أخبارمحلية

ولدت قبل قليل

#ولدت قبل قليل

كان من المتوقع أن علي الصراخ باكيًا لحظة الوصول الى عالمكم، لكنني لسبب غامض لم أفعل! نظرت حولي مطولًا، المكان هنا حار وموحش، ليس في المحيط الوان، ولا مكان لأستحم أو مهد لأنام، ليس حولي بالونات زرقاء كما جرت العادة، أو أطباء بأردية بيضاء ينتشلونني في الهواء ويعدون لي الميزان ليقيسوا وزني والماء لأستحم.

في المكان قابلة بملامح أجنبية عابسة تشعر بالقرف من كل شيء، ومني أنا شخصيًا، هنا صوت أمي تئن وتبكي، حولي دماء وملاية بنية خشنة، وزرد معدني يلف حول المقعد الذي تجلس أمي عليه لا أعلم ما الغرض من وجوده! قبالتي بوابة حديدة يرى منها الناظر خيوط ضوء مغبرة، والباقي ظلام.

مضى علي وجودي هنا ساعة، حتى الآن ليس لي أسم ولا صفة، بدأ جسدي يؤلمني من الاحتكاك بالملاية الخشنة، من المفترض أن يكون في المكان ذكر يسمى الأب، وظيفته أن يضحك كالمجنون، يحملني بحنان وقلة خبرة، ثم يبدأ يوزع الحلوى على الجالسين في الأروقة، غير أن لا أروقة حولي ولا أب. أنا متروك على الملاية، وأمي لا تتوقف عن النزيف والبكاء!

كانت أمي وحيدة ولا زالت، باكية وتستمر. على خصري بقعة سوداء مستديرة تشبه حبة التفاح، ربماء اشتهت أمي التفاح أثناء حملها ولم تجد من يحضره. يقولون أن الأم تشعر بكآبة بعد الولادة، لست أقدر على الحديث معها لأواسيها، ولا أحد سيفعل!

ثم أين العجوز التي تفرح حين نولد فتقبّل كل الجالسين والجالسات في المستشفى ؟ تنثر الحلوى وتبدأ باقتراح الأسماء، يقولون أنها تدعى الجدة! أين شقيقتي التي تتسلق السرير لتعرف إن كنت أشبهها أم لا، ثم تحتضني بحب غامر لأكون سندها للأبد؟

في الماضي السحيق زحفت سيدة من آخر وطني حتى أقصاه لتضع طفلها تحت شجرة، ثم رفض العالم الطفل ووالدته، أرى في أمي مريم العذراء المظلومة، وفي نفسي المسيح القادم الى العالم محملًا بظلم البشر وقسوتهم، ها أنا الآن أنطق في المهد مثله، أخاطبكم من مهدي الخشن، وأحدث ضمائر العالم من جوف عتمتي وقرب قهر أمي وألمها.

أنا اليوم أصغر أسير في الكوكب، ولدت لأبقى العار الذي يلاحق البشرية، عرفت منذ اليوم الأول أن العالم الذي وصلت إليه قبل ساعات قبيح ويرضى أن يولد أحدهم في الأسر! تبكي أمي الآن وتنزف وهم ينظرون!

أنا الذي يشتاق لوالده وشقيقته منذ الآن، علي أن أضمد جراح أمي منذ وجدت، وأتاقلم مع عتمة السجن، سأبول منذ الآن على العالم صباح مساء.

أمي تتألم! والسجانة الشقراء تكرهنا وتزمجر، الجميع يخلد الى نومه ونحن على هذا الحال، بقي أن تعلموا أنهم أعدوا لي زردًا صغير والرداء البني ذاته، وأمامي رحلة في العتمة والأسر.

أنا طفل الأسيرة أنهار ولدت قبل قليل، أكره العالم منذ اليوم الأول.

‎#أبو_حزيّن
فداء البرغوثي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق