الرئيسيةشعر وشعراء

( القيروان ) شعر الدكتور محمد الغزي رحمه الله

بواسطة الأستاذ عبدالجليل طالبي

مَهْلاً فقدْ يتعاتبُ الأحبابُ

بعضُ الهوى يا قيروانُ عتابُ

إنّي الذي ما تبْتُ عنْ وجع الهوى
لمّا الكثيرُ من الأحبّة تابُوا

إنّي أميرُ العاشقينَ بأرضهمْ
وجميعُهمْ في ساحتي حجّابُ

اخلعْ نعالكَ فالمكانُ مقدّسٌ
والأرضُ حولكَ كلّها محرَابُ

عهدٌ علينا أن يُضمَّ صبابةً
هذا الترابُ وتلثمَ الأعتابُ

لغة هيَ الأضواءُ بيْن دُروبها
لغة هي الشرفاتُ والأبوابُ

لغة هي النظراتُ تجْري خلسةً
لغةُ هيَ الأحداقُ والأهدابُ

فكأنّما كلُّ المسالك ألسُنٌ
وكأنّما كلُّ الدُّروب خطابُ

وهتفتُ بابن رشيقها : يا سيّدي
قدْ ألّفتْ ما بيننا الأسْبابُ

فادخلْ لحان قصائدي فجرارُها
فُضّتْ مغالقُها ودارَ شَرابُ

امددْ يديكَ فمنْ دواليكَ التي
أوْرَثْتَنِيهَا هذهِ الأعنابُ

منْ قبْل ألْفٍ أنتَ قدْ علّمْتَنا
أنَّ القصيدةَ نعمة وعذابُ

فهيَ ابتهاجُ الرّوحِ وهْيَ عذابُها
فنُسَرُّ إنْ هَمّتْ بنا ونَهابُ

يا بئرَ روطةَ والجرارُ تناوبتْ
هلْ لي بهاتيكَ الجرارِ شرابُ

قُولي لدُولابِ المياهِ يدورُ: يا
دولابُ تجْمعُ بيْننَا أسْبابُ

إنّا لنرْوي الظامئينَ تكرّمًا
ونظلُّ ظمْآنيْن يا دولابُ

ضاعَ الشبابُ وما اقترفْتُ ذنوبَه
وكأنّما بعْد الشبابِ شبابُ

أينَ الأحبّةُ في الجوارِ فإنّني
قدْ كنْتُ أصْفيْـت الودادَ وشابُوا

قولوا لهمْ: إنّي الوفيُّ لعهدهمْ
سيّانِ كانُوا بيْنَنا أمْ غابُوا

وسألْتُ إذْ مرّتْ رَبَابٌ بيْننا
هلْ تذكُرُ العهْدَ القديمَ رَبَابُ

قولُوا لها للهجْرِ آدابٌ كما
للوَصْلِ في عُرْفِ الهوى آدابُ

ما انحلَّ عقدٌ بيننا يومًا وإنْ
شطّتْ بنا سبُلٌ وطالَ غيابُ

فعلامَ إنْ نحنُ ادّنيْنا أطرقتْ
وانسابَ جفناها وعيّ جوابُ

قصرَ الكلامُ فلا يقولُ تولُّهي
فكأَنّما هذا الكلامُ حجابُ

يا أمَّ أندلسٍ وأمَّ رجالِها
هلاَّ عَلمتِ بمَا جَنَى الأعقابُ

فلقدْ فتحتِ الأرضَ أنتِ وضيّعوا
وجرؤتِ أنْت على الزمان وهابُوا

وبنيتِ عزّ المغربيْن وهدّموا
وظفرْتِ بالمجدِ العظيمِ وخابوا

قد كنت ضوْءَهُمُو إذا مَا ألْيلُوا
وسحابَهُم إنْ مسّهُمْ إجدابُ

أثقال دهرٍ قدْ حملْتِ صُروفَها
ناءتْ بحمْلِ صروفِها الأحقابُ

وبقيتِ للأهلِينَ بابًا مُشرَعًا
إنْ أغْلقِتْ منْ دُونهمْ أبْوابُ

أيْدٍ إلى كُلّ الورى مفتوحةُ
ومجالسٌ للقادمينَ رحابُ

فكأنّما الأضيافُ منْ قُطّانِها
وكأنّما منْ أهْلِها الأغْرابُ

ضوّأْتِ ليْلَ الأرْضِ وهْو مُعتّمٌ
وأقمْتِ بيْتَ الشعْرِ وهْوَ خرابُ

كلُّ الشعوبِ غزتْ بقاطعِ سيفِها
وفتحْتِ أنْتِ وفي يديْك كتابُ.

 

الاستاذ عبدالجليل طالبي (المرسل)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق