
بين القناعة والممارسة: سؤال لا يجوز الهروب منه
بقلم: المحامي محمد بشير
رئيس بلدية سخنين السابق
كثيرًا ما أسأل نفسي، وأسأل من حولي: ماذا يعني أن نؤمن بشيء ما ولا نعمل بموجبه؟ ماذا يعني أن نعرف الخطأ ونسكت عنه، أو الأسوأ من ذلك، أن نمارس نقيض ما نؤمن به؟ وإذا استمرّ هذا النهج، إلى أين سنصل؟
هذا السؤال ليس تنظيرًا فكريًا، بل هو انعكاس لواقع نعيشه يوميًا. نرفع شعارات كبيرة، ونتفق نظريًا على منظومة قيم وطنية وأخلاقية وإنسانية، لكن عند الامتحان تتراجع الممارسة، ويغيب الفعل، وتتسع الفجوة بين القول والعمل.
الإيمان بالقيم لا يُقاس بكثرة تردادها، بل بمدى الالتزام بها في اللحظات الصعبة. فالقناعة التي لا تتحول إلى سلوك تصبح عبئًا، وتفقد قدرتها على التأثير أو إحداث التغيير المطلوب في المجتمع.
ما يقلقني أكثر هو الصمت عن الخطأ. فالسكوت، حين يكون عن معرفة، لا يمكن اعتباره حيادًا أو حكمة، بل هو شكل من أشكال القبول الضمني. ومع مرور الوقت، يصبح الخطأ مألوفًا، وتُطمس الحدود بين الصواب والخطأ، وتضعف قدرة المجتمع على المحاسبة والتصحيح.
أما العمل بعكس ما نؤمن به، فهو ذروة التناقض. عندها تتحول القيم إلى شعارات للاستهلاك العام، بينما تحكم الواقع حسابات ضيقة ومصالح آنية، ما يؤدي إلى تآكل الثقة بين الناس، وبين الناس ومؤسساتهم، ويُفرغ الخطاب العام من صدقيته.
إذا استمرّ هذا النهج، فإن النتيجة واضحة أمامنا: مجتمع يفقد بوصلته، وشباب يتخبّط بين خطاب مثالي وواقع متناقض، ومناخ عام لا يشجّع على المبادرة ولا يحمي القيم، بل يطبع الانحراف ويمنحه شرعية غير معلنة.
ما أطرحه هنا ليس اتهامًا لأحد، بل دعوة صادقة لمراجعة الذات، أفرادًا وقيادات. فالمجتمعات لا تنهار فجأة، بل تبدأ بالانهيار حين نؤمن بشيء، ولا نجرؤ على الدفاع عنه أو العيش بموجبه.
السؤال الذي أتركه مفتوحًا:
هل نريد القيم شعارات نرفعها، أم مبادئ نعيشها ونستعد لدفع ثمنها

