منوعات

الوسيم و ابنة البخيل

هيثم درابي

عاش قديما تاجر بخيل ليس لديه أحد سوى ابنته الشابة وكانت على قدر عظيم من الجمال لذا تسابق الشباب على خطبتها ..
لكن الاب كان يطالب بمهر باهظ جدا لها ..
وكان المهر يزداد بضعة دنانير في كل مرة يأتي خاطب جديد .. فسألوه عن سبب ذلك فأخرج لهم دفتر ضخم وأخبرهم انه دون في هذا الدفتر كل مصاريف ابنته من طعامها وشرابها وملبسها ودوائها وحاجاتها المختلفة منذ ولادتها لغاية هذه اللحظة !!!
لذلك يتوجب على من يريد الزواج بها ان يعوضه عن تكاليفها وما صرفه عليها طوال حياتها ..
ثم قال لهم أنا أشقى وأربي ثم يأتي سعيد الحظ ليأخذها بين ذراعيه هكذا مقابل مهر تافه … كلا ثم كلا .. يجب أن يغطي المهر كل درهم صرفته عليها خلال تلك السنين .
وأمام إصرار الوالد انسحب جميع الخاطبين ..
فجاءت  ابنته وقالت إنك يا أبي بذلك تجعلني كسلعة من سلعك تبيعني وقتما تشاء طالما تقبض الثمن .
قال الأب هذا غير صحيح .. ففي تجارتي عندما أبيع سلعة ما فأنا أكسب ثمن كلفتها زائدا الربح … أما في حالتك فأنا لم اطالب بالربح مطلقا .. كل ما أريده هو ثمن الكلفة فقط !! صدقيني ..
هزت الفتاة رأسها باستياء وقالت
لا فائدة …
ثم أسرعت باكية الى غرفتها ..
بعد فترة من انقطاع الخطابة .. حضر أخيراً شاب وسيم وتقدم لخطبة الفتاة فقال له أبيها
هل تعرف يا هذا مقدار مهرها حتى تأتي الى هنا
نعم يا سيدي .. فلقد أصبح ذلك المهر حديث البلد .
إذن ينبغي أن تعرف أن المهر قد زاد عشرون دينارا منذ قدوم الخاطب الأخير قبل نحو شهر .
بالفعل يا سيدي فلقد أجريت حساباتي وأنا هنا لأخبرك أني موافق على المهر الذي تطلبه ولكني سأدفعه لك بالتقسيط فأنا أعمل بوظيفة جيدة وسأعطيك نصف مرتبي والنصف الآخر أعيش به مع ابنتك زوجتي المستقبلية إن شاء الله .. وعلى هذا المنوال سأتمكن من سداد مهرها بعد ثمان سنوات .. ها ماذا قلت يا عمي
فكر التاجر البخيل مع نفسه وخشي ألا تأتي فرصة اخرى كهذا الشاب فأجاب مادام الدفع بالتقسيط وليس حاضرا فأنا مضطر أن أرفع السعر النهائي وهذا يعني أن عليك أن تدفع لي نصف مرتبك لعشر سنين وليس ثمان فقط ..
اطرق الشاب برأسه لحظات ثم قال
موافق … ولكي تتم هذه الصفقة يجب على كلانا أن نوقع على هذه الوثيقة التي تنص على أني ملزم بدفع ما بذمتي من قيمة المهر وأنه بعد سدادي لمدة الرهن فأن السلعة أي ابنتك المحترمة ستكون ملكا لي ومن حقي .
أخرج الشاب ورقة موقعة من قبله فأمعن فيها الوالد جيدا ثم قام بتوقيعها وحضر ايضا بعض
الشهود من التجار المعروفين وقاموا بالتوقيع على العقد ..
وهكذا تم توقيع العقد وكان هناك بعض التجار المعروفين وبعد الزواج كانت الابنة تزور والدها باستمرار وتقوم بخدمته وتطبخ له الطعام الذي يحبه وتعمل على تسليته والترفيه عنه ..
واستمرت على ذلك طوال عشر سنوات لم تنقطع عن زيارة والدها ولا أسبوع واحد بطلب من زوجها ..
فلما انقضت مدة الأجل .. فوجئ الأب بانقطاع زيارة ابنته له فافتقد رفقتها واستئناسه بها .. ومرت الأسابيع ثم الشهور دون أن يعرف خبرا لها .. فساءت حالته وتردى وضعه المعاشي فأخذ يلهج بذكر ابنته ويضج بشوقه اليها .. وكان نادماً ندما شديدا على تفريطه بها فأخذ يجول في الطرقات كالمجنون بحثا عنها حتى اهتدى الى منزل زوجها بعد عناء .. فطرق الباب ففتح له زوجها قائلا
نعم .. ماذا تريد
يا بني أنا والد زوجتك .. ألم تتعرف إلي
قال بلى لقد عرفتك .. ماذا تريد
صدم الوالد المنكوب من هذا الموقف وتجاهل زوج ابنته له .. لكنه تحامل على مضض وقال
أريد ان أرى ابنتي .. ولو للحظة .. أرجوك ..
بل أتوسل إليك ..
آسف يا سيدي .. تعلم أن بيننا عقدا وقد أصبحت ابنتك بموجبه ملكي لأنك بعتها لي بعد أن دفعت لك مبلغا هائلا .. لذا ليس لك الحق بعد الآن بالمطالبة بها أو رؤيتها .. بل أن مجرد وقوفك على بابي يعتبر إخلالا بالاتفاق .. إنصرف الآن وإلا استدعيت الحرس ..
بكى البخيل على باب زوج ابنته وقال
لا أريد نقودا بعد الآن .. سأعيد إليك كل مالك الذي أخذته منك ولكن اسمح لي برؤية ابنتي مجددا .
آسف يا سيدي .. الاتفاق قد تم ولا رجعة فيه .. ولكن إذا أردت عمل اتفاق آخر فسأقول إنه يمكنك استعادة ابنتك مقابل ضعف المبلغ الذي دفعته لك ..
سكت الشاب لحظة ثم واصل حديثه
ماذا الآن أيها العجوز .. هل تساوي ابنتك هذا المبلغ بل هل مازلت تعتبرها سلعة وتقارنها بالمال أم أن أموال الدنيا كلها لا شيئ مقارنة بها .. وأنت الذي استوليت على مهرها وهو حقها
صاح الأب فورا
انا موافق .. سأدفع لك ما تريد .
وهنا أخرج الشاب ورقة وقال
إذن تعال لنوقع عقدا جديدا تدفع لي بموجبه ضعف المبلغ الذي قبضته مني مقابل إلغاء العقد السابق وعودة ابنتك لتزورك من جديد .
قام الاثنان بتوقيع العقد وشهد بعض الجيران على ذلك .. تلاها ان دخل الأب أخيرا وقابل ابنته فاستقبلها بين ذراعيه وقبلها بين عينيها وبكيا معا .. ثم اعتذر منها على صنيعه بها وبالغ في الاعتذار فقبلت ابنته يديه وقبلت اعتذاره .. وهنا دخل زوج ابنته وقال
لقد
أظهرت يا عماه ندما حقيقيا على ما صنعت لذا …
وهنا أخرج العقد الجديد وقام بتمزيقه أمامه ثم أضاف
اعلم يا عمي أن البنات لسن سلع تباع وتشترى .. بل هن ودائع الرحمن ونعمه إلينا … نحوطهن بأعيننا ونصونهن بقلوبنا لنحظى برضى الله ودوام توفيقاته علينا .
دمتم بأمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق