اخبار العالم العربي
رسالة الأمين العام لجبهة النضال لشعبي الفلسطيني الرفيق د. احمد مجدلاني لمؤتمر مقاومة التطبيع في تونس
أسمحوا لي بداية أن أتقدم لكم بأسمى التحيات النضالية وانتم تعقدون هذا المؤتمر في تونس تأكيداً للمواقف التاريخية المبدئية والثابتة التي تمثلونها في تونس ، حيث تشكل الحالة التونسية حالة متقدمة في النضال العربي ضد التطبيع ودعم ومساندة القضية الفلسطينية ، ولقد شكلت تونس والشعب التونسي وكافة أطراف الحركة الوطنية التونسية عنوناً طليعياً ومتقدماً في مجابهة التطبيع وخلق رأي عام شعبي يرفض التطبيع ويدعم النضال الوطني الفلسطيني ، فكل التحية والتقدير لتونس الشامخة بمواقفها ومسيرتها .
التطبيع مع الكيان الصهيوني وإقامة العلاقات الطبيعية معه في ظل تواصل هذا الاحتلال وفرض هيمنته الاحتلالية على الأرض الفلسطينية يشكل خروجاً على الإجماع العربي برفض التطبيع مع إسرائيل قبل إنهاء الاحتلال عن كامل الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وفق ما هو معلن في الموقف العربي الرسمي ووفق مخرجات القمة العربية في بيروت ومبادرة السلام العربية ، وفلسطينياً يعتبر التطبيع وإقامة العلاقات المباشرة وغير المباشرة مع الاحتلال بكافة مستوياته السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية خيانة وطنية وانتهاكاً لمبادئ وقيم الإجماع الوطني التي أكدت عليها كافة قرارات الإجماع الوطني التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية ، فلا يحق لأي طرف أو شخص أو مؤسسة إقامة أية علاقة تطبيعية مع الاحتلال ومهما كانت المبررات والدوافع .
ومن هنا فان التطبيع مع الاحتلال مرفوض ، وإقامة أي علاقة تطبيعية معه هي تشجيع له المزيد من الإجراءات والسياسات العدوانية والعنصرية وفرض الأمر الواقع الاحتلالي على الأرض الفلسطينية .
وعندما نرفض التطبيع فان هذا الموقف نابع من إرادتنا الوطنية ومنموقفنا الوطني وقرارانا الوطني المستقل من اجل الحفاظ علىمشروعنا الوطني وقضيتنا الوطنية وصون دماء وتضحيات الشهداءوالأسرى وعذابات المناضلين ، فلا يمكن لنا أن نبدأ بأي علاقة مهماكان نوعها مع هذا الاحتلال قبل أن تتحقق أهداف وتطلعات شعبنافي الحرية والاستقلال الناجز .
ربما من المبكر الحكم على نتائج محاولات التطبيع ، لكن بلورة رؤيةموضوعية لدوافعها الحقيقية هو الذي سيمكننا من معرفة تداعياتهاالمحتملة ، فمن الواضح أن ثمة هوة شاسعة بين موقف المستويينالرسمي والشعبي من التطبيع ويقتضي عدم إغفاله أو تجاوزه ،حيث عبر الكثيرون عن مخاوفهم من رياح التطبيع الإسرائيلية – العربية وترسيخ فكرة الهزيمة والاستسلام التي تصدرتها منذ أربعةعقود قوى وشخصيات سياسية وفكرية مشكوك في التزامها الفعليبمبادئ التحرر وقيم الصمود ، وهذه المخاوف تتعمق اليوم لتصل إلىحقيقة أن دوافع التطبيع ليست واحدة بالضرورة ، بل فيها تقاطعاتمشتركة بين المستويين الرسمي والشعبي ويتمثل تحديداً في طبيعةالعلاقة مع العدو الاستراتيجي للأمة وأسلوب تعاطي أنظمة الحكممعه ، وفيها ما هو خاص يرتبط بالأهداف والمقاصد النهائية لطرفيالعلاقة ويتعلق الأمر هنا تحديداً بهوية العدو التاريخي للأمة.
ومهما تقدمت محاولات التطبيع في تحقيق أهدافها إلا أن الوصولإلى تحقيق معادلة ” العمق التطبيعي ” سيصطدم بعوامل الشدوالجذب السياسي والمجتمعي ، بما يعني أن نجاحها أو فشلهاسيخضع لمعيار التوافق بين المستويين الرسمي والشعبي بشأن هويةالأعداء والحلفاء الاستراتيجيين للأمة والوطن ، بيد أن اختلافاتالنخب الفاعلة في المجتمع وتناقضاتها الحادة يؤكد أن ثمة اختلافجوهري في المفهوم الحقيقي لماهية العدو ، ولا تزال مثار إشكالياتبين أغلب الدول العربية ؛ الأمر الذي يبعث على الريبة والشك فيمصداقية خطاب المستوى الرسمي والتناقض مع المستوى الشعبي ،لأن في خضم هذا الاختلاف ثمة من يجزم بأن مفردات الخطابالرسمي لا تعدو كونها شعارات تتجمل بها الأغلبية من الدول العربيةوعدد لا بأس به من القوى السياسية والاجتماعية.
وبناء على ما سبق ، سيكون من المتعذر فهم حقيقة التهافت علىالتطبيع مع العدو التاريخي للأمة من عرب وغيرهم دون العمل علىبلورة تصور موضوعي لثلاث تساؤلات ، أولاً : حقيقة الصراعالعربي– الإسرائيلي ومضمونه… هل هو صراع إرادات وصراع وجودبين دول مستقلة وكيان محتل غاصب لأرض الغير ، أم أنه صراعأطراف إقليمية يسعى كل واحد منها إلى فرض رؤيته على الآخر ؟ والتساؤل الثاني يتعلق بهوية الأنظمة والقوى السياسية الفاعلةوالمؤثرة ، هل تملك رؤية مشتركة للأسس التي يجب أن تجابه بهاالعدو الصهيوني ؟ أما التساؤل الثالث يكمن في المآلات المحتملةللتطبيع التي من المحتمل أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة ، كأنتنجح في تحقيق الانتقال التدريجي في التطبيع وإدخال الدولةالوطنية في حال من الفوضى والتفكك ، لا سيما بعد أن تصبح رهينةلمجمل الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية.
علينا أن نتفق على طبيعة التطبيع وما هو التطبيع وان تكون هناكمرجعيات وطنية تحدد ما هو التطبيع ومتى يكون ومع من يكون ،وهنا تقع المسؤولية المباشرة على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية وصولا إلى كافة القوى السياسية الفلسطينية وحركةالمقاطعة BDS لوضع معايير واضحة ومحددة لمفهوم ومضمونوأشكال
التطبيع ، ومن الضرورة بمكان أن يكون هناك توجه عربي شامللوقف هذه الهرولة نحو التطبيع والتي كان آخرها عدد من الأعمالالدرامية على الشاشات العربية ، والتي بدأت تمهد فعلياً للقبولبالأخر / النقيض وإقامة علاقات طبيعة معه ز
وبناء على ما تقدم فالتطبيع قضية في غاية الخطوة تواجه الشعبالفلسطيني وقضيته الوطنية وبخاصة وأننا ما زلنا في مرحلة تحرروطني تداخلت مع مهام بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وبناء أسسالنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفلسطينية وهناكضرورة وطنية لحماية الجبهة الداخلية الفلسطينية وتحصين الموقفالفلسطيني وعدم السماح بهذه الهرولة والتطبيع المجاني معمؤسسات الاحتلال المختلفة والتي تسعى لفرض هيمنتها الكاملة منخلال ما يقوم به ” المنسق ” وما تقوم به ” الإدارة المدينة ” الإسرائيلية من حراكات يومية تمس قضايا وشؤون شعبنا ومواطنيناالهدف منها التأكيد أن السلطة العليا على الأرض هي للاحتلال وانالشعب الفلسطيني يتعامل بشكل طبيعي مع الاحتلال ويحاولالاحتلال جاهداً بين الفينة والأخرى تأليب الشارع الفلسطيني علىقيادته الوطنية والشرعية بدعاوى ومنطلقات مختلفة تستهدف زعزعةالأمن والاستقرار وفرض الفوضى وتقويض المنجزات الوطنية التيتحققها الحكومة الفلسطينية .
التأجيل الأمريكي المتواصل لإعلان “صفقة القرن ” يؤكد على أنالمشروع الأمريكي يستند لمسارين الأول ، محاولة فرض الرؤيةالأمريكية الإسرائيلية فعليا وعمليا على الأرض فيما يتمثل المسارالثاني بخلق مناخ إطار إقليمي للتسوية أساسه التطبيع.
الاتفاق الثلاثي الذي أعلن عنه بتطبيع العلاقات بين الإمارات و” إسرائيل ” وبرعاية أمريكية ، كان له أثر كبير على الموقف العربيوتداعياته ، وخطورة الموقف الإماراتي ، بالتطبيع تكمن في انقسامالموقف الرسمي لبناء تحالف جديد يصب في مصلحة الخطةالأمريكية المسماة ” صفقة القرن ” وهي ليست معزولة عن ذلك.
وهذا الإعلان الإماراتي بمثابة طعنه للقضية الفلسطينية وللحقوقالوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ، إضافة لكونها خروج فاضح عنالإجماع العربي، وضرب بعرض الحائط لمبادرة السلام العربية التيتم إقرارها بقمة بيروت في العام 2000 ، والتي أكدت على أنالتوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
الإعلان عن إقامة العلاقات والتطبيع وتبادل السفارات ما بينالإمارات ودولة الاحتلال تعتبر بمثابة هدية مجانية تقدمها دولةالإمارات إلى حكومة الاحتلال وجنرالاتها وتشجيع لسياسةالاستيطان ومصادرة الأراضي واستمرارا لتهويد واسرلة مدينةالقدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.
إن التذرع وراء تعليق ضم الأراضي الفلسطينية لا يشكل مبررا لهذهالخطوة المرفوضة والمدانة فلسطينيا وعربيا ، ولم يفوض الفلسطينيونأحداً لتقديم تنازلات باسمهم.
من يوقع اتفاق سلام مع دولة الاحتلال ويدعمها هو عمليا يدعم ضمالقدس والاستيطان ، وأيضا يتخلى عن حق العودة وبالتالي وجودوضع جديد بحاجة إلى معالجة مختلفة عن السابق.
في هذا الوقت لا يوجد رهان بإعادة بناء الموقف العربي مجددا لانصيغة النظام الرسمي العربي التي كانت مبنية على الإجماع علىقرارات القمة العربية انتهت الآن وضربت ، وبالتالي المهمة اليومليست البحث عن صيغة جديدة لان الموضوع بحاجة لظروفومعطيات مختلفة عما كانت عليه في السابق. حتى الآن ما زال الرد الفلسطيني صلباً وشجاعاً ، وهذا الأمر في غاية الأهمية للتصدي للمشاريع التصفوية – التسووية ، التي تحاول النيل من حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية ، والمطلوب اليوم وعلى المستوى الوطني العام بناء إستراتيجية وطنية موحدة وتجميع كل قوى وطاقات شعبنا وتجنيب الخلافات الداخلية جانباً وإنهاء كل مظاهر الانقسام والتوحد في معركة الدفاع عن المصير المشترك والتفرغ بشكل جدي لتصعيد المقاومة الشعبية وتحشيد الشارع الفلسطيني في كل مكان ووضع خطة للاشتباك السياسي مع الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال والضغط على المجتمع الدولي لرفض الهيمنة الأمريكية والتحرك على المستوى العربي والدولي لتشكيل جبهة فلسطينية عربية دولية للتحرك في مواجهة صفقة القرن وإسقاطها والعمل على عقد مؤتمر دولي للسلام يستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين .
وتقبلوا منا فائق الاحترام والتقدير
د. أحمد مجدلاني
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
رام الله – فلسطين
29/8/2020