الرئيسيةبارعات العالم العربيمنظمة همسة سماء
في يوم المعلّم، لا تكتب الدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية احتفاءً عابرًا، بل تستعيد معنى النور في وجه العتمة٠
شاعر الأمة محمد ثابت

بين السطور، يتحوّل المعلّم من وظيفةٍ إلى رسالة، ومن ناقلٍ للمعرفة إلى مهندسٍ للوعي وصانعٍ للمستقبل.
تتأمل الكاتبة عمق الدور الإنساني والفكري للمعلم، وتغوص في التحديات التي تحاصره، ناقدةً بلباقةٍ ووعيٍ المنظومة التي ما زالت تقيس التعليم بالأرقام لا بالنهضة.
إنه مقالٌ لا يُقرأ فحسب، بل يُنصت إليه، لأن فيه صوت المعلّم الذي لم يَخْبُ رغم التعب، وصدى الأمل الذي ما زال يدرّس العالم كيف ينهض من جديد
“شاعر الامة. محمد ثابت”
المعلّم… النور الذي لا يشيخ في يوم المعلم العالمي
بقلم: الدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية كاتبة وأكاديمية – فلسطين
في الخامس من أكتوبر من كل عام، لا نُحيي مناسبةً مهنيةً فحسب، بل نحتفل بواحدةٍ من أعمق صور الإنسانية: المعلم. ذاك الذي يحمل في صمته ضجيج الأجيال، وفي صبره ملامح الوطن، وفي كلماته إشراق الفكرة الأولى التي صنعت الحضارة.
المعلم ليس مجرّد ناقلٍ للمعرفة، بل هو حارس الوعي، ومهندس المعنى، وصانع الغد في عقول لم تُولد بعد. وبين يديه تتشكل ملامح المستقبل كما تتشكل الطفولة في رحم اللغة.
رسالة لا تُختصر بالوظيفة
أن تكون معلّمًا، يعني أن تؤمن بأن الكلمة قادرة على أن تزرع وتغيّر وتُعيد الإنسان إلى جوهره. فالمعلم الحقيقي لا يعلّم النصوص فقط، بل يعلّم التفكير، ولا يكتفي بتفسير العالم، بل يُلهم لتغييره.
في زمنٍ تتسارع فيه التقنيات، ويكاد الذكاء الاصطناعي يختزل الفكر الإنساني في خوارزمية، يبقى المعلم هو البصمة التي لا يمكن برمجتها، والدفء الذي لا تصنعه الشاشة.
التحديات: حين يتعب الضوء
يقف المعلم اليوم في مواجهة تحدياتٍ متشابكة:
إرهاق مهني، وجفاف تقدير، وضبابية رؤيةٍ تربويةٍ تحوّل التعليم أحيانًا إلى إدارة وقتٍ لا إلى بناء إنسان.
بين جمود المناهج وتقلّبات العصر، يظلّ المعلّم في معركةٍ صامتة ضد التكرار، يبحث عن فسحةٍ ليغرس الإبداع في تربةٍ جافةٍ من الدعم.
ومع ذلك، لا يزال يقاوم بابتسامته. ينهض كل صباحٍ محمّلًا بقداسة الواجب، مؤمنًا أن كل تلميذٍ ناجحٍ هو قطعةٌ من ضوءٍ أُنجزت بيده.
الإيجابيات: حين يصنع المعلم المعجزة اليومية
أجمل ما في المعلّمين أنهم لا ينتظرون معجزة… لأنهم يصنعونها كل يوم.
في قرى نائية، ومدارس منسية، وبيئاتٍ قاسية، يزرعون الأمل في عيونٍ لم تعرف غير الانتظار.
المعلم الحقّ لا يُقاس بما يُدرّس، بل بما يوقظ. فهو لا يشرح النص، بل يشرح النفس؛ ولا يُلقّن، بل يُضيء.
السلبيات: نقدٌ دبلوماسيٌّ في مرايا الواقع
ليس من الإنصاف أن نُخفي بعض الظلال في صورة الضوء.
نعم، هناك من أنهكهم النظام حتى خبا فيهم الشغف، وهناك من رضخوا لروتينٍ يُطفئ الموهبة، وهناك من فقد إيمانه بجدوى التغيير.
لكن اللوم الأكبر لا يقع على الأفراد وحدهم، بل على منظومةٍ جعلت التعليم حقل تجاربٍ إداري، لا ميدان إبداعٍ فكري.
إصلاح التعليم يبدأ من احترام المعلم لا من تقييمه، ومن تمكينه لا من محاسبته.
خاتمة: العهد مع النور
المعلم هو المصلح الأول في تاريخ البشرية. كل ما تغيّر في الحضارة بدأ من درسٍ أُلقي في زاويةٍ ما.
يوم المعلم ليس احتفالًا، بل تجديدٌ للعهد مع النور: أن نُعيد الاعتبار إلى من علّمونا أن نرى.
سيبقى المعلّم – مهما تبدّلت الأزمنة – هو الذاكرة الحية للمعنى، والنبض الذي يربط الإنسان بالإنسان، والفجر الذي لا يشيخ.
الكاتبة: الدكتورة فاطمة أبو واصل إغبارية
أكاديمية وباحثة في قضايا اللغة والهوية والثقافة، ومؤلفة كتب أدبية وفكرية أبرزها: فيك أغني، الخطأ والصواب في اللغة العربية اربع اجزاء ، الحنين إلى المستقبل، والكلمات العربية العابرة للقارات، خمسة أجزاء مواضيع إعرابية. في لغتنا العربية، ثلاثة أجزاء حريم بالغربة،”غزةأجنحة من رماد”
“المدينة التي تحلم” حروف تنبض أنوثة والعديد من الابحاث منها : “نحو منظومة حضارية للدول الناطقة بالضاد: رؤية مقارنة مع الكومنولث والفرانكفونية ، المتعلمون الوارثون: التحديات واستراتيجيات الحلول ،ثقل القرآن الكريم في العالم الإسلامي: لغة العبادة لدى ملياري مسلم. .والعديد من الابحاث
وجميعها مسجلة حفظ حقوق

