الرعب يطحن روحي. يجعلني غير قادرة على التفكير، الرعب يؤسس له مكانة تجعل اقامته فيها دائمة. لذلك قررت أن أكتب عنه بكل ما لدي من قناعة. من هنا تبدأ الحكاية.
مرت الأيام وانا بين الشك واليقين، بين أن أترك هذا البيت الذي لم أجد فيه سوى العذاب والعنف وقلة الاحترام والتقدير، مع أني زوجة صالحة محبة لبيتها لأولادها وزوجها الذي لم يعطها يوماً ” ريق حلو”. وبين أن أتحمل العذاب صابرة مقتنعة بأن هذا هو حظي ويجب الرضوخ له. لكن هذا التخبط بالأخير جلب النتيجة التي أريدها.
هكذا بدأت حكايتنا مع السيدة نجلاء والدة راوية، تلك الوالدة التي أنجبت من الصبيان خمسة، ولكن طوال عمرها حلمت بمولود انثى. فقد كانت تؤمن بأن البنت في البيت هي نور هي بركة، وهي التي تملأ البيت سعادة. عدا عن ذلك هي الوحيدة التي تساعد الأهل بشيخوختهم.
جاءت راوية إلى الدنيا لكن مجيئها لم يجلب الفرح لوالدها، ذلك الوالد القاسي الذي لا يبتسم ولا يشكر زوجته بأنها أنجبت له من الأبناء ما يجعله فخوراً بهم، أصحاء يمتلكون جمالاً أخاذاً أذكياء ربتهم أمهم واحسنت تربيتهم، هي الوحيدة التي كانت تتعب من أجل تربية أبنائها، لكن لم يصادف مرة ان سمعت كلمة طيبة من زوجها. لكنها تحملت من أجل أولادها، لكن أن يتعامل معها بهذه الطريقة البشعة البعيدة عن الانسانية. وهو المحامي الذي يدافع عن حقوق الغير. ضارباً بعرض الحائط حقوق أهل بيته عليه. ذلك الشيء جعلها تفكر بجدية بترك البيت الذي كرهته غصباً عنها.
معاملته تعنيفه الدائم لها جعلها تفكر أكثر من مرة ان تترك البيت. لكن كانت تفكر بأبنائها ماذا سيكون مصيرهم، هي لم تكن انانية هي أم تحمل في قلبها عاطفة كبيرة لأهل بيتها، حتى زوجها كانت تجد له الأعذار عندما يتأخر أو عندما يعبس بوجهها ويعاملها معاملة الأغراب. لكن أن يرفض ابنته الرضيعة. صرح غالب لزوجته دون خجل منه:
– ضعيها في دار الأيتام لا أريدها في بيتي، البنات يجلبن للأهل العار.
بتلك اللحظة تأكد للسيدة نجلاء بأن الكلام مع زوجها غالب لن يفيد بشيء، الأفضل لها أن تبدأ بتحضير نفسها حتى تغادر هذا البيت قبل فوات الأوان. لذلك نفذت قرارها بعد أسبوع من ولادتها، اخذت أبنتها واولادها معها وسافرت إلى والديها اللذين كانا يقطنان في بلدة تبعد عنهم ساعتين بالسيارة.
عاد السيد غالب من عمله إلى البيت لم يجد زوجته ولا أولاده، جن جنونه وقرر الانتقام من زوجته، وهو الخبير بالقوانين كما يعتقد، لكن السيدة نجلاء كانت قد سبقته وقدمت شكوى بحقه لدى الشرطة. لقد اقتنعت أخيراً بأنها الوحيدة الذي يحق لها الدفاع عن حقوق أبنائها بأن تبعدهم عن هذا الأب القاسي قبل أن يتشربوا من طبع الوالد، قبل أن بفوت الأوان.
استمعت الشرطة بجدية هذه المرة، كيف لا والقصة فيها تهديد أسرة بحالها. ومع تزايد حالات العنف الأسري قررت مؤسسة الشرطة أن تردع كل من تسول له نفسه بإيذاء زوجته أو اهل بيته، وهنا كان الحكم صارماً الذي صدر بحق الزوج غالب بعد التحقيق حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع النفاذ، والابتعاد عن بيته، وإذا أخل بالاتفاق سوف يمدد سجنه إلى مدة غير محددة.
وهكذا طوت السيدة نجلاء صفحة سوداء من حياتها ربت أبناءها بمساعدة كبيرة من الأهل، أكملت دراستها التي كانت قد قطعتها حتى تربي ابناءها تخرجت طبيبة وخدمت أهل بلدتها، كرمت من مؤسسات عديدة على خدمتها وتفانيها من اجل مجتمعها.
أقول لكل زوجة عنفت من قبل زوجها وخائفة من الاعتراف بذلك، أقول لها تشجعي اعترضي على وضع لم يعد يطاق لأنك تستحقين الحياة.