المنصة الدولية زووممنظمة همسة سماءنشاطات
أهمية اللغة قوميا وعلميا ولغويا ورقة مقدمة لندوة” اللغة العربية وتحدياتها المعاصرة”
1. د. عبد الرؤوف صالح خريوش /عميد كلية الآداب- جامعة القدس المفتوحة نابلس فلسطين
مقدمة :
تشكل التحديات التي تواجه اللغة العربية معضلة حقيقة للغة ضاربة بعمق التاريخ، وفي الجزيرة العربية وقبائلها التي عاشت بعمقها قروناطويلة، ويعد شعرها الجاهلي، الذي لا يزال يقرأ على أنه من الروائع، أحد أهم مصادرها الذي سجل لوقائع العرب وحروبهم وسجلاتهموأسواقهم وايامهم.
وتعد حركة فرض اللغة العربية: تعليميا وثقافيا وتواصليا، عالميا وعربيا، من التحديات التي تواجه اللغة العربية؛ فهي إحدى لغات العمل الستالمعمول بها داخل اروقة الأمم المتحدة منذ 1973، بجهود عربية وإسلامية وعالمية ( اليونسكو ) من المواضيع المهمة؛ التي تشكل تحديًا منتحديات اللغة العربية المعاصرة في العصر الحديث، تمليها ضرورات قومية، ووطنية، واجتماعية، وعلمية؛ ولغوية، فاللغة العربية كانت ولا تزالهي الأساس الذي قامت عليه حركة وجودهم قديما، ورابط جودهم ووحدتهم حديثا، فكان التمسك باللغة، والدفاع عنها أمام الأطماعوالأخطار التي أحاطت بها من أسس مقاومة ذلك، فكانت قومية اللغة سمة بارزة في الشعراء الذين نادوا بالتمسك بالعروبة واللغة أساسًاللقومية.
ومع بدء فك العزلة مع بداية عصر النهضة، خرج العرب وانفتحوا علـى العالم الآخر؛ فانبهروا من التقدم العلمي السريع الذي توصل إليهالغرب، الذي توج أخيرًا باستعمارهم الدول العربية، فحاول السيطرة على المنطقة العربية بكل السبل والطرائق؛ فكانت محاولة فَرْنسة اللغةفي المغرب العربي، ونجلزتها في المشرق العربي، وبدأت المقاومة لذلك عن طريق بعض المراكز العلمية والحضارية العربية، كالأزهر الشريففي مصر، والقرويين في المغرب، والزّيتونة في تونس، وبعض المعاهد السورية واللبنانية في الشام ؛ ومجامع اللغة العربية العراقي والسوريوالمصري، لذلك فإن مجاراة الغرب، ومسايرة تقدمه العلمي يجب أن يكون لغويًّا؛ لأن اللغة وعاء للأفكار، والأحاسيس، والتطلعات، والمشاعر؛ليتمكن العرب من التقدم العلمي والإبداع الفكري والمعرفي؛ إذ دخل العلم كله في عصر تقني، تتسارع فيه المعارف بشكل لم يسبق له نظير،وتسارعت مع هذه المعارف الألفاظ اللغوية، والمصطلحات الدالة عليها، كما يشكل إرهاصًا بأن لغة العلم سوف يكون لها أعظم الأثر فيالحياة العادية للبشر في القريب العاجل، فضلاً عن استعمالها في المؤسسات، والمنشآت العلمية والثقافية، وفضلاً عن تدوينها في معاجمخاصة تكون مرجعًا مهمًّا لمن يريد التقدم في هذه الميادين .
وقد بدأت تباشير النهضة الفكرية العربية بإحياء لغوي في فنون اللغة والأدب، منذ رفاعة الطهطاوي ( ت 1873م ) الذي سافر إلى باريس؛فألف كتاب ( تلخيص الإبريز في أيام باريس)، وبه عرب المصطلحات والأسماء، واضعًا إياها في معجم صغير، كذلك نُشرت أمهات الكتب،ووضعت المعاجم، وما صاحبها من الدعوة إلى توسيع التدريس باللغة العربية الفصيحة؛ لأنها تمثل الدعامة الأساسية لمواجهة تغريب اللغة؛لذلك ولج العرب هذا الميدان في مصر زمن محمد علي (ت 1849م )، وفي سوريا ولبنان، ومع دخول الاستعمار الإنجليزي إلى مصر توقفهذا الاتجاه في مصر واستمر في سوريا ولا يزال إلى الآن.
أهمية اللغة والحاجة إليه في الحياة العربية المعاصرة:
إن الجهود الاستعمارية الرامية إلى طمس اللغة والدين، بقيت متواصلة، تهدأ حينًا، وتحتد حينًا آخر؛ فالجهود العربية في المجال العلمي؛التي بدأت في عصر النهضة، واجهت هجمة استعمارية شرسة، عصفت بتلك الجهود، مما أدى إلى قتل روح الإبداع، وهذا بدوره أدى إلىالنزوح عن اللغة العربية، وعدم اعتمادها لغة التدريس في المجالات العلمية.
ورغم زوال الاستعمار إلا أننا ما زلنا نشهد آثاره واضحة جلية في معظم جامعاتنا؛ وذلك باعتماد لغته في تدريس العلوم على الرغم منالنداءات الصادرة عن المجامع اللغوية، والجامعة العربية، الداعية إلى اعتماد اللغة العربية في التدريس .
إن الاهتمام باللغة العربية لا يعني بالضرورة إهمال اللغة الأجنبية؛ التي تمكننا من الاطلاع على ثقافة الآخرين، وإبداعاتهم في المجالاتالمختلفة؛ بل نعني به اعتماد اللغة العربية لغة حوار وتأليف علميين؛ من أجل تعميق الوعي، والفهم باللغة الأم، الأمر الذي يؤدي إلى تطويرالأمة ونهوضها؛ لهذا كله فإن للغة أهميات: علمية، ولغوية، وقومية، هذه الأهميات ترتبط بالحياة المعاصرة للإنسان العربي، الساعي دومًاللتقدم، والتطور، والتخلص من التبعية، والجمود؛ ليعود كما كان في العصور الإسلامية الزاهية، صاحب إبداعات علمية، تدفع به ليكون فيمصاف الأمم المتقدمة.
أهمية اللغة على الصعيد القومي:
تعد اللغة أساسًا من أسس القومية العربية قديمًا وحديثًا؛ لأنها من أهم عوامل الوحدة العربية، كونها لغة الأمة كلها، ولعل اللغة العربية منأهم اللغات العالمية الحية؛ التي حافظت على بنيتها عبر العصور المختلفة، وحافظت على جماليتها وفنها وعلميتها، على الرغم من المخاطرالتي تعرضت لها الأمة، فإذا كانت اللغة العربية تتصف قديمًا بأنها لغة العلوم، فإنها اليوم، ومن خلال خصائصها، لغة تنمو وتتطور، وتواكبالعلم وابتكاراته، وهذا يعني بقاء اللغة ستة عشر قرنًا حية راسخة قوية في وجدان أهلها، وعقولهم؛ بفضل عوامل ساعدت على ذلك، ومنأهمها:
1- الشعر الجاهلي : فقد جمع العرب في جاهليتهم شعرًا رائعًا، تعدى مراحل البدايات الأولى للتكوين والتطور، فما زلنا إلى اليوم نقرأالمعلقات على أنها من الروائع الشعرية، وقد قيل في الجاهلية شعر كثير، صيغ بأسلوب رائع متين، وبلغة عربية بليغة وفصيحة، ما زال إلىاليوم يقرأ على أنه لغة الجمال والتصوير.
2- القرآن الكريم: وهو أهم عامل من عوامل حفظ اللغة العربية؛ فقد نزل على سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خالص النسب العربي،من قريش سيدة قبائل العرب، فهو آخر الكتب السماويـة، أنزله الله تعالى متعهدًا بحفظه ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” {الحجر: 14} والله تعالى بهذا الحفظ إنما حفظ اللغة من الضياع والتحريف، وأعطى لها صفة الجمال والبلاغة، ففي القرآن من البلاغةوالإعجاز ما لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، فهو معجزة النبي الكريم، وبه تحدى المتكلمين، والشعراء، واللغويين، فهو الكتاب الوحيد الذيتكاملت به اللغة العربية بكافة مستوياتها، فكان القرآن بذلك رابطًا مقدسًا للغة العربية؛ حيث يقرأ على الرهبان وأصحاب الديانات الأخرى،وآياته تتلى على المتعلم والجاهل، يحفظها الأمي والمتعلم على حد سواء؛ مما يجعل معالجة موضوع اللغة العربية يختلف اختلافًا جوهريًّا عنمعاجلة العاميات الأخرى .
3- التشريع الإسلامي: للتشريع الإسلامي دور كبير في وحدة أكثرية سكان الوطن العربي؛ الذين يدينون بالإسلام، والذين تتوافر فيهمالوحدة الجنسية واللغوية والروحية والتاريخية منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولا يزال الوطن العربي واحدًا في أصوله وفروعه؛ لأن وحدتهالفكرية مستمدة من مصادر التشريع الإسلامي المتمثلة في القرآن والسنة والسماع والإجماع والقياس؛ والتي وضع أئمة الإسلام والعلمقوانين تحفظها من التحريف والوضع .
4- حركة التأليف عند العرب : شهدت العصور الإسلامية الأولى ازدهارًا في شتى المجالات الفقهية، والمنطقية، واللغوية، والتاريخية، مماأظهر المذاهب الأربعة، ونشطت معها حركة الترجمة؛ فُترجمت كتب كثيرة عن الحضارات الأخرى، تُعرّف بالعلوم المختلفة؛ التي لم يعرفهاالعرب من قبل، وألفت كتب في المعاجم، والسير التاريخية، ما زالت هذه الكتب تقرأ إلى اليوم على أنها من أهم المصادر والمراجع، وترجمتإلى لغات أخرى، مما أعطى اللغة العربية دورًا مُهمًّا في قراءة التاريخ البشري، ونقل العوم إلى حضارة الغرب، ولعل حركة الترجمة قد أغنتاللغة العربية، مما جعلها أكثر اللغات حيوية، ومجاراة لكل العصور، في كل الميادين العلمية والمعرفية والإنسانية، وبذلك انتقلت معظم المعارفالعلمية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى عن طريق الترجمة، والتجارة، والفتوحات الإسلامية، والحروب الصليبية .
وإذا كانت هذه العوامل قد حافظت على اللغة العربية كأساس من أسس الوحدة العربية وقوميتها، فإن المركزية العربية الممثلة بالدولةالإسلامية كانت عاملاً آخر، حافظ على تماسك الأمة العربية ووحدتها في العصور المزدهرة، مما أعطى العرب دور الريادة عالميًّا في كافةالميادين؛ فأضاؤوا بعلومهم، ومعارفهم عصور الظلمة التي عاشتها أوربا .
ومع مرور الوقت بدأت الحضارة العربية التراجع – إلى حين – خصوصًا أواخر العهد العثماني، مما أدخل اللغة العربية في الصراع من أجلالحفاظ على هويتها من الهجمة التي بدأ العرب يتعرضون لها مع بدايات التقدم العلمي والمعرفي عند الغرب .
ومع بداية عصر النهضة بدأت المحاولات جادة في طمس الهوية العربية عن طريق تتريك اللغة أو فرنستها؛ أو نجلزتها، ليحكموا سيطرتهم،وليفرغوا العرب من محتواهم الفكري؛ الذي ظل لقرون عدة محتوى صلبًا، باقيًا بوجودهم، ضخمًا بما يحمل من إرث حضاري يزخر بالمعارفوالعلوم؛ لذلك تكالبت عليهم الجهود الاستعمارية، ممثلة بالثالوث الفرنسي البريطاني الصهيوني لطمس الهوية العربية، مما وضع العرب فيمواجهة هذا الثالوث، من منظور التحدي والشعور القومي، دفاعًا لغتهم، التي تشكل هويتهم العربية الأصيلة .
من هنا تأتي أهمية اللغة على الصعيد القومي، فهي ترتبط بإرثين: حضاري وفكري يصعب أن تنفصل عنهما، أو أن يفصل بينهما فاصل،كما أنها تعبر عن حضارة الشعوب وثقافتها، يقول عبد الكريم الباقي:” إن اللغة ذاكرة لها سجل حضارتها التالدة، ومطية حضارتها الطارفة،وهي إرادتها الفكرية المتشوقة نحو التقدم والعلا ، لذلك فاللغة تسهم في وجود كيان واحد للشعوب العربية على اختلاف مواطنها؛ هذا الكيانيقوم على تراث حضاري ترتبط به مشاعر القرابة الروحية والوجدانية؛ فيسهم ذلك في مقاومة المحاولات الرامية إلى تشتت هذا الكيان بتشتيتلغته من خلال طرائق مختلفة ومتنوعة، مثل إحلال العاميات، والتدريس باللغة الأجنبية، ولغة التواصل الاجتماعي البعيدة عن نظامها اللغويالمتين، وغير ذلك؛ فتشتت الأمة بتشتت لغتها” وفي المقابل تشتت اللغة يندر بتشتت الأمة، وتواري شأنها، وأفول مجدها، وتمزق شملها،وانتشار عقدها” .
إن وجود لغة موحدة للأمة عامل مهم في الحفاظ على الهوية العربية، فباللغة تعبر الأمة عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وبها تربط الماضيبالحاضر؛ لتسهم في تطور الإنسان العربي، ولأهميتها انعقدت الندوات والمؤتمرات؛ التي تنص على أن اللغة العربية الفصحى هي لغةالأمة، ويجب أن تكون اللغة القومية للعرب، تعبر عن الأفكار والأحاسيس والمشاعر، وبها يدون العرب معارفهم وعلومهم، ويخاطبون الأممالأخرى بلغة واحدة، تدفعهم نحو التقدم والعلا؛ ليأخذوا دور الريادة في نشر العلوم. إن اللغة العربية كما يقول عبد الله فكري ( ت 1889 م) سبيل تقدم العرب في جميع أحوالهم.
إن أهمية اللغة على الصعيد القومي تأتي في أنها توحد العرب في لغة الحوار الموحدة المعروفة لديهم، بالإضافة إلى أنها قادرة على صقلكيان عربي موحد، يتمتع بمركزية عربية قوية ” اللغة مكون أساسي من مكونات هويات الأمم“؛ لذلك فإن من شأن اللغة أن تصبغ الحياةبصبغة عربية، وهو مظهر من مظاهر جمع فكري لشعوب أمة مقسمة إلى كيانات سياسية مختلفة، فعامل توحيد الأمة مهم لأبناء الأمة العربيةالواحدة، ولابد من أن تركز الأمة على حضارتها ودياناتها من جديد، والآن وقد تخلصنا من الاستعمار المباشر في صوره العسكريةوالسياسية؛ الذي شل قدراتنا على الحركة؛ فإن من واجبنا القومي أن نتابع حركة التحرر الوطني، ونقبل بها إلى غايتها المنطقية، بأن نرفدثورتنا السياسية، التي خرّجْنا بها الاستعمار المباشر ، بثورة حضارية، نعيد بها النظر في كل مجالات حياتنا، فننفي عن وجودنا كل مظاهرالتخلف والجمود، وموروثات لديهم، بالتوحد، والالتفاف حول لغة جامعة مانعة. لمواجهة كل التحديات المحيطة بنا.
أهمية اللغة على الصعيد العلمي:
تتجلى الأهمية العلمية للغة في أنها ترتبط بالثقافة العربية الإسلامية في مواجهة التحديات؛ لذلك فإن من أسباب عدم النهوض كحقيقة فيعالمنا الإسلامي والعربي حتى الآن، هو ارتباط علومنا باللغة الأجنبية المستمرة في سبيل الوصول إلى المعرفة، بدلاً من ربطها باللغة العربية؛فانعزلت عن ماضيها في غرابة من تراثها، وتاريخها، ولغتها، من هنا فإن أهمية اللغة العلمية، هي ربط التراث العلمي القديم بمستجداتالعلوم الحديثة للنهوض بالأمة، فهي قادرة على مواكبة التطور العلمي، بخصائصها، وسماتها، كالاشتقاق، والنحت، والتعريب، وسعةمدرجيها الصوتي والصرفي، وهذا يتطلب أن نعيد صقل تراثنا العلمي من جديد بلغتنا القومية بقالب علمي حديث، يوصلنا إلى التقدمالعلمي، ويخرجنا من ردهات الثبوت، ويجد لنا مكانًا بارزًا، ومهمًّا إلى جانب الحضارات المتقدمة الأخرى:” لم تقم نهضة علمية حقيقية فيعالمنا العربي والإسلامي حتى الآن، ولم نتقدم صناعيًّا ولا تكنولوجيًّا؛ لأننا نجتر أساليب الغرب ومعرفته اجترارًا، ونقلدها تقليدًا دون أن يكونذلك جزءًا من تكويننا الفكري والاجتماعي “.
وللغة أهمية علمية أخرى، تكمن في أنه يرفد الأمة بعلوم العصر، ويسهم في تنمية المجتمع؛ فيكون العلم في متناول الجميع، مما يساعد علىازدياد الوعي، وتنامي الجماهير عامة، كما يسهم في فتح آفاق علمية واسعة، وينمي إبداع المشتغلين بالعلوم، مما يؤهلهم إلى الابتكارالعلمي، حين يتعمقون في فهم لغتهم؛ لأن اللغة الأم، هي لغة الأفكار والأحاسيس للإنسان.
أهمية اللغة على الصعيد اللغوي:
إن من أكبر التحديات التي تواجهها لأمة العربية على الصعيد اللغوي، عدم وجود معجم تاريخي للغتها، فمن غير المقبول أن تظل لغة عمرهاالتاريخي آلاف السنين دون معجم يوثق ألفاظها، ودلالات هذه الألفاظ والتحولات التي طرأت عليها طوال حياتها، وأن تظل متأخرة عننظيراتها الإنجليزية ( معجم أكسفورد التاريخي) والفرنسية ( معجم لاروس) والألمانية ( معجم جريم) وهذا ما تحتاجه الأمة اليوم وبشكلكبير، على الرغم من الجهود المعجمية الأولى، التي رصدت لمعاني ألفاظها لفترة زمنية محددة، لا تكفي لرصد التطورات الفكرية والعلميةالمستحدثة والمستجدة؛ فللمعجم التاريخي ضرورات علمية وقومية وحضارية، تمكن الأمة من فهم الفاظها وتوحدها، وتوافر عددا من المعاجمالمتفرعة المتخصصة، وتمكن الباحثين من عمل دراسات تتعلق بالجوانب العلمية، والفكرية، والحضارية المختلفة؛ فالمعجم التاريخي عليه أنيتضمن ذاكرة كل لفظ، وتاريخه، ومستعمليه لأول مرة، وما طرأ عليه من تطور، مع توثيق ذلك من خلال النصوص اللغوية التي تشهد علىصحة المعلومات الواردة فيه.
لقد شهدت العربية في العصر الحديث ثلاث تجارب في صناعة المعجم التاريخي للغة العربية: الأولى: معجم فيشر الألماني، الذي انتهىبموته في الحرب العالمية الثانية، وكان قد حققه الأستاذ الدكتور كمال بشر، وعلق عليه بما له وما عليه.
الثانية: معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي بدأت انطلاقته عام 2013، وتوقفت 2017، منجزا المرحلة الأول من خمس مراحل، جامعة( 108) آلاف كلمة، مدعمة بشواهد مصادر اللغة العربية لغاية 200هـ .
الثالثة: معجم الشارقة ( القاسمي ) للغة العربية، الذي بدأ بالإعلان عنه قبل أربع سنوات تقريبا، وننتظر البداية العملية له.
ومن سبل مواجهة التحديات أيضا توحيد موضوعات ومقررات أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية والإسلامية والعالمية، بحيث يكونالتلقي موحدا في موضوعات صلب اللغة، بحيث يسهم ذلك في صقل المعارف، وتقوية اللغة، ومواكبة التطور الحضاري ومواكبته، وعدمالوقوف عند مدونات ميتة توقفت مع عصور الاحتجاج اللغوي.، ورفد اللغة بالمعارف والعلوم والمصطلحات، وعدم إبقائها في سلم التلقي فقط.
إن توحيد مقررات أقسام اللغة العربية يفتح المجال أمام الجميع باستحداث منصات تعليم إلكترونية توحد الأمة الناطقة بالعربية، في أنحاءالمعمور، ويفتح المجال أمام التكنولوجيا في تطوير اللغة وربطها بمتنها، مما يعني صقل المتلقي بمهارات القرن الحادي والعشرين المتمثلة فيالتفكير العلمي المنظم، والاستنتاج، والتحليل، والربط، والتلخيص والتواصل، بلغة علمية موحدة. ومن الأهميات اللغوية للغة التي بموجبهايمكن مواجهة التحديات:
– إثراء اللغة العربية في ميادين المصطلحات والرموز والمعاجم المتخصصة.
–إثراء المكتبة العربية بالكتب العلمية المؤلفة في اللغة العربية .
–ربط التراث العلمي العربي بالحاضر، وإنهاء القطيعة بينهما .
– ينمي روح الإبداع والتأليف لدى الطالب منذ تلقيه العلم.
– إن تدريس المواد العلمية باللغة العربية يحفز بصورة تلقائية المدرس، والمترجم إلى ترجمة هذه المواد باللغة العربية، مما يدفعه إلى الأمام،وإلى دعم تجربته، وممارسة الترجمة .
وهناك أهمية لغوية أخرى للغة، وهي الخوض في ألفاظ ترد إلى لغات أجنبية، مردها اللغة العربية، وهذا يسهم في إثراء الدراسات اللغويةالمقارنة؛ فقد تنبه الدارسون، والباحثون إلى كثير من الألفاظ المشكوك فيها، وفي معرفة ألفاظ، ومصطلحات غربية، هي في الأصل عربية،مثل مصطلحات المعادن، وألفاظ أثبتها علماء عرب، بعد أن شكك علماء الغرب بأصلها، وردوها إلى أصولها العربية، فمكنت الدارسين منالوقوف أمام الألفاظ الدخيلة، التي لا تتناسب وذوق اللفظ العربي
.ولا يفهم من أهمية اللغة هي إضعاف اللغات الأجنبية، وعدم الأخذ منها، بل هي، أي اللغات الأجنبية رافد نطَّلع به على ما يستجد من علومنفهمها، ونعيد صقلها بلغة عربية سليمة، مما يؤهل علماءنا إلى الإنتاج، والإبداع، الذي يلبي طموح الأمة العربية في أن يعود إليها مجدهاالعلمي على أيدي علمائها المعاصرين، حتى يستطيع الشباب العربي بلغتهم الأم تمثل ما يدرسون في العلوم البحثية والتطبيقية تمثلاً علميًّاقويًّا
وما وقفنا عليه لا يتمثل في هذه التحديات فقط، بل هناك ثقافة الأمة التي يجب أن تستجيب لمتطلبات العصر، فاللغة تقوى بقوة أهلهاوتضعف بضعفهم، وعليه يجب أن تتظافر جهود العرب كافة من أجل عمل:
– مركز ترجمة على مدار الساعة للوقوف على مستجدات العصر.
– عمل المعجم التاريخي والاستمرار فيه.
– توحيد اقسام اللغة العربي في تدريس موضوعات من خلال لغة متطورة تواكب التقدم وتستوعب الإنجاز العلمي المتسارع. وتصقل مهاراتالمتلقي وتلبي احتياجاته.
مراجع البحث:
1- الجزائري، ( الشيخ طاهر )، التقريب لأصول التعريب، القاهرة: المطبعة السلفية ، (د . ت).
2- الجواليقي، ( أبو منصور )، المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، تحقيق أحمد شاكر، القاهرة : دار الكتب المصرية، 1361 هـ،.
3- الخفاجي ، ( شهاب الدين)، شفاء الغليل فيما لكلام العرب من الدخيل، تحقيق عبد المنعم خفاجي، القاهرة : المطبعة المنيرية، الأزهر،1371هـ،
4- السيوطي، ( جلال الدين ): الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: أحمد بن علي، دار الحديث، القاهرة، 2004.
5- عبد الحليم منتصر، أثر العرب في النهضة العلمية الأوربية، منشورات مجلة مجمع اللغة العربية في القاهرة.
6- عبد العزيز بن عبد الله، التعريب ومستقبل اللغة العربية، القاهرة: منشورات معهد البحوث والدراسات العربية ، 1975م.
7- عبد الكريم خليفة، اللغة العربية والتعريب في العصر الحديث، عمان: منشورات مجمع اللغة العربية الأردني، 1987م .
8-عبد الكريم اليافي، التعريب في الوطن العربي، مجلة التعريب، عدد 1، دمشق: منشورات المجلة ، 1991م.
9- عون الشريف قاسم، الإسلام والبعث القومي، بيروت : دار القلم، 1980م.
10- عون الشريف قاسم، الإسلام والثورة الحضارية، بيروت: دار القلم، 1980.
11- قدري حافظ طوقان، تراث العرب العلمي ، ط2، بيروت : دار الشروق، 1963م.
12-محمد يوسف حسن، التراث الجيولوجي عند العرب، مجلة مجمع اللغة في القاهرة، ج40.
13- محمود إبراهيم، تعريب التعليم العالي، عمان، دار آفاق للنشر.
9