقوب السوداء. ولميدر ما يدور حوله لحظتها، ولم يقطع عنهعدم إدراكه بما يدور حوله إلا عندما اصطدم“الترول“ الذي يحمل فهمان به. عندئذ نسيكل شيء والتفت كل جوارحه إلى فهمان،وانتفض جسده بشدة عندما رأى كاملجسده مسجى.
فسأل أحد الأطباء بجسد يرتعش خوفا: «إياك أن تقول لي إنه …»
رفع المسئول الكمامة عن وجهه وقال: «إنهبخير فلا تخش دكتور جاك، لكنه في حالةغيبوبة.»
فور أن سمع منه ذلك كأن الروح التي انتزعتمن جسده منذ لحظات قد عادت إليه وقال: الحمد للرب.
يرقد فهمان على سرير المستشفى وبجانبهجاك الذي لم يرفع عينيه عنه قط، كل همسةوكل لمسة وكل نفس يصدر عن فهمان تجد لهافي جوارح جاك خنوع العبودية والخشوعلفهمان.
أما فهمان فهو في شأن آخر، فقد أتاه أبوهوهو نائم وقال له مستاء والغضب يتجولفي ملامح وجهه: «لماذا أنت نائم؟ قم يا ولدفالعالم يحترق وهو بحاجة إليك، أدركْفلسطين، أدركْ الأقصى.»
استيقظ فهمان على نداء أبيه، وشهق شهقةأفزعت جاك كثيرا، ثم ما لبث أن رفع يدهاليسرى بشق الأنفس وهو يشير جهة الجدارالذي كان أبوه يقف فيه ويصرخ صراخامكتوما: أبتِ، أبتِ لا تتركني. ثم داهمتهالغيبوبة مرة أخرى.
انكب عليه جاك هلعا، يمسح جبينه الذيأغرق عرقه الوسادةَ في لحظات وقال: «لابأس عليك يا صديقي، لا بأس، أنت بخير.»
قال جاك في نفسه: عزيمتك قوية يا فهمان،وعندما أزكاها أبوك لك ستبلغ عنان السماء،وايم الله إن هذا العرق الذي نز من جبينككأنه المرض الذي غادر جسدك توا.
ولقد صدق حدس جاك، فقد استيقظ فهمانوقد شعر بتحسن غريب.
قبله جاك وحمد الرب على سلامته، لكنفهمان لم يقل له شيئا وإنما أخذ يفكر بعمقعن كيفية الوصول إلى الوتر الناري المهتزالذي يوصله للجسر الذي يعبره ويصل إلىالشيطان بعد دق بوابتهم.
فجأة التفت إلى جاك وقال: «جاك، جاك.»
نهض جاك وامتدت عنقه إليه وهو يربت بيدهعلى كتفه ويقول: «لبيك، لبيك يا فهمان.»
– «هل من أخبار عن كاجيتا؟»
– «رحل عن مصر منذ بضع ساعات.»
– «بهذه السرعة!»
نظر فهمان في الجهة المقابلة لجاك، وتأسفقائلا والدمع على خديه: «رحيله بهذهالسرعة يؤكد أنه قد أحدث أمرا، أخشى أنيكون قد تمكن من صنع قنابل الثقوبالسوداء.»
لم يعلق جاك واكتفى بالسكوت.
بعد لحظات قال فهمان بعد أن أدار وجهه مرةأخرى: «لابد أن أدرك كاجيتا قبل أن يفعلشيئا بهذا العالم، سوف تلتف حولهالشياطين وتوسوس له بفعل شيء به.»
قالها وأجهش ببكاء دموعه حارة كاللهيب،وقال بصوت متقطع: «جاك، لابد أن أدكالشياطين قبل أن يغووا كاجيتا. أرجوكساعدني في الوصول إليهم.»
وظل يتوسل وجاك صامت لا يتكلم وإنما كانيحادث نفسه بقوله: هو صنعها بالفعل، وكمحذرتك يا فهمان أكثر من مرة بأن تمنعكاجيتا عن العمل على المصادم أو حتىتغلقه فلم تمتثل. أما سفرك إلى إبليس فلاأجد أي جدوى منه فضلا عن صعوبةالوصول إليه ومجابهته.
ترفق به جاك وقال والدمع يتفجر هو الآخرمن محجري عينيه: «سأساعدك، حاضر،سأساعدك.»
نهض فهمان كالحصان وانطلقا معا إلىالنفق لإجراء تجارب العبور إلى الشيطان.
جاء الخبر إلى يعقوب إسحاق بأن فهمانوجاك متواجدين أمام المصادم فتوجس شرا،قال أحد أعضاء المنظمة الماسونية له: «إنيأرى أن تصدر أمرا باغتيال الاثنين معا خشيةأن يحدث بينهما وفاق كما حدث بينبروفيسور بيتر والعالم المصري المغتال منقبل.»
قال يعقوب: «أختلف معك يا صديقي، أعتقدأن المنظمة لن توافقك الرأي، فرغم حب جاكلفهمان إلا أنه يدين بكامل الولاء للولاياتالمتحدة الأمريكية، بروفيسور بيتر نزل مصرمن أجل مناصرة القضية الفلسطينية لذلككان لابد من اغتيال العالم المصري والقبضعلى بروفيسور بيتر ورده إلى بلده، أما جاكفليس همه سوى الخلاص من الثقب الأسودالمتواجد في مقدمة سحابة أورط.»
سكت لحظة ثم قال مستدركا: «كما أنالخلاص من جاك يفسح المجال للثقب الأسودبأن ينهي على العالم كله.»
قال العضو: «إذن لا جدوى من عرض الأمرعلى المنظمة.»
قال يعقوب: «سأكلف المخابرات الإسرائيليةبكافة أجهزته بأن يكثف جهوده في مراقبةفهمان وجاك، وسنخبركم بالتطورات لتقولوافيه رأيكم الأخير.»
وقبل أن يشرعا في إجراء التجارب لخلقالمعبر نحو بُعد الجنّ ناول فهمانُ جاك ورقةمكتوب فيها معادلة صنع قنابل الثقوبالسوداء؛ تلك التي توصل إليها كاجيتا بعدجهد مضن وباستعانة آلي من كون آخر،وقال له وكلتا عينيه تتفجران دمعا: «أتظن أنكاجيتا توصل إلى هذه المعادلة أثناء فترةعمله على مصادمي؟»
قالها فهمان له وكان يرجو أن يجيبه جاك ب“لا” مع تأكده بأن كاجيتا قد توصل إلىالمعادلة، لكنه كان يبحث عن بصيص من أمل، أي أمل يقلب الحقيقة.
نظر إليه جاك وقال: «لا جدوى من هذا الكلامالآن، علينا فقط بالبحث عن المعبر لأودعكالوداع الأخير.»
نكس فهمان رأسه في الأرض ولم ينبسبكلمة، أما جاك فرغم خوفه الشديد بتمكنكاجيتا من صنع القنبلة إلا أنه انتبه لقدرةفهمان الأسطورية في الوصول إلى معادلةقنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أيتجارب حتى قال في نفسه: أعلم أنك معجزةفي إتقان الفيزياء النووية يا فهمان.
لم يجد فهمان أي بارقة أمل في أن يكونكاجيتا لم يتوصل إلى صنع القنابل، رفعرأسه من النظر إلى الأرض وقال: «إذن علينابإنجاز التجارب حتى أمنع إبليس منتسخير الجان لأذني كاجيتا فيحدث أمرابهذا العالم المسكين.»
طأطأ جاك رأسه إعجابا بعزيمته وإخلاصهومع ذلك قال في نفسه: علي أن أحاول معهمحاولة أخيرة قبل تلبية رغبته.
لذلك قال جاك: «فهمان، أعاود وأكرر، لا أجدجدوى من السفر إلى الشيطان، وإن كنت كماقلتَ تودّ السفر إليهم من أجل فضّ النزاعاتبين القوى المتشاركة في الحرب النوويّة فإنّيأقول لك دعهمْ فلن يثنيهم عن حربهم شيءمن هذا القبيل حتى لو قتلت الشياطينجميعًا، لأن نفس الإنسان هي المتحكمة فيأفعاله وليست الشياطين. ولن يردع النفسعن غيها سوى ذل الأعناق، وثقب سحابةأورط سوف يأخذ بنواصيهم فيخضعون.»
قال فهمان: «يا جاك، وساوس الشيطانتعاضد النفس في غيها، وتردعها في خيرها،يا جاك، أريد للناس الهداية من غير الحاجةإلى ذل أعناقهم، لا أريد أن أسمع عن الحروبمرة أخرى، لذلك لابد من قتل إبليس.»
– «لو افترضنا أن كلامك صحيح، فهلتستطيع أن تقتل إبليس إذا نجحت فياجتياز جسر الشيطان؟ إني أرى أن المعركةغير متكافئة وقتْلك محتم ولا ريب.»
بُهت فهمان، وأنزل رأسه خزيا، وأخذ يتمتمبكلام غير مفهوم تعبر عن عجزه وضعفه؛فهو يعلم قدرة إبليس الخارقة.
أما جاك فقد فرت الدموع من عينيه وهويخاطب نفسه: تعلم أن ذهابك إليه فيهاخطورة شديدة عليك ومع ذلك تود أن تقاتله،ما أعظم إخلاصك وتضحيتك يا فهمان!
رفع فهمان رأسه بسرعة مع رفع يده أيضا: «فور طرق البوابة ربما يفتح لي الملك محرز،ملك الجان الأحمر، عدو إبليس اللدود.»
أعجزه جاك مرة أخرى بقوله: «ربما يكونالملك محرز نفسه وأتباعه مكبلين بأغلالالنار، ولم لا! ألا ترى أن إغواء إبليس لهذاالعالم بلغ المشرق والمغرب!»
بُهت فهمان مرة أخرى، وقال لنفسه: ما قيمةالحياة في عالم كهذا؟ لابد أن أحاول حتى لونسبة نجاح العملية 1%.
ترصد جاك ملامح وجه فهمان وأيقن أنه لاجدوى من الحديث معه في هذا الأمر، لذلكقال: «أعلم أنّ وترنا لابدّ أن يكون نارياً، لا هوطيني ولا نوراني.»
رفع فهمان رأسه مع رفع يده لأعلى مرة أخرىوبادره بالتفاعل فيما قال توا: «بالضبط،وسنضطر نبحث عنه من بين ملايين الثقوبالمجهرية وهنا مصدر الصعوبة، فالبُعد الذيأود طرقه لأحلّ به واحد من هؤلاء، وبطبيعةالحال يا جاك فإنّ البُعد مرتبط بخصائصالثقب وشكله.
قال جاك: «إذن حانت ساعة الصفر، لنبدأالتجارب.»