شعر وشعراء

قصيدة لأبي الطيِّب ترسُمُ تفاصيلَ حياتنا على هذا الكوكب، فليتَأَمَلْها صديقي القارئ فإن فيها عِبرةً عظيمة:(من الخفيف)

البروفيسور لطفي منصور

صَحِبَ النّاسُ قَبْلَنا ذا الزّمانا
وَعَناهُمْ مِنْ شَأْنِهِ ما عَنانا
وَتَوَلَّوْا بِغُصَّةٍ كُلُّهُمْ مِنْهُ
وَإنْ سَرٍَ بَعْضَهُمْ أحيانا
رُبَّما تُحْسِنُ الصَّنِيعَ لياليهِ
وَلكنْ تُكَدِّرُ الإحْسانا
وَكَأَنَّا لمْ تَرْضَ فينا بِرَيْبِ
الدَّهْرِ حتى مَنْ أعانَهُ مَنْ أعانا
كُلَّما أنْبَتَ الزَّمانُ قَناةً
رَكَّبَ المرءُ في القناةِ سِنانا
وَمُرادُ النُّفوسِ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ
نَتَعادَى فيهِ وَأنْ نَتَفانَى
غَيْرَ أنَّ الْفَتَى يُلاقي الْمَنايا
كالِحاتٍ وَلا يُلاقي الْهَوانا
وَلَوْ أَنٍَّ الْحَياةَ تَبْقَى لِحَيٍّ
لَعَدَدْنا أَضَلَّنا الشُّجْعانا
وَإذا لمْ يكُنْ مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ
فَمِنَ الْعَجْزِ أَنْ تَكونَ جَبانا
كلُّ ما لمْ يكُنْ مِنَ الصَّعْبِ في
الأَنْفُسِ سَهْلٌ فيها إذا هوَ كانا
—————-
الكلمات الصعبة :
المعاناة: التعب والابتلاء والشقاء.
يقول: الناسُ قبلنا عرفوا طبائعَ هذا الزّمن. والزمن هو الدهر، وتعبوا منه مثلَ ما تعبنا. أي اصابهم ما أصابنا.
الغُصّة: ما يغصُّ الإنسان من همّ أو حُزن. وأصله الشّجا الذي يمنع نزول الطعام أو الشراب في الحلق.
تركَ الناسُ قبلنا هذا الزّمَن بغُصَص وهموم، وإن يكن قد سَرَّ بعضَ الناس بأشياء نَكَّدَها عليهم. فلا يأمن الإنسانُ صُروفَ الدهرِ وتقلُّبه.
الصنيع: الإحسان والمعروف. يعني: كلُّ خيرٍ يُحدثهُ الدهرُ يسترجِعُه.
البيت الرابع: يُحَمِّ الشاعرُ الناسَ مسؤوليّةَ قسمٍ من مصائبهم يسببونها لغيرهم بالشرّ والقتلِ والأذى، فكأنهم لا يكتفون بفعل الدهرِ بهم فيُعينونَه على أنفسهم بالحرب والقتل والأسر.
ضربَ مثلا بفعلِ الإنساِنِ في أخيه الإنسان، فاتخذَ القناةَ وهي عودُ الرمح مثلا. وهي قصبة لها أكعاب لينة تصلحُ لتكونَ عصًا للرمح، فإذا رآها الإنسان نابتةً أسرعَ في جعلها رمحًا، فيكب لها سنانًا لقتل أخيه الإنسان.
إن النفسَ البشريّ لا تريدُ شيئا من حُطام الدنيا يستحقُّ أن يتحارَبَ الناسُ عليه، فيقتل بعضًا. هذه دعوة من الشاعر إلى السلم. ثمّ كشفَ عن أسبابِ القتال فيقول:
إنّ الحُرَّ الأَبِيَّ لا يقبل الضيمَ والهوان. غخيرٌ له أن يقابل الموتَ الزُّؤام العبوس ولا يُهان أو يصغُر أمام الظلمِ والطغيان.
يعجبُ الشاعرُ من نفسِ الجبانِ وهو يعرِفُ أنّ الموتَ مُلاقيهِ، فلماذا يموتُ جبانًا؟
أما لو كانت الحياة خالدة لقلنا إنّ السجعانَ أحمقُ الناس. ولكن من أينَ لنا الخلود؟
البيت الأخير: يقول: أنما يصعبُ الأمرُ على النفسِ قبلَ وقوعِهِ؟ فإذا وقعَ يُصبِحُ سهلا على النفس، بفعل النسيان والاعتيادُ عليه.
وللفائدةِ للمعلمين والمثقفين أحلل وأُعربُ البيتَ الأخير، لأنّ بعضَ أبياتِ المتنبي أحيانًا يعسُرُ فهمها: أكتبه بلغةٍ أوضح وأسهل:
كلُّ الذي يحدُث في النفس من الأمور الصعبة (مثل المصائب) تصبحُ سهلةً بعدما تقع. الصعوبة قبل وقوعها. لكنها لما تحدث تسهُلْ.
كلٌّ: مبندأٌ مرغوع. وهو مضاف. ما اسم موصول في محلّ جرّ مضاف إليه.
لم يكن : جازم ومجزوم. يكن هنا تامَّةٌ، لأنها بمعنى حدثَ أو وقع. وفاعلها ضمير يعود على كل. الجملة الفعلية جملة الصلة لا محلّ لها من الإعراب.
من الصعبِ: جار زمجرور في محلّ رفع خبر كلّ.
في الأنغسِ: جار ومجرور. شبه الجملة متعلقة بالفعل يكن او بالضمير الفاعل.
سهل: خبرٌ ثانٍ لِكُلّ.
فيها: جار ومجرور متعلقان بالنفس.
إذا: أداة شرط غير جازمة.
هوَ: ضمبر الشأن أو الفصل لا محلّ له من الإعراب.
كانَا: الألف للإطلاق. كانَ تامّة أيضا بمعنى حدث والفاعل ضمير مستتر يعود على اسم الموصول بعدَ كلّ.
الجملة الفعلية (كان هو) في محلّ جرّ مضاف إليه لإذا الشرطية.

 

 

َ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق