اقلام حرة
مقدّمة “لا تعجب… زعترُنا أخضر” قصّتي وتلّ الزعتر حسن عبّادي/ حيفا
مقدّمة “لا تعجب… زعترُنا أخضر”
قصّتي وتلّ الزعتر
حسن عبّادي/ حيفا
يسألوني لماذا تلّ الزعتر؟
تعرفت على تل الزعتر خلال دراستي الثانويّة، بداية الوعي الوطني والحس القومي، وحدثت المجزرة، فمجازرنا مستمرّة مع استمرار نكبتنا، وعشناها يوماً بيوم، واختفى المخيم، وهُمّشت أخباره لسنين طويلة.
التقيت د. يوسف عراقي يوم السبت 15 أكتوبر 2016 في ساحة الحناطير الحيفاويّة خلال زيارته لإشهار الطبعة الثالثة لكتابه “يوميّات طبيب في تل الزعتر” في الوطن، بمناسبة الذكرى الأربعين للمجزرة، وتزامنًا مع الحدث أصدرنا كتاب “تل الزعتر يقاوم التغييب” للصديق بسام الكعبي.
منذ ذلك اللقاء تواصلنا بشكل شبه يومي عبر الرنقيّات والهاتف، وصار التلّ وأبناؤه حاضرين في بيتنا كلّ الوقت، فكان من الطبيعي التواصل مع د. عبد العزيز اللبدي وإصدار الطبعة الثانية من كتابه “حكايتي مع تَلّ الزّعتر” وترتيب إشهاره في الوطن بحضوره، تزامنًا مع الذكرى الواحدة والأربعين للمجزرة ورتّبت كذلك معرض لوحات بريشة د. يوسف عراقي في المناسبة ذاتها.
مرّ عام آخر وعملنا على إصدار طبعة من كتاب “إيقاعات زمن مختلف” للفنّان الزعتريّ الراحل توفيق عبد العال، تزامنًا مع ذكرى المجزرة ومعرض لوحات بريشته.
التقيت ثانية بالدكتور يوسف عراقي في شهر حزيران 2018 في غربته النرويجيّة، تناولنا إصدار كتاب توثيقيّ حول رحلته للوطن وكان نتاجها كتاب “عودة على طريق العودة”، وشاركت وزوجتي سميرة إطلاقه في معرض الكتاب الدولي في عمان، ولقاء حوله مع أهالي تل الزعتر في برلين في شهر أكتوبر عام 2019.
تكثّف التواصل مع أبناء التلّ في كلّ أماكن تواجدهم، وشرّفوني بأن أكون مشرفاَ على ثلاث صفحات زعتريّة أتابعها يوميًا.
وكان التعرّف إلى العزيزة سميرة (إيڤا) حمد (شتّال) وقصّة “الثوب الفلسطينيّ”؛ حيث زارت غزّة عام 2000 وخلال هذه الفترة من وجودها لبست ثوبًا تراثيًّا ولدهشتها، بعد التصوير مباشرة، نُزع عنها الثوب وأخذه مضيفوها منها، وفي عيد ميلادها السبعين قام أخي د. يوسف عراقي بزيارتها مع زوجته فاديا وقدّما لها فستانًا فلسطينيًّا عوضًا عن ذاك الفستان ولوحة زعتريّة بريشته، وخلال الاحتفال بعيدها هاتفتُها، لأهنّئها، وحدّثتني عن فرحتها باللوحة والفستان، وعقّبتُ بقصّة الفستان، وبعد النشر مباشرةً تلقّت دعوة للمشاركة باليوبيل الذهبيّ للهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله، وكان من نتائجها ترتيب زيارتها للوطن وإصدار كتاب “أمميّة لم تغادر التل”.
خلال العمل على الكتاب كانت لي محادثات مطوّلة مع الصديق فراس حج محمد، حول قصيدة “أرسلها لك يا تل الزعتر برقيّة” للشاعر الراحل معين بسيسو وغيرها، ومن هنا جاءت فكرة إصدار هذا الكتاب؛ ليخصص لأشعار قيلت في تلّ الزعتر، يصدر في حيفا تزامنًا مع الذكرى الخامسة والأربعين للمجزرة.
إنّهم يحاولون تشويه تاريخنا وطمس معالمنا لاعتقادهم أنّ هذا كفيل لجعل شعبنا ينسى تاريخه، فيغيب حاضره ومستقبله، ولكن “الدم لا يتبخّر، بل يغوص في الأرض.. يصير شاهدًا على الجريمة” كما كتب طلال سلمان.
سقط تل الزعتر بالكلمات، لكنّه دخل التاريخ، سيبقى مع غيره من الدم الفلسطينيّ، داخل المخيّمات وخارجها، يلاحق كلّ مسؤول ولغ بالدم، وسيبقى يلاحق أحرار العرب في فلسطين وخارجها لتذكيرهم بأنّ كلّ الآفاق مشروعة في قادم الأيام.
لن ننسى، ولن نسامح، ولن نغفر لأحد، مهما تعددت سمات القاتل، وتغيّرت صورة الجلاد، وستبقى الأجيال حريصة على بناء ذاكراتها الجمعية، وإن صمتت الضحية في السابق، فإنها لن تظل صامتة إلى الأبد.
جزيل الشكر لمن ساهم في إصدار هذا الكتاب، وخاصّة زوجتي سميرة، وسوسن حج محمد على صفّ بعض القصائد على الحاسوب، والدكتور يوسف عراقي والفنان ظافر شوربجي على منتجته وإصداره.
***مقدّمتي للكتاب، إعداد وتحرير حسن عبّادي والكاتب فراس حج محمد، (114) صفحة من القطع المتوسط. أشرف عليه فنيا الفنان ظافر شوربجي، صاحب دار مجد للتصميم والفنون، لوحة الغلاف للطبيب د. يوسف عراقي ولوحة الغلاف الداخلي الخلفي للطبيب عبد العزيز اللبدي