مكتبة الأدب العربي و العالمي
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كنا في مجلسِ الخليفةِ عمر رضي الله عنه وأرضاه
معاوية الملا
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كنا في مجلسِ الخليفةِ عمر رضي الله عنه وأرضاه ، فأُتيَ بأثوابِ كتَّانٍ أرسلها عمرو بن العاص من مصر ، فوزعها الفاروق ثوباً ثوباً على مَن حضر ، ثم نوديَ للصلاة فصلينا ، وصعد أبو حفص المنبر يخطِبُ فينا وعليه ثوبان ، فحدثت همهمة في المسجد ، فقطع خطبتَهُ وقال : ما لكم ؟ ألا تسمعون ؟! فقام رجلٌ في المسجد وقال : لا ، لانسمع .. فسأله عمر : لِمَ ؟! فردَّ الرجل : لقد وزعتَ علينا ثوباً ثوباً واستَأثَرتَ لنفسِكَ بثوبين .. فنادى الخليفة : يا عبدَ الله .. فلم يجبهُ أحد . فنادى ثانيةً : يا عبدَ اللهِ بنَ عمر ، فأجابه ولدُهُ عبدُ الله : لبيكَ يا أميرَ المؤمنين .. فاستَحلَفَهُ الخليفة وقال : ناشدتُكَ الله ، الثوبان اللذَانِ عليَّ لِمَن ؟ فأجاب : واحدٌ لك وواحدٌ لي .. فالتفت عمر إلى الرجل وقال : أرأيت ؟ فردَّ الرجل : الآن نسمع ، وجلس ..!! المعنى : لم تستطع صرامةُ عمر وشدتُهُ من منع رجلٍ أو امرأةٍ أو طفلٍ من قول الحق ، وقصة المرأة التي تصدت له عندما حضَّ النساءَ على تقليل المهور مشهودة بقولها : أتغبطنا حقاً افترضه الله لنا ؟!! فاستحى منها وقال : أصابت المرأةُ وأخطأ عمر ، فكلُّ الناسِ أفتى من عمر .. كل الناس أفتى من عمر .. وذكر عبد الله بن الزبير قصة (وهو أولُ مولودٍ في الإسلام وكان نبيهاً) قال فيها : كنا صبيةً نلعب في واحةٍ بالمدينة ، فأقبل علينا عمرُ وهو خليفة ، فهرب الصبية وبقيتُ وحدي ، وعندما اقترب مني قال : ولِمَ لم تهرب أنت أيضاً مع رِفقتك ؟ فأجبتهُ : لم أرتكب ذنباً لأهرب ، وليست الطريق ضيقةً كي أفسحَ لك ..!! فمسح على رأسي ومضى ..
وبعد … هذا هو الإسلام الحق ، وهؤلاءِ هم المسلمون المهتدون .. بهم سُدنا الدنيا .. رُفِعَتِ الأقلامُ ، وجَفَّتِ الصُحُف ..