مقالات
مماطلة المدين والاستخفاف بحدود الدين وحق الدائن . بقلم : د. عائشة الخواجا الرازم
عدم مساءلة المدين بالحبس، تعني عدم تبادل الخير ومنح القرض الحسن للناس… وهذا تدمير لحسن النوايا التي تسبق الشعور بالمساعدة الحسنة هذا أولا …
وهذا يمنعني والله من منح القرض الحسن لكل من لا يمت لدمي بصلة … ماشي يضحك علي أخوي واختي وقريبي الأقرب…لكن لن اقرض قرضا حسنا لأي كان منذ اليوم …وسوف لن أقبل شيك أو كمبيالة وسوف أعطل التعاملات المالية التي ستتعطل أصلا تحت طائلة الشك والذعر من المحتاج والخوف من عدم الاستيفاء .
المعضلة ستتضاعف وسيتحول الخوف من الشيكات المجدولة التي تيسر الدفع على محرر المبلغ إلى صد وهواجس وشك مسبق تدعمه دولة قانون ( أضرب واهرب ) ..! وكأن دعاة عدم حبس المدين هم جماعة (حنتش بنتش،) التي تعلمت من بلطجية ( إهبش وانتش) ..لكن هؤلاء الدعاة لا يعلمون كم يساوي حجم الخسارة والفقدان الوطني والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي والإنساني حينما تفلت لفحة الدائن عن رقبته ويبدأ بالرجاء والتوسل…وحينما يتلفع بها ويتدفأ من لم يدفع ثمنها ويرتديها أمام من يتألم من صقيع البرد وهو يتلوى أمام المتدفيء متوسلا لاسترداد حقه الذي تعب ونزف لتحصيل حلاله .. .
للعلم حتى تسوية الحقوق المالية وتخفيضها هو ابتزاز وهي حرام . …لأنها توقع صاحب الحق تحت طاعة من استلم من الحق كاملا !
فماطل بعد ( هبش المبلغ ) وتهرب وتمتع به، ثم وبعد سنوات من التلاعب بالاستئناف والأكاذيب والحجج ، يقبل العدل بعرض المدين شيئا من النزر اليسير مستغلا حاجة وحزن الدائن…
إن هذا حرام . … حرام على العدالة وحرام على القضاء وحرام على المتمتع بمال الدائن .
وإني أرى ممارسة هذا الفعل تعم وتطم ومآل هذا الابتزاز دمار على دمار لأنه مبني على الاستهتار بالحق الكامل .
فاللفحة التي يتدفأ بها المدين على رقبته وهو يتمختر مستمتعا بمال الدائن حرام .
والذي حلل للمدين تصعير وجهه للدائن فحفظ أغنية ( سيبك… أنا ما بقيتش حبيبك ) وراود المدين بها عن ضميره وأولاده وبناته وبيته وماله وعياله ، هو خارج عن قانون الآية القرآنية الطويلة التي تنص على تثبيت الحق وتثبيت الشهود والأجل للتسديد ، والأجل للذين لا يفقهون معنى الأجل هو الوعد الصارم ، فليس أكبر من ( صفات المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان )
فتحمل المدين المماطل الآكل للحرام ،كل هذه الموبقات ( كذاب وكاسر الوعد وخائن الأمانة ) والمستهين بالعدل !
فما هو العدل هنا في الآيه الكريمه هل هو ترك الحبل على الغارب في حق الدين ؟ فالعدل هو العقوبة ! والعقوبة أصناف وعلى كل حالة عقوبة ذات حدود ، فلماذا الشهود ولماذا التوثيق ولماذا تحديد الزمن لسداد حق الناس؟ هل هو لتسلية المستلم للمال وحق العيال والالتفات عن مماطلته واستسخافه لأهل الحق ومجمل الحق ؟
هي أطول آية في القرآن ويريدونها مترهلة في دولة قانون وحق وعدل وثواب وعقاب ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله ، فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا، فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ، واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا آلى أجله، ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ، إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم، ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ، واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم )
يعني كل مضمون كلمة فسوق لم تقنع اصحاب التشريعات الوضعية بأن عدم الاستحقاق بالحق هو فسوق …والفسوق كبير وصفة مخيفة ..فحينما قال الله سبحانه ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا او كبيرا إلى أجله ) هل كان الأجل في الصغير مهما بلغ صغره سهلا عند أصحاب القوانين الوضعية التي تودي بالبلاد والعباد في منحدر الحرام واحتقار صاحب الحق مقابل آكل الحق علنا وبالقانون الوضعي ؟
فكيف ينتصر التشريع الوضعي للمديون ولا ينتصر للدائن ؟
كيف ؟
وهل مكافأة الدائن هي معاقبته ؟ بينما عقوبة المدين المماطل هي مكافأته وتقدير حاله وظروفه حتى لو كان كذابا مماطلا آكلا للسحت ؟ وكيف للمعاملات المكتوبة مثل الشيكات بأجل ومدة معروفة وتوقيع وهذا مذكور في القرآن كأنه يشرح حالة الشيكات بالضبط ، كيف للمعاملات التجارية والتعاملات الاقتصادية أن تحمل محمل الضبط والانضباط والحزم الرادع للمتهاون عن الالتزام والدفع ؟
هذا ليس تسهيلا على المناخ الاقتصادي والتجاري والتعاملات المنقولة وغير المنقولة والتبادل التجاري!والقروض الحسنة للناس من الناس غير البنوك ، هذا تحطيم لجدران الجد في تسديد حق الدائن والبائع والمقرض .هذا إعمال غبي للفوضى والانهزام المالي في الحق ويضيف الكاز على ثلاثة فاز فتشتعل !!! فحينما تقرض فأنت لا تشترط سوى الالتزام …والأجل والتوقيع والشهود ولا تتوخى قطع الأعناق لأنك تعتمد على القانون والوفاء وكل له حدوده ولا يضبط المماطل سوى تفعيل أمر الله ليعم التفاهم والخير والتبادل الطيب بين الناس …
إن ما عملت به الحكومة الأمس واليوم أفقد التراحم بين الناس .جفت الأيدي وسيعود المواطن للمراباة والتشديد وقبض اليد ! وتجف التعاملات الاقتصادية وتصبح أسوأ مما هي عليه من دمار وخسار! ويتجمد التحريك ويعم في جسد الاقتصاد والخير داء الطاعون طالما تجمد بالوفاء القانون !
وأخطر من ذلك أن المدين المتمتع بحق الدائن لا يدفع الضريبة على ما ( هبش في بطنه من حرام بدون تعب ) …