مقالات

أيام الحرب سائد حامد أبو عيطة كاتب ومدون [5] ليلة باردة من ليالي الحرب

ذات ليلة قاسية البرودة قررت النوم واقفا، فاتخذت زاوية الجدار سریرا بلا وسادة.

أنا لا أملك سريرا

لا أملك غرفة

الخيمة بلا جدار

كنت خائفا من افتراش الأرض الباردة في خيمتي الأولى…

كنت أعلم أن لیلی في الروايات هي إحدى الجميلات اللواتي يملكن شعرا کسواد الليل وقلبا دافئا يمنح الأخرين سكينة ودفئا.

ليلی صاحبة السرير

جلست في الزاوية، ظننتها خائفة، قلت في نفسي سأجلس في زاوية الغرفة بجانبها بدلا من النوم واقفا محاولا إقناعها بأن الخوف مجرد أكذوبة وهمست في أذن لیلي قائلا:

“يا ليلتي الجميلة أنـا بجانبك لا تهتمي لما يخيفك، إنه الليل وهذه ليلتي، ابقي هادئة حتى الصباح وعانقى الشمس، سوف ينجلي الليل لا محالة ويختفي الخوف وأنا سأنام هادئا في ليلتي “وفجأة سقطت قذيفة صاروخية أيقظتنی فوجدت نفسی وسط خيمة النزوح السوداء واقفا.

کفی یا جاري العزيز في الخيمة لقد قطعت قلبي، يخرج من الصباح حتي المساء للبحث عن حليب الأطفال ويعود فارغ اليدين، لقد سقط قلبی مرات عديدة حين رأيت أطفالا يتسولون على الطرقات وآخرين يسيرون بلا أحذية وكان طابور الحصول على وجبة طعام في مخيمات النزوح جنوب قطاع غزة مشهدا مریعا، انقلبت ثقافات الناس وتحولت إلى ثقافة شارع، الأطفال تغيرت ملامحهم، الأعمال اليومية شاقة والحياة قاسية.

سقط قلبي مرات ومرات في نزوحي الثاني حين بكي طفلي جائعا، اشتريت له رغيف خبز بعد عناء البحث في الشوارع، إنها أيام الحرب السوداوية، انقطع الدقيق وأصبح الحصول على رغيف الخبز انتصارا على الحياة.

الآن علينا إحضار الأخشاب، لقد مر بجانبـي أحد النازحين، هو وأنا مشردان، كنـا نبحث عن الأخشاب لإشعال النار من أجل إعداد وجبة طعام، أخيرا حصل كل واحد منا على بعض الأخشاب بسعر جيد بعد مفاوضات طاحنة مع البائع، ثم عدنا إلى الخيام، هذا إنجاز لنا ومهمة يومية. ما زال الكثير من النازحين يحلمون بالعودة إلي منازلهم، يسأل دائمـا صاحب الخيمة البيضاء متی سنعود إلى منازلنا فأنا قد جهزت نفسي لفك خيمتي والعودة.

لقد كذبت عليه وقلت سنعود قريبا، أنا أعلم أن العودة ستكون بثمن باهظ سيدفعه النساء والأطفال والرجال والمسنون والمرضى، تبا لأيام الحرب السوداء، حقا أبحث عن مأوى بعيدا، لقد تعبت من الحرب. العودة إلى المنزل أصبحت مرتبطة بالمعارك وأهداف الحرب والسياسة والخسارات والانتصارات والهدنة والتدخلات الدولية والحلول السياسية والعالم والكوكب، الأمر يحتاج وقتا. في زمن الحرب ليس هناك شيء ملكك، كل شيء عام وليس خاصا، الأرض والحمام والخيمة والطرقات، أنت وأسرتك أصبحت في العراء، وثقافة الحرب من أسوأ الثقافات على الإطلاق.

الجيوب خاوية من المال، النازحون أفلسوا وتجار الحرب أجرموا، والمال أصبح لا يكفي لسد الحاجات الأساسية، “الملبس، المأكل، المشرب“ أصبحت هم النازحين وعذابهم اليومي.

حقا نحتـاج لشراء الملابس، ولكنها شحيحة وباهظة الثمن، لقد اشترى الشاب الأنيق في مخيم النزوح حذاء بسعر خيالي، والجميع يباركون له الحذاء، في الحقيقة لا أحد يملك ثمن وجبة غذاء تحتوي على بعض اللحوم حتى يشتري حذاء بثمن أكبر من حجمة.

عزيزتي ورفيقتي، لا تعلم شيئا عن أمها وعائلتها. الزوجة الجميلة لم تتحدث مع أهلها منذ أن نزحت مع زوجها قبل أربعة شهور من الحرب، لم تتصل بأمها ولم تتحدث مع إخوتها ولا تعلم عن مصير عائلتها شيئاً، أصبح الاتصال بالآخرين أمرا مأساويا، وإن نجح الاتصال في أيام الحرب السوداء، أمامك خیاران الأول أن تتلقى أخبارا صادمة عن الأقارب والأصدقاء أو تخبرهم بمأساة قد وقعت، والمتصل ومتلقي الاتصال يعيشون أياما سوداء بين الحياة والموت، لا بأس یا عزیزتی، آمل أن يطمئن قلبك قريبا.
“زوجتي العزيزة”

وزاة الثقافة الفلسطينية
الطبعة الأولى : كتابة خلف الخطوط (٢)
جميع الحقوق محفوظة

يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق