مقالات

تسليط. الضوء الثقافة الى اين؟؟؟؟ شعراء يبيعون أشعارهم. عبر تويتر بأبخس الاثمان

ينظر البعض إلى مقولة “الأدب حرفة الفقراء” من زاوية مختلفة، خاصة في مجال الشعر الذي تحول إلى مصدر تكسب، بدءا من قصائد المدح والحفلات وبرامج المسابقات، وانتهاء بظاهرة بيع القصائد الشعرية التي كانت مثار جدل منذ الثمانينات الميلادية وحتى عصر “تويتر” الذي أصبح منصة عرض لبيع القصائد الشعرية علناً من قبل شعراء يبحثون عن المادة.
وباتت مواقع التواصل الاجتماعي محط أنظار من يريد أن يصبح شاعرا بين ليلة وضحاها، من خلال شراء القصائد التي يتم عرضها حسب الطلب بثمن بخس، فالقصيدة التي لا يتجاوز عدد أبياتها 20 بيتا تباع بـ1000 ريال، وربما يختلف السعر حسب الشاعر وحاجته إلى المادة والغرض من القصيدة، وشخصية المشتري وقدرته المادية ومكانته الاجتماعية.
محررة “الوطن” تقمصت دور من يبحث عن الشهرة وشراء القصائد، وتواصلت مع أحد الشعراء الذين يعرضون قصائدهم للبيع عن طريق موقع “تويتر” تحت معرفات كثيرة منها، قصائد للبيع، بيع قصائد، قصائد لجميع المناسبات وغيرها من المعرفات، وطلبت قصيدة شعرية مكونة من 20 بيتا في المدح، وكانت المفاجأة أن الشاعر الذي سيكتب الأبيات طلب مبلغا زهيدا 1000 ريال وبالاتفاق على الأبيات والسرية أكد الشاعر أن السرية موجودة، وقال “لن يخرج اتفاقنا في يوم من الأيام لأي شخص كان، ويمكنك نشر القصيدة باسمك في أي وسيلة إعلامية، وستنالين الشهرة التي تبحثين عنها”.
وأكد الشاعر أنه محافظ على جانب السرية تماما، وأنه يريد فقط شرحا لطبيعة الفكرة التي تريد محررة “الوطن” أن تكون عليها القصيدة وموضوعها الشعري، وهو يتولى المهمة، مشيرا إلى أنه سيرسل أولا الأبيات الأربعة الأولى منها لإبداء رأيها فيها أولا، وإن نالت استحسانها وإعجابها فلن يكملها إلا بعد أن تودع في حسابه المبلغ المتفق عليه.
وبعد أن أرسل الشاعر أربعة أبيات، وأظهرت محررة “الوطن” عدم رضاها عنها، حذر من نشرها قائلا “لا تأخذيها وتتوهقي فيها.. ترى بكمل عليها أبيات وببيعها على غيرك.. يعني لا تبلشي فيها وتكتبيها باسمك”.

حالة قديمة
يقول الأديب والمؤرخ حماد السالمي إنه يعتقد “أنها حالة قديمة في تاريخنا العربي، زادت مع انتشار الشعر النبطي والشعر الغنائي على وجه خاص، وأصبح المال عند من يملكه وسيلة لشراء الشهرة والمجد، كما صار الشعر وسيلة لجلب مزيد من المال للشعراء”.
ويضيف “كان شعر المدح في قرون خلت يرفع أصحابه ويغنيهم، ثم نزل به آخرون في عصرنا إلى سوق البيع لمن يدفع أكثر، حتى الشعر الفصيح طاله بعض ما طال النبطي والشعبي من امتهان، وهذه صورة أخرى من صور التردي الذي يلف تاريخنا وأدبنا وثقافتنا”.
وقالت الشاعرة الدكتورة هند المطيري إنها تكتب لمن يطلب منها قصيدة باسمه كمجاملة وهدية في مناسبة وتهنئة له أو لأي شخص، شرط أن تكون تحت اسمها، وهي ترفض مطلقا فكرة بيع قصائدها لأي أحد مهما كانت منزلته ومكانته، ومهما عرض عليها من مبالغ مادية، وهي ترى أن أفكارها وقصائدها حق لها، والأمر في نظرها يعد سرقة لإحساسها ومشاعرها، ولا يليق بالشعراء.
وأشارت إلى أن “هؤلاء الشعراء الذين يبيعون قصائدهم ربما تكون لهم أسبابهم المادية، وعادة في المناسبات لا يأخذون إلا الأسماء المعروفة والمشهورة مثل سوق “الطقاقات” اليوم، وأما الشعراء المغمورون فهم مستبعدون ولا يأتيهم عائد من شعرهم، وليس هناك فعاليات يستدعون إليها، لذا فإنهم يلجؤون لبيع شعرهم وقصائدهم كمصدر رزق”.
وأضافت “لدينا خلل في الصفحات الثقافية والشعبية، حيث يحتكر بعض المحررين الذين يخرجون هذه الصفحات ثلاثة أرباع الصفحة لأنفسهم، بينما كثير من الشعراء والمثقفين محرومون منها”، وذكرت أن أغلب الشعراء السابقين الذين ذاع صيتهم في الثمانينات والتسعينات لم يعد لهم وجود وحضور الآن، مبينة أنهم شعراء مزيفون اكتفوا ونالوا من الشهرة ما يصبون إليه، وأيضا قد يكون الشاعر الذي يبيع قصائده قد ظهر باسمه الحقيقي فاختفى الشاعر الوهمي، وهناك كثير من الأسماء اللامعة وراءها شعراء يلمعونها.

سرقة وبيع
وقال الكاتب الصحفي بقسم التحقيقات في صحيفة الجزيرة راشد الزهراني إن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، وعايشها حينما كان مشرفا على صفحة “نسمات شعبية”، حيث اتضح له أن كثيرا من الشعراء يسرقون، وآخرون يبيعون قصائد، سواء عربية أو أجنبية، مبينا أن اختفاء الأسماء الرنانة التي كانت قبل سنوات ربما يعود لاختلافها مع من يزودونها بالقصائد على الأسعار، أو لأنها نالت الشهرة التي تريدها فصرفت النظر عن شراء الشعر. وأضاف “الشاعر الذي يبيع قصائده يهتم للربح المادي أكثر من انتشار قصائده والاستفادة منها”، مشيرا إلى أنه ضد هذه الظاهرة التي تسلب الحقوق، وذكر أن من يشتري القصائد عادة مفضوحون أمام الشعراء البارزين، لكن البارزين وللمجاملات لا يفضحون مشتري القصائد، وهناك شخصيات اجتماعية لا يمكن أن يقال لها إنها سرقت قصيدة ولا يتحدث عنها أي أحد، لكن على مستوى الساحة الشعرية يبقى أمر الشراء والبيع مفضوحا.
وذكر الزهراني أن محرري الصفحات الشعبية لا ينشرون إلا لشعراء معروفين فقط، بينما يهمل الباقون، وهذه الصفحات تخلق سوقا سوداء لبيع الشعر.
وعن قلة السعر الذي يعرضه بعض الشعراء لبيع قصائدهم، قال “الشعراء أصبحوا يمتلكون قصائد كثيرة، وكأنها في مستودع، وهم يحققون عبر بيعها انتشارها”، وذكر أن هناك قصائد جيدة وليس عليها غبار نهائيا، ولكن لا تنشر طالما الشاعر غير معروف لأنه صاعد أو لأنه جديد على الإعلام، ولا بد من شاعر معروف يعطي الصفحة مكانتها.
وتابع “هناك شعراء مغمورون أفضل بكثير من الموجود على الساحة”.

البحث عن الشهرة
وقال الشاعر الشعبي ردة السفياني إن هناك أسبابا عدة أسهمت في انتشار الظاهرة، منها أن أصحاب النفوذ وغيرهم يبحثون عن الشهرة من خلال الشعر، ونظرا لأنه لم يكن في فترة الثمانينات والتسعينات إلا الشعراء المعروفون على الساحة والبقية محاربون لعدم وجود القنوات التي يمكن أن يصلوا من خلالها إلى المتلقي، إضافة إلى أن الشعراء كانوا يقومون بعملية احتكار في شللية مبطنة وأخرى ظاهرة ضد الأسماء الجديدة، فقد انتشرت الظاهرة.
بينما أشار الشاعر الشعبي عيد الشدادي من صفحته بتويتر إلى أنه لا يوافق على بيع قصائده لأن مشاعره ليست للبيع، مشيرا إلى أنه قد يكتب للغير في المناسبات ولكن يحفظ حقوقه بوضع اسمه عليها.
نوره الثقفي29.Folder

مقالات ذات صلة

إغلاق