في مثل هذا اليوم 1 آب/ أغسطس 1944، فجر الشعب البولندي بمساعدة الجيش الوطني وحركة المقاومة الوطنية، انتفاضة وارشو الكبرى في وجه قوات الاحتلال النازي الالماني، خلال الحرب العالمية الثانية، وفي مثل هذا اليوم اعتادت بولندا على الاحتفال الرسمي والشعبي لاحياء الذكرى السنوية لقيام هذه الانتفاضة، و توجيه التحية والشكر والأمتنان، والتكريم المستحق لشهداء الجيش والشعب، وأبطال المقاومة الوطنية، الذين قادوا حركة المقاومة الباسلة، وفجروا شرارة انتفاضة العاصمة البولندية وارشو، ودفعوا خلالها أثمان باهضة في. التسلسل التاريخي للانتفاضة الوطنية: تفجرت انتفاضة وارشو في 1 آب/ أغسطس 1944خلال الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تحث الخطى على امتداد أكثر من 63 يوما تحت قيادة وطنية مشتركة من قبل الشعب والجيش الوطني وحركة المقاومة الوطنية، مع القليل من الدعم الخارجي، فكانت قد مثلت نواة الشرارة الاولى الثورية في وجه أعتى قوة احتلال مسلحة في اوروبا، وراح ضحيتها مابين 150.000و 200.000 الف مواطن بولندي، وتهجير أكثر من 700.000 الف مشرد خارج العاصمة التي دمرت مساكنها ومعالمها التاريخية يشكل شبه كامل ولم يبقى منها سوى القليل من الأطلال. تزامنت انتفاضة وارشو مع بدايات انسحاب القوات النازية الالمانية من بولندا، وذلك قبل تقدم الجيش الاحمر السوفياتي في الضواحي الشرقية للعاصمة البولندية وارشو، وكانت تعتبر بمثابة أكبر جهد عسكري احادي قامت به أي حركة مقاومة أوروبية لمواجهة الغطرسة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد بدأت في آب/ أغسطس 1944، كجزء من عملية العاصفة على المستوى الوطني، التي تم اطلاقها في وقت تقدم فيه الجيش الاحمر السوفياتي على تخوم مدينة لوبلن المحادية للحدود الاوكرانية، وكانت حينها الأهداف الرئيسية البولندية، تتطلع بقوة لطرد المحتل النازي الالماني، انطلاقا من وارشو، وذلك أثناء مساعدة ودعم دول الحلفاء على دحر الجيوش النازية وهزيمة اودلوف هتلر في الحرب، وكان الهدف السياسي الاضافي للدولة البولندية السرية، التي ظلت تعمل من تحت الأرض، هو تحرير العاصمة وارشو، وتأكيد السيادة البولندية، قبل أن تتمكن اللجنة البولندية للتحرير الوطني المدعومة من الاتحاد السوفياتي أن تتولى مقاليد السلطة، بحيث أنه في بداية الأمر فرض البولنديون سيطرتهم على معظم أحياء وسط العاصمة وارشو. ولكن السوفيات الذين كانوا يتطلعون لانتصار رفاقهم في بولندا ـ بحسب ـ بعض المراقبين، قد تجاهلوا محاولات حركة المقاومة البولندية لاستخدام الاتصالات السلكية واللاسلكية معهم ولم يتقدموا خارج نطاق حدود هذه العاصمة، حيث استمرت عمليات القتال الشرس في الشوارع بين البولنديين والالمان بحلول يوم 14 أيلول/ سبتمبر 1944، والتي استولت خلالها القوات البولندية، التي كانت تقاتل تحت القيادة السوفياتية على الضفة الشرقية من نهر فيستولا في الجهة المقابلة لمواقع حركة المقاومة البولندية، وبحسب تلك المصادر، وصل حوالي 1200 شخص من رجال المقاومة عبر مجرى النهر، ولكن الجيش الأحمر لم يدعمهم تحت مبرر عدم وصول أوامر رسمية من القيادة السوفياتية للمشاركة والدعم، بسبب خطة وضعها، جوزيف ستالين لحسم الموقف لصالح الرفاق الشيوعيين البولنديين، وليس حركة المقاومة الوطنية، ولهذا السبب بحسب مصادر هذه الحركة، أوقف الجيش الأحمر مؤقتا العمليات القتالية، مما مكن الألمان من اعادة تجميع صفوفهم وهزيمة المقاومة الوطنية المستقلة وتدمير العاصمة وارشو بشكل شبه كامل، ولكن بعد هزيمة الجيش النازي الالماني وتقهقر فلوله وانسحابه من كافة الأراضي البولندية، صفت الأجواء السياسية والأمنية بعد ذلك للشيوعيين، الذين تسلموا زمام الأمور في البلاد، بعد طرد آخر جندي من جنود الاحتلال النازي، تحت قيادة حزب العمال البولندي الموحد (الشيوعي) الموالي لموسكو، والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، إلى حين واجه الحزب كارثة السقوط المدوي على أيادي زعماء حركة التضامن البولندية العمالية (المستقلة) التي كانت مدعومة بقوة من جانب الكنيسة البابوية، والليبراليين والقوميين البولنديين، وقوى الامبريالية العالمية، في الانتخابات الحرة ومتعددة الاحزاب، التي أجريت في العام 1989، وخسر فيها الحزب الشيوعي البولندي، جميع مواقعه في السلطة، وفي البرلمان، بعدما فاز فيها مرشحوا حركة التضامن العمالية بنسبة تسعة وتسعين مقعدا من نسبة المئة المطلوبة للاقتراع، فيما فاز منافس مستقل بالمقعد الآخير، في حين لم يحظى أي مرشح شيوعي بالفوز في هذه الانتخابات، التي قد مهدت الطريق لزعيم الحركة، ليخ فاليسا، بالفوز بمنصب رئيس الدولة بعد عام من الوقت. ولكن على الرغم من ذلك ظلت سياسات النظام الجديد بقيادة أقطاب هذه الحركة وشركاؤهم الليبراليين والقوميين، الذي توقع منهم المواطن البولندي، احداث التغيير المطلوب الواقعي والجوهري، والذي سوف يجلب للدولة الجديدة والمجتمع خيرات الأرض، والفرص الاجتماعية والعمل وتحسين مستويات الحياة المعيشية اليومية والكرامة الانسانية، تحث الخطى نحو الانحسار والانحدار التدريجي على مختلف المستويات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية والحريات المدنية العامة، بسبب اصرار حكام البلاد الجدد، الذين بالغوا كثيرا في نبذ النظام الشيوعي الشمولي، وعجزه في مواجهة الازمات ومشاكل الحياة اليومية القاسية والصعبة، وانهيار الاقتصاد الوطني بشكل قاتل، على التمسك بتطبيق الخطط والمشاريع الليبرالية المعقدة والمجحفة، وتزايد الفضائح، وتكاثر حوادث الرشوة والفساد، وتجاهل الواقع اليومي لملايين البولنديين بصورة تامة، وارتماء الدولة الفتية في أحضان قوى الامبريالية العالمية، والارتهان الشديد لقيود وشروط صندوق النقد الدولي، التي قيدت حركة الاقتصاد الوطني، المترنح أساسا في بولندا، والتي حاولت عبثا الدولة التخلص منه ولم تستطيع، مما جعل القلق يدب في نفوس البولنديين، الذين طالما كانون يشعرون بالاستقرار في الماضي، ويأملون بالمزيد من فرص العمل والتطور والتنمية، والمستقبل المشرق، والمجتمع الأفضل، الذي كانوا يتطلعون إليه بشغف، بعد تنامي الحركة والوعود والتعهدات الكثيرة، التي قطعتها الحكومة البولندية، على نفسها وعلى المجتمع، نحو مسائل التغيير الجذري والواقعي، و إزالة جميع العقبات في وجه التنمية الشاملة، والتخلص بشكل قاطع ونهائي، من حقبة سنوات النظام الشيوعي الشمولي. هاني الريس