منوعات

قصة حقيقية وليست من وحي الخيال.

صورة الصدر جوجل

زوجة بتقول : رجعت بنص الليل من المطار وجاية وكلي لهفة وحيوية. أخيرًا، سأستقر ببلدي وسأرى أهلي بعد غياب 3 سنين. أهلي الذين عشت معهم أحلى أيام حياتي، والذين لم يروا ابني وأول فرحتي.

طوال الطريق، كنت أحكي لزوجي كيف ستكون ردة فعلي عندما أراهم. زوجي، بدل أن يجبر بخاطري بكلمتين حلوين، قال لي: “بالأول، شوفي ردة فعلهم عندما يرون بيتك الجديد. وشوفي كيف سيكون الطمع في عيونهم وكيف إخوانك سيبدأون بالطلبات وكيف أنتِ ستصرفين عليهم.”

من صدمتي بقيت ساكتة. هل من الممكن أن زوجي نسي كيف سكننا أهلي معهم أول ما تزوجنا، وكيف كانوا يساعدوننا ويصرفون علينا؟ وهل نسي ما فعلوه عندما حصل لزوجي على عمل خارج البلد؟ ونسي عندما باع والدي سيارته وأعطى حقها لزوجي لتكاليف السفر؟ نسي أصله وفصله، والآن بعدما أصبح غنيًا يريد أن يتكبر ويتجبر؟

لم أرغب في أن أفسد على نفسي التفكير في كلامه أو أعطيه مجالًا ليجرحني، وظللت أفكر في كيفية استقبال أهلي. نمت وصحيت وأنا فرحانة ومبسوطة. كان شعوري رهيبًا ومليئًا بالحياة عندما سمعت صوت جرس البيت وهو يرن. ركضت وفتحت الباب وهجمت على أبي وأمي وحضنتهم وصرت أبكي. سلمت على إخواني، سندي وروحي. استقبلتهم أحلى استقبال. ضحكنا وتحدثنا كثيرًا، وكان ابني ينتقل من حضن إلى حضن.

لكن، طوال الجلسة، كان أبي ينظر إليّ. عينه لم تغب عني لحظة واحدة. كان ينظر ويبتسم. ذهبت إلى غرفتي وأخرجت الأموال التي كنت أخبئها من راتبي لكي أسدد لأبي المصاري التي صرفها علينا قبل سفرنا، وذهبت لأعطيه إياها. طبعًا، هو لم يقبل أن يأخذ ولا تعريفة، وقال لي: “يا بنتي، أنتِ قطعة مني. كيف أحاسبك على شيء دفعته لقطعة من قلبي؟”

زوجي بدأ يضحك وقال له: “يلا يا عم، بلاش دلال زايد. والله عينك نطت على المصاري. خذهم بلاش تمثيل.” الكل سكت، وظهر على وجوههم الزعل من كلام زوجي، ولكن لم يناقشه أحد أو يقول له شيئًا.

قام أبي وقال لزوجي: “يكثر خيرك يا عم. ما قصرتوا على الغداء والضيافة وإن شاء الله بيتكم عامر.”

ولما صاروا بدهم يروحوا تنكدت وقلت لهم: “خليكم بس كمان شوي.. ما شبعت منكم.” أمي قالت لي: “بكرة تعالي أنتِ وزوجك وابنك عندنا طول اليوم، بتتغدوا وبتسهروا وبتروحوا المسا.”

رجع زوجي يضحك وصار يقول لأمي: “بدنا نفس عزيمتنا إلكم مش تعزمونا على حمص وفلافل.” وحملوا حالهم وراحوا. لكن، لما طلعوا، شعرت بشعور غريب. قلبي صار ينبض بسرعة وكأنني خائفة من شيء، لكن لا أعرف ما هو.

رحنا عند بيت حماي وأنا مش عارفة مالي. والمساء، رن تلفون زوجي وكانت هنا الصدمة. أبي أصابته جلطة وأخذوه إلى المستشفى. رحت له بسرعة وأنا أقول في عقلي: “إن شاء الله ما يكون صاير له شيء.” وبمجرد ما وصلت، وجدت أمي تبكي وأخواني قالوا لي: “حنين، أبوكِ مات.”

لا، مستحيل أصدق. كلكم تكذبون علي. أبي لسه عايش. طيب، لسه بدي أشبع منه، بدي أشم ريحته، بدي أتذكر طفولتي بعيونه، بدي أمسك إيده، بدي أبوي. انهرت وصرت في عالم آخر.

جاءوا بأبي إلى البيت وهو في كفنه ومغطى. حكيت معه، ما رد علي. حضنته وما مسكني. حاولت أخبيه في قلبي، لكن ما قدرت. عملوا العزا ودفنوا أبي وأنا قاعدة أقول أكيد هذا كابوس وراح أصحى منه. صرخت كثير، لكن ما أحد سمعني منهم. ناديت عليه وما سمعني. صح، أنا عايشة، لكن بدون روح لأن روحي كانت معه.

بعد العزا، دخلت على غرفة أبي وأمي وصرت أدور على أبي في زوايا الغرفة. أحاول أسمع صوته وضحكته. مسكت أوعيته وقعدت أشم ريحته الحلوة. وجدت تلفونه وفتحته وصرت أدور على صورة أو فيديو له. فتحت على الرسائل التي كان يرسلها لي، وبالصدفة اكتشفت أن زوجي أرسل رسالة لأبي بعد ما روح من عندنا بالحرف الواحد: “بالله يا عم تفهم بنتك تمسك إيدها بالعقل. عدم المؤاخذة، انت عارف أنا تعبت وشقيت مع مرتي بالغربة عشان أبني مستقبل ابني مش عشان أصرف على أولادك. وأنا ما رجعت عالبلد عشان ألقى الكل طمعان فيي وبمرتي. وبالنسبة لعزيمة بكرا، لا تغلب حالك. إحنا إذا جينا، بنيجي ربع ساعة ونروح.”

كانت صدمة عمري. لماذا كسر بخاطر أبي؟ لماذا يرسل له هذه الرسالة؟ ماذا رأى من أهلي ليقول عنهم طماعين؟ طيب، هو لم يرَ طلبات أهله التي لم ترحمنا بالغربة. أهله الذين لم يسألوا عنه عندما تزوجنا وزتونا بالشارع، لولا أهلي الذين سكنونا معهم. أهله الذين لم يساعدوه، وكانوا يعاملونه كأنه حشرة. لم أتدخل بينهم عندما عرفوا أنه سافر وفجأة صاروا يحكون معه ويحترمونه ويقدرونه لمصلحتهم. لم أفتن، بل كنت أقول له ساعدهم عشان ربنا يرزقنا، وعشان رضاهم عليك من رضا ربك عليك.

هذا هو جزاء معروفنا. كانت هذه الرسالة الشيء الذي جعلني أتذكر كل تفاصيل حياتي مع زوجي، وأتذكر كل سيئاته التي كنت أتغاضى عنها. هذه الرسالة علمتني درسًا قاسيًا في حياتي، مستحيل أنساه. علمتني أن الدين لا يمحي غريزة الإنسان حتى لو روضها، وأن التربية لا تغير الطباع حتى لو حسنتها.

اكتشفت أن هناك ناس سيئة بالفطرة، وأن زوجي واحد منهم. للأسف، بعد كل الحياة التي عشناها سويًا، هو رجع لتربيته وطبعه القديم، الطمع والقسوة. وأنا مستحيل أقبل أن ابني يتربى مع أب مثله. صحيح، موت أبي كان كسرة، لكن موته صحاني وخلاني أفتح عيوني على مستقبلي ومستقبل ابني معه.

أخذت كل الفلوس التي جمعتها من شغلي، وطلبت الطلاق وحصلت عليه. ورغم كل محاولاته أن أعود، لم أقبل. وكملت حياتي ونجاحاتي بعيدًا عنه. ورجعت عند أهلي والحمد لله لم أندم على قراري أبدًا. وطليقي خسر كثير أشياء وأهله ظلوا وراءه ودمروا حياته.

طوال الوقت، أشكر ربي على نعمة الصبر. أنا توكلت على ربي وما خذلني.
فالحمد لله دائمًا وأبدًا. الحمد لله على نعم نسكنها ونعم لا نشعر بها.
“وعسي ان تكرهو شيئا وهو خيرا لكم وعسي ان تحبو شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون”.
اذا اتممت القراءه علق بالصلاة على النبي

ابمصدر : التواصل الاجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق