محمد جبر الريفي
الكيان الصهيوني دولة مستوطنين يهود غزاة قامت على العدوان و الاغتصاب على أنقاض الشعب العربي في فلسطين وذلك كظاهرة استعمارية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 45 من القرن الماضي ووجدت الاعتراف منذ قيامها من الأمم المتحدة حسب قرار التقسيم عام 47 وقد ساهم العامل العربي من خلال توفر عنصري التخلف والتجزئة في تأسيس هذا الكيان ..هكذا قامت دولة إسرائيل بسبب أولا : الدعم الاستعماري الذي أراد الغرب من خلاله أن يتخلص من المشكلة اليهودية التي أرقت القارة الأوروبية من خلال سياج الفكر التوراتي والتلمودي المغرق برواية الخرافة والاسطورة الذي أحاط بالجيتو اليهودي وثانيا : بسبب ايضا التجزئة السياسية والتخلف في الواقع العربي وبذلك انتصرت الحركة الصهيونية في اقامة كيان لليهود في أرض كنعان العربية أي فلسطين تحقيقا لوعد بلفور وزير الخارجية البريطاني في اقامة وطن قومي لليهود وقد استخدمت الحركة لتحقيق هذا الهدف كل المزاعم الخرافية الأسطورية التوراتية والتلمودية لتضليل جماهير اليهود في الشتات وكانت في حاجة لاستخدام العقيدة الدينية كغلاف لجوهر طابعها العلماني حيث طموحات البرجوازية اليهودية في تأسيس دولة على غرار البرجوازيات الأوربية التي عملت على تحقيق الدولة القومية في بلدانها وقد تميز مسعى الحركة الصهيونية في اقامة الوطن القومي لليهود بالصعود في مقابل تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية في نضالها بسبب بنية قيادتها السياسية الطبقية المتمثلة في هيمنة الأحزاب الإقطاعية والبرجوازية التي كانت تميل اكثر للعمل السياسي في مواجهة المخطط الصهيوني وسياسة الانتداب البريطاني وقد اختيرت فلسطين من بين عدة أماكن لتحقيق الهدف الصهيوني لارتباطها الروحي بالارث الديني اليهودي … أعلن بن جوريون وثيقة الاستقلال في مايو ايار عام 48 من القرن الماضي وظلت إسرائيل كيانا سياسيا غير معترف به من قبل النظام العربي الرسمي حتى اندلعت حرب عام 73 وبعدها تغير الموقف العربي بشكل جذري وخرج عن الالتزام بالتمسك بقرارات مؤتمر القمة العربي المنعقد في الخرطوم عشية هزيمة يونيو 67 المعروف باللاءات الثلاث لا تفاوض لا صلح لا اعتراف بالكيان الصهيوني وذلك بتوقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد برعاية امريكية وهو ما يعتبر أكبر إنجاز سياسي حققته إسرائيل بأسلوب المفاوضات بعد قيامها وقد فتح هذا الاعتراف من أكبر دولة عربية الباب لأعتراف بعد ذلك كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن ولكن رغم ما تحقق من انتصار سياسي للدولة العبرية لم تتوقعه الحركة الصهيونية نفسها وايضا رغم ما يتم الآن من خطوات تطبيع مع كثير من الدول العربية خاصة مع دول الخليج العربي إلا أن هذه الاعترافات وهذه الخطوات التطبيعية لا تلغي الحقيقة الثابته وهي أن إسرائيل دولة في المنطقة لا مستقبل سياسي لها لأسباب ثلاثة اولها :أنها دولة عنصرية وفي تكوينها الديموغرافي ما يغاير النسيج الحضاري لشعوب المنطقة حيث التجانس في كل مقومات الأمة الواحدة من لغة وعقيدة دينية ومصير مشترك وبافتقارها لهذا التجانس مع المحيط العربي والإسلامي ستبقى دولة محكومة بالتناقضات خاصة التناقض القومي والديني ومما يزيد الأزمة البنيوية فيها هي عدم قدرتها على صهر المجتمع الاسرائيلي في هوية وطنية راسخة فظلت بذلك الهوية الإسرائيلية هوية بازغة طارئة مضطربة مشوهة لا ملامح خاصة بها تميزها عن الهويات الوطنية العربية والاقليمية الأخرى عكس الهوية الوطنية الفلسطينية العميقة المتجذرة المتعلقة بالأرض وبذلك فشلت الحركة الصهيونية في خلق قومية موضوعية لليهود في إسرائيل بسبب تعدد أصولهم القومية وتنوع ثقافتهم الحضارية رغم توظيفها للتعاليم التوراتية والتلمودية فيما يسمى بشعار شعب الله المختار وكذلك شعار العودة إلى أرض الميعاد …اما السبب الثاني هو أن استمرار وجود دولة إسرائيل مرتبط بعامل الضعف العربي الذي يرتكز على التخلف والتجزئة لكن هذا الضعف في الوضع العربي والذي يتجسد في ظاهرة خشية الأنظمة العربية من القدرة العسكرية الإسرائيلية لن يكون حالة ركودية ثابتة فكل شيء في المنطقة قابل لتطبيق عليه قانون التحول والخلل في موازين القوى بين الكيان الصهيوني والأمة العربية ليس ظاهرة ثابتة خارج نطاق الصيرورة والحركة فتعميم الديموقراطية في الوطن العربي وهزيمة ظاهرة الاستبداد السياسي للدول العربية وإقامة الوحدة القومية بين شعوبها كفيلة بفتح آفاق التطور الاقتصادي والاجتماعي والوصول إلى طور التفوق على الكيان الصهيوني مما يسمح بتعديل موازين القوى لصالح الأمة العربية. ..اما السبب الثالث وهو الهام والحاسم في الحكم على مصير دولة الكيان أن إسرائيل ستبقى دولة وظيفية مرتبطة دائما بالمصالح والسياسات الدولية وستبقى تقوم بهذا الدور الوظيفي ولا فرق عندها أن تمارس هذا الدور لصالح الولايات المتحدة زعيمة المعسكر الامبريالي الآن كما كانت تمارسه قبل ذلك لصالح بريطانيا العظمي في الماضي وهي على استعداد أن تمارس هذا الدور مع أي دولة عظمى قادمة تشكل بمفردها القطب الاوحد الذي يقود النظام العالمي كما هي على استعداد ايضا لأن تمارس هذا الدور الوظيفي في المنطقة العربية نفسها مع الأنظمة العربية الرجعية الاستبدادية ( التحالف مع دول الخليج في مواجهة التمدد الإيراني ) بنفس الطريقة التي على استعداد أن تمارسها ايضا مع التنظيمات التكفيرية الارهابية ومع بعض قوى المعارضة اليمينية الرجعية السياسية والمسلحة وقد كشفت الصراعات الجارية في بعض دول المنطقة على وجود دور إسرائيلي لإدارة حالة الفوضى السياسية والأمنية حتى يبقى النظام العربي الرسمي مشغولا بهذه الحالة التي عملت على تهميش القضية الفلسطينية وتراجع الاهتمام العربي والدولي بها كقضية رئيسية للأمة العربية ..المهم أن وجودها مرتبط في كل المراحل الزمنية بهذا الدور الوظيفي الذي يخدم مصالحها اولا في أن تبقى في المنطقة كدولة اغتصاب واحتلال وتمييز عنصري وان التوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية لصالح مشروع التسوية السياسية المنقوصة وغير العادلة سوف يمكنها من تحسين قدرتها على الأداء الوظيفي في المنطقة خدمة للمصالح الحيوية الامبريالية الغربية وهو الأمر الذي يجعلها تبقى في موقع التناقض الرئيسى أي بالمفهوم السياسي استمرار الصراع حول طبيعتها وشرعيتها ووظيفتها …