اخبار العالم العربي
خارطة “سعيد” لتونس.. رسالة للخارج أم استجابة للشعب؟
وقبل أيام على ذكرى ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 التي أطاحت بنظام الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987ـ 2011)، أعلن سعيد، في خطاب للشعب الإثنين، استمرار تجميد اختصاصات البرلمان لحين إجراء انتخابات مبكرة في 17 ديسمبر 2022.
وأفاد بأنه سيتم “عرض مشاريع الإصلاحات الدستورية وغيرها يوم 25 يوليو/تموز (تاريخ إعلان الجمهورية)، وإصلاحات أخرى تهم تنظيم الانتخابات، دون تدخل من أي جهة كانت وبعيدا عن القوانين السابقة”.
كما شدّد على أنه ستتم “محاكمة كل من أجرم في حق الدولة التّونسية وشعبها، وعلى القضاء أن يقوم بوظيفته في إطار الحياد التام”.
وأعلنت قوى سياسية واجتماعية بارزة في تونس رفضها لقرارات سعيد الجديدة، معتبرة أنها تعبر عن “انفراد بالرأي وتكريس لسلطة الفرد الواحد”، وفق بيانات وتصريحات صحفية.
بينما رأى حزب “التحالف من أجل تونس”، عبر بيان، أن محتوى خطاب سعيد “يُعبر عن تطلعات غالبية أبناء الشعب التونسي”، وأن قراراته “توضّح معالم الطريق لسنة قادمة تُتوّج بانتخابات ديمقراطية تعيد المؤسسة التشريعية لدورها في دعم أسس الدولة وسيادة قرارها”.
وتعاني تونس أزمة سياسية حادة، خلفت تداعيات اقتصادية، منذ أن بدأ سعيد إجراءاته الاستثنائية ومنها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتوليه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة عَيَّنَ “نجلاء بودن” رئيسةً لها.
رسالة إلى الخارج
ووفق بولبابة سالم، محلل سياسي، فإن “الإجراءات التي أعلنها الرئيس هي رسالة إلى الخارج أكثر منها للداخل، خاصة حول التسقيف الزمني (تحديد جدول زمني) للإجراءات الاستثنائية والإعلان عن الانتخابات التشريعية، بينما لم يعلن عن موعد لانتخابات رئاسية مبكرة”.
وبدأ سعيد في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، وهو يقول إن إجراءاته الاستثنائية ليست انقلابا، وإنما “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”، مشددا على أنه “لن يتم المساس بالحقوق”.
ورأى سالم أن “الرئيس ماضٍ في برنامجه (…) والانتخابات ستكون على المقاس، وسنرى هذه البدعة الجديدة الاستشارة الالكترونية ومجموعة الخبراء الذين سيعينهم هو”.
ووفق سعيد، فإنه سيتم تنظيم استشارة شعبية (استطلاع إلكتروني) بداية من أول يناير/ كانون الثاني المقبل، بعد “بلورة أسئلة مختصرة وواضحة”، على أن تنتهي الاستشارات في 20 مارس/ آذار (ذكرى يوم الاستقلال)، وستتولى لجنة، يتم تحديد أعضائها وتنظيم اختصاصاتها لاحقًا، التأليف بين مختلف الآراء والأفكار، قبل يونيو/ حزيران المقبل.
الرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (تابع للرئاسة)، الأستاذ الجامعي طارق الكحلاوي، ساند سالم في ما ذهب إليه بالقول إن “المسألة مسألة موازين قوى، والطرف الرئيسي في موازين القوى الآن هو الطرف الخارجي”.
وتابع الكحلاوي: “خارطة الطريق أُنجِزت في علاقة بالخارج، وسعيد استجاب للإصلاحات الدستورية التي جاءت في بيان الدول السبع”.
والجمعة، دعا سفراء مجموعة الدول السبع ووفد الاتحاد الأوروبي في تونس، عبر بيان، إلى تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة “سريعة” لسير عمل مؤسسات ديمقراطية، بما فيها برلمان منتخب.
وتضم المجموعة: الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.
حكم “فردي استبدادي”
وبخصوص مستقبل العملية السياسية، قال سالم “سنكون أمام حكم فردي مطلق، والانتخابات والتعديلات التي أعلنها (سعيد) لن تكون لها قيمة والاستفتاء الإلكتروني لم يجر في اليابان حتى يُجْرَى في تونس التي تعاني مشاكل نقص الماء في مناطق عديدة”.
واعتبر أن “خارطة طريق “سعيد هي هروب من الاستحقاقات التي تطالب بها القوى الديمقراطية في الداخل والمؤسسات المانحة في الخارج”.
وتابع: “هو هروب إلى الأمام ونزوع إلى الحكم الفردي الاستبدادي وكأنه هو الحاكم المطلق الذي جمع كل السلطات بين يديه”.
ويقول معارضون إن سعيد، وبإجراءاته الاستثنائية، عزز صلاحيات الرئاسة على حساب البرلمان والحكومة، ويسعى إلى تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.
ضعف القوى السياسية
وبشأن احتمال إشراك سعيد القوى الداخلية في المسار الذي أطلقه، اعتبر سالم أنه “لا وجود لشراكة مع أي طرف، و(سعيد) يرفض كل الأجسام الوسيطة والأحزاب، ولا يستمع إلا لنفسه”.
فيما شدد الكحلاوي على أن “موقف الساحة الداخلية مهم، لكن المؤثر هي موازين القوى الخارجية”.
وأردف: “مخرجات 10 سنوات من الثورة بالنسبة للأحزاب السياسية للأسف هو ضعفها، وهي غير قادرة على تغيير موازين القوى”.
وتابع: “تغير الوضع بعد عام غير مهم، لأن خارطة الطريق ستكون قد أُنجزت، والقوى الداخلية غير قادرة على تعطيل تفعيل هذه الخارطة”.
وبحسب سالم، “هناك قصر نظر سياسي، وبعض القوى السياسية ما زالت تعاني من المراهقة الأيديولوجية والغباء السياسي، وكانت تعتقد بوجود مشكلة بين سعيد و(حركة) النهضة (صاحبة أكبر كتلة برلمانية) أو (رئيسها راشد) الغنوشي (رئيس البرلمان المجمد)”.
ويشير سالم بذلك إلى القوى التي ساندت سعيد في البداية، على أمل التخلص من حركة “النهضة” (53 نائبا من 217)، إلا أن سعيد هاجمهم في خطابه الأخير، واصفا إياهم بـ”الطامعين في المناصب”.
وأضاف سالم: “معروف أن سعيد ليس له مشكل شخصي مع الغنوشي، هو لديه عداوة لكل الطبقة السياسية ورافض لكل المنظومة ويرفض الأحزاب جميعها حتى الأحزاب التي ساندته”.
وأردف: “هو (سعيد) قصف الأحزاب في خطابه وكذلك المنظمات وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة اجتماعية”
واستطرد: “يبدو أن هؤلاء (القوى السياسية التي التحقت بمعارضة مشروع سعيد) استفاقوا متأخرين من الصدمة”.
ورأى أن “السياسيين استشعروا فعلا أن هناك خطرا حقيقيا أصبح يهدد وجودهم كأحزاب ومنظمات وطنية، هو (سعيد) في فكره لا يؤمن بالأجسام الوسيطة، ويؤمن بالفكرة الهلامية: القائد والشعب والتمثيل تدجيل”.
شعبية وأمن وجيش
وحول القوى التي يعول عليها سعيد لتمرير “خارطة الطريق” في ظل رفض أغلب القوى السياسية، رأى الكحلاوي أن “الرئيس يُعوِّل على العلاقة المباشرة بالناس وعلى أن الشعبية النسبية ستدفع التونسي للمشاركة في الانتخابات”.
وتابع: “القوى السياسية ستجد نفسها أمام الانتخابات ولن تقاطع، خاصة بالنظر لمواقف القوى الخارجية الداعمة لسعيد”.
وأردف: “في خارطة الطريق الأحزاب تشارك في قوائم فردية، وهذا موجود في النظام الانتخابي الفرنسي والأمريكي”.
وبالنسبة لسالم فإن “الرئيس لن يتراجع مطلقا عن تنفيذ برنامجه، وهو يعول على الشعب بخطاب شعبوي وبعض الناس الناقمين على الوضع الذي كان سائدا”.
وأضاف أن سعيد “يعول أيضا على فرض إرادته بالمؤسسة الأمنية والعسكرية.. تونس حاولت خلال 10 سنوات تأسيس أمن جمهوري وجيش محايد”.
وزاد بأن “هذه الأجهزة (الأمنية والعسكرية) تتحرك حسب المزاج الشعبي. إذا بقيت المعركة بين النخبة والرئاسة لن تتدخل المؤسسة العسكرية والأمنية، ربما تتدخل إذا صار غضب شعبي كبير وساءت الأوضاع الاقتصادية، لكن لا تتدخل مع المعارضة النخبوية”.
خلاف مع اتحاد الشغل
وبشأن مهاجمة الاتحاد العام التونسي للشغل لمبادرة سعيد الأخيرة، قال سالم إن “معاملة سعيد مع الاتحاد كانت فيها مسافة، فقد رفض كل دعوات الاتحاد للحوار (الوطني) وتوترت العلاقة بين سعيد و(رئيس الاتحاد نور الدين) الطبوبي”.
وتابع: “سعيد رفض دعوات الاتحاد للحوار قبل 25 جويلية (يوليو)، فهو لا يريد وساطة بينه وبين الشعب، بما في ذلك الاتحاد”.
واعتبر أن “انتقادات سعيد للاتحاد أكثر من تلك التي وجهها إلى النهضة وبقية الأحزاب”.
وأردف سالم: “لم نشاهد ردود فعل من الاتحاد رغم أنه أهم فاعل رئيسي في الأحداث منذ الثورة، وربما هذا ما جعل سعيد يتمادى في برنامجه، ربما تقديرا منه لوجود أمراض أيديولوجية داخل الاتحاد تريد تصفية خصم أيديولوجي فقط”، في إشارة إلى قوى سياسية يسارية مسيطرة على الاتحاد.
ومتفقا مع سالم، قال الكحلاوي إن “هناك خلاف بين الاتحاد والرئيس.. الطبوبي لم يرفض مضمون خارطة الطريق، بل رفض المقاربة التي تعكس سيطرة الرئيس”.
وتوقع الكحلاوي أن تكون “النقطة الاقتصادية عامل صدام بين الطرفين.. الطبوبي تحدث عن طلبات الحكومة من الاتحاد بالتخفيض في الأجور وغيرها، ووزير الشؤون الاجتماعية (مالك الزاهي) نفى ذلك.. أهم شيء هو المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي”.
واعتبر أن “هناك خلاف واحد بين الاتحاد وسعيد، وهو حول دور الاتحاد في المرحلة القادمة.. سعيد يرفض أن يكون للاتحاد دور”.
واستطرد: “مثلما يرفض (سعيد) تشريك الأحزاب في الترتيبات دون منعها من المشاركة في الانتخابات يريد أن يكون دور الاتحاد نقابيا ولا يدخل في السياسة”.
ورأى الكحلاوي أنه “إذا أعطى الاتحاد فكرة عن قدرته على التعبئة، سيتراجع سعيد مثلما أجبره تدخل القوى الخارجية على الإعلان عن خارطة الطريق”.
وتابع: “الأحزاب لا قدرة لها على تعطيل خارطة الطريق والاتفاق بين الاتحاد وسعيد مشروط بإعطاء دور للاتحاد”.
دعم أمريكي مشروط
وحول الموقف الخارجي من سعيد، قال سالم إن “الأمريكان لا يعارضون سعيد جذريا، وهمهم الوحيد هو إجراء إصلاحات اقتصادية”.
وتابع: “الأمريكان يعرفون أن النظام البرلماني عائق أمام (الإصلاحات الاقتصادية، ولذلك لا يعارضون النظام الرئاسي، ويريدون تحجيم دور الاتحاد، وهذا يقوم به سعيد، ويريدون ديمقراطية شكلية فقط”.
أما الكحلاوي فاعتبر أن “رد الفعل الرئيس خارجيا هو رد الطرف الأمريكي الذي يمكن توصيفه بالدعم المشروط”.
وأوضح أن “دعم خارطة الطريق بتواريخها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مشروط بأن يكون الأمر تشاركيا”.
الاناضول /تونس- عادل الثابتي + القدس
( ملاحظة المنشور يعبر عن راي الكاتب فقط ولا يعبر عن رأي الموقع )