أثارت قضيّة تقطّع السُّبُل بالفتاة شميمة بيغوم أو “عروس داعش” مثلما تُطلِق عليها الصّحافة البريطانيّة، قضيّة إنسانيّة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، تتمثّل في وجود عشَرات الآلاف من عائلات مُقاتلي الدولة الإسلاميّة (داعش) وأطفالهم يعيشون حاليًّا في مُعَسكرات اعتقال في ظُروفٍ معيشيّةٍ صعبةٍ للغاية، حيث تَرفُض حُكومات دول أوروبيّة يَحمِلون جنسيّتها العودة إليها لأسبابٍ أمنيّة، بينما لا تُعيرهم حُكومات عربيّة أيّ اهتمام.
الصّحافة البريطانيّة مَشغولةٌ هذه الأيّام بقضيّة هذه الفتاة، بسبب سماح محكمة استِئناف لها بالعودة إلى بريطانيا للتّقدّم بطعن ضدّ قرار سحب جنسيّتها أمام القضاء، ولكنّ السّلطات لم تسمح لها حتّى الآن بالعودة، حيث تنقسم الآراء بين من يُؤيِّد هذه العودة إلى أُسرَتها (من أبوين مُجنَّسين من أُصولٍ بنغلاديشيّة) ومن يُعارض لأسبابٍ أمنيّة وربّما عُنصريّة أيضًا لأنّها تُشَكِّل خطَرًا على الأمن لانضِمامها إلى “الدولة الإسلاميّة”.
“عروس داعش” غادرت بريطانيا إلى الرقّة مع ثلاث صديقات مُسلمات عبر تركيا عندما كان عُمرها 15 عامًا (عمرها الآن 21 عامًا)، وتزوّجت من هولندي مُسلم كان عُنصرًا في التّنظيم، وقد فقدت ثلاثة من أطفالها آخرهم كانت حاملًا فيه عندما جرى اعتِقالها عام 2019، وتوفّى لاحقًا إثر التِهاب رئوي وهي تُقيم الآن مع 800 أُسرة في مخيم الرّوج شمال سورية على بُعد 80 كيلومترًا من مخيم الهول السّيء السّمعة الذي تعيش فيه 1500 عائلة في ظُروفٍ صعبة.
الفتاة شميمة خلعت النّقاب، وترتدي حاليًّا ملابس “عصريّة” وتستمع إلى الموسيقى الغربيّة، وأغاني نجم الرّاب كاني وست، الزّوج السّابق لكيم كاراديشيان نجمة تلفزيون الواقع، وقالت في حديثٍ مع أندور دوري مُخرج فيلم منطقة خطرة “لا أعتقد أنّني كُنت إرهابيّة أظن أنّني عندما غادرت إلى سورية وأنا ابنة الـ15 ربيعًا كُنت طفلة غبيّة”، وتعرّضت لعمليّة “غسيل دماغ”.
مِن المُفارقة أنّ ساجد جاويد وزير الداخليّة البريطاني المُسلم هو الذي سحب جنسيّتها، ومنع عودتها إلى بريطانيا لأسبابٍ أمنيّة تطبيقًا للقانون البريطاني، الأمر الذي عرّضه لانتقاداتٍ عديدة، خاصّةً من بعض المُسلمين في بريطانيا.
لا نتّفق في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” مع قرار “العروس” شميمة بمُغادرة أُسرتها إلى سورية وهي في هذا السِّن، ولكنّنا لا نعتقد أنّها كانت “ناضجةً” بدرجةٍ كافية لاعتِناق فِكر شديد التطرّف، وهي التي اعترفت بأنّها كانت “طفلة غبيّة”، ولذلك فإنّ اتّهامها بالإرهاب، وبأنّها تُشَكِّل خطَرًا على الأمن البريطاني، وسحب جنسيّتها بالتّالي، اتّهامٌ مُبالغٌ فيه، ويَنطوي على الكثير من القسوة والّلإنسانيّة.
الحُكومة البريطانيّة المُحافظة برئاسة ديفيد كاميرون تتحمّل جُزءًا كبيرًا من المسؤوليّة، ليس تُجاه “عروس داعش” فقط، وإنّما تُجاه وفاة مِئات الآلاف من السّوريين الذين فقدوا أرواحهم، لأنّها شجّعت الحرب في سورية، وموّلت “المُتطرِّفين” وسلّحتهم، في إطار مُخَطَّط تغيير النّظام، ولا يُمكِن أن ننسى أنّ كاميرون وساركوزي هُما اللّذان ذهَبا إلى بروكسل عام 2011 لإقناع الاتّحاد الأوروبي باتّخاذ قراره برَفع حظر السّلاح لإيصاله والمُسلّحين إلى سورية.
لا نُجادِل مُطلَقًا أنّ الغالبيّة من المُقاتلين في تنظيم الدّولة كانوا على قناعةٍ “عقائديّة” بانضِمامهم إليها، والذّهاب إلى ميادين القِتال تحت رايته، ولكن ما ذنب زوجات وأرامل وأطفال هؤلاء حتّى تُغلَق أمامهم أبواب دُولهم، والعيش في ظُروفٍ مَعيشيّةٍ غير إنسانيّة على الإطلاق، خاصّةً أبواب الدّول الأوروبيّة التي ترفع شِعارات حُقوق الإنسان.
نحن نُطالب جميع الحُكومات، إسلاميّة أو أوروبيّة بالتّعاطي بطَريقةٍ إنسانيّة مع هذه الأُسَر، والسّماح لها بالعودة إلى أوطانها، وتقديم من ارتكَب جرائم منهم إلى العدالة، أمّا الأبرياء فالعمل على إعادة تأهيلهم واستِيعابهم في المُجتمع، فإذا كان الله القويّ الجبّار جلّ وعَلا، يَغفِر ويُسامِح، فلماذا لا تَغفِر هذه الحُكومات وتتسامح أيضًا؟
“عروس داعش”، وكُلّ الضّحايا من أمثالها يجب أن تعود إلى بريطانيا وتَستَعيد جنسيّتها، ونَضُم صوتنا إلى أصوات كُلّ المُطالبين بهذا الحَقّ الإنسانيّ.
“رأي اليوم”