ناصر العرب – رجل الكرامة والعزة والتوحد
خمسون عاماً عجافا ، مرت حتى الآن ،على غياب جمال عبد الناصر . تغيرت خلالها مصر . وكل الوطن العربي تغيّر . وشهد العالم بأسره متغيرات جذرية ، في عموم المجالات .
تشقّق الوطن العربي بعد غيابه وتشظى . خرج من أوحاله فتات داخلي . وتوالدت صراعات محليّة مختلفة الأسماء . وابتدأت مظاهر التآكل الداخلي العام ، كلازمة لتكريس هيمنة الكيان الصهيوني المستولد بالقوة في فلسطين ، على المشاهد في عموم بلاد العرب .
يعيش جل أمة العرب الان ، تداعيات ” الزمن الصهيوني ” ،الذي جرى تكريسه بعد رحيل ناصر عام 1970. جرى انقلاب على الانتماء القومي العربي ، اذي كان يقوده . وتشهد معظم مَواطِنِ العرب اليوم ، ارهابا تقسيميا ، وتنويعات طائفية ومذهبية وإثنية ، تفتت الجغرافيا والهوية معا .
في الزمن الصهيوامريكي هذا ، تحللت ” كتلة عدم الانحياز” ، التي كان عبد الناصر أبرز بناتها واعمدتها وقادتها . واستبدلت بمهزلة صراع ” الشرق الإسلامي الموهوم ” مع ” الغرب المسيحي المدعوم ” ، وبالعمل الحثيث لتهميش ” الصراع العربي الصهيوني ” وتفريغه من كل مضامينه الوجودية ، وحصره بارتطامات يومية معيشية .
وعلى الصعيد الرسمي العربي ، ، سقطت أولويّات المعركة مع العدو المحتل ، وحلّت محلها ” اتفاقيات إذعان ” أسميت بالتكاذب ” سلام شجعان ” . وتم تأجيج الصراع مع حقائق المحيط الجغرافي التاريخي ، ( ايران ، تركيا ، اثيوبيا وتشاد ) . وانحدر جل العرب بغباء وبتواطئ ، نحو جاهلية معاصرة ، استظلها المتصهينون منهم ، لإعادة مَواطنهم إلى هيمنة قوى الاستبداد وكلابها الاقليمية .
المشهد العربي غاية في البؤس . أغنياء الصدفة في ممالك الرمل ، يتآمرون علنا على فقراء الامة ، لاضعافهم وتمزيقهم ، كما هو حادث في فلسطين الان ، وفي واليمن والسودان وليبيا ، والى حد ما في العراق وسورية. أما مصر فقد عزلت نفسها ، في حدود مصالح موهومة مع عدوها الصهيوني . وبات الوطن العربي بكل مَواطنه الصغرى بين مهزوم و مأزوم . كيانيات بائسة مُفقَرة مُهددة ، خاضعة لهيمنة خارجية ناهِبَة .
هكذا هو حال جل العرب اليوم ، بعد غياب عبد الناصر . لم تتغيّر فيه ، طبيعة التحدّيات . ولم يتغير الحب الذي يحيطونه به ، إنه حب خاص جارف ، لم يشهد مثله التاريخ العربي المعاصر.
عبد الناصر ، قائد تحرر قومي ملهم ، احدث تغييرات تضمنت الكثير من الإيجابيات والسلبيات ، كمحصّلة لتجربة حكم قامت على أسلوب التجربة والخطأ . كان رمزاً لوحدة الهموم والآمال العربية، ولصرخة الكرامة والعدل والحرّية ضدّ الاستعباد والاستعماروالاستحمار والظلم والاستغلال .
المشكلة بتجربة التغيير التي قادها عبد الناصر ، أنها قامت على جبهة من الضباط غير موحدي الانتماء والفكر والاهداف . وأنّ ساحة حركتها وأهدافها كانت أكبر من حدود قدراتها على الارض . وجاءت في إطار ظروف الحرب الباردة في صراع المعسكريْن .
عاش من أجل فلسطين ومات من أجلها . فقد كان يردّد دائماً : ” القدس والضفّة وغزة والجولان قبل سيناء ” و ” ما اخذ بالقوة ، لن يسترد الا بالقوة ” .
ما يحدث الآن في كل المشاهد العربية ، فيه تأكيد على اهمية اعادة ترشيد قراءة التجربة الناصرية ، بعيدا عن متاهات الحقد والكيد الطفولي . ففيها مّا هو صالح للحاضر وللمستقبل معاً .
ما احوجنا لك يا عبد الناصر ، بساطير الزمن الصهيوامريكي ، تنخر بلا رحمة ، الجسد الهش للأمة ، وروحها الخاوية .
الاردن – 15/1/2020