مقالات

قراءة في كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (104)

بقلم: د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* القرآن والتربية الجنسية
عنوان جديدٌ من عناوين الكتاب حيث يقول الكاتب الباحث الناقد موريس بوكاي: يعتقد أهل هذا العصر أنهم قاموا بمكتشفاتٍ كثيرةٍ في جميع الميادين، ويظنوا انهم قد قدموا جديدًا فيما يتعلق بالتربية الجنسية، وأن فتح أبواب الشباب لمعرفة مشاكل الحياة هو من مكتسبات العصر الحديث، وأن القرون الماضية كانت تتميّز فيما يخص هذا الموضوع بظلامٍ دامسٍ، حيثُ يقول الكثيرون إن الأديان دونما تحديد هي المسؤولة عنه، غير أن كل ما عرضنا هو دليل على أنه منذ اربعة عشر قرنا تقريبا سبقت إلى معرفة الناس مسائل نظرية، إذ جاز القول، عن التناسل الإنساني، وذلك بقدْر المستطاع، حيث أنه لم تكن هناك معلومات تشريحية وفسيولوجية تسمح بالإفاضة، فكان استخدام لغةٍ بسيطة في متناول فهم مستمعي الرسالة ضروريًا حتى يمكن أن يفهموا ما يُقال.
– لم تمر الرسالة على الجوانب العملية مرّ الكرام، بل إننا نجد في القرآن حشدًا من التفاصيل عن الحياة العملية، وفيما يختص بالسلوك الذي يجب أن يتّبعَه الناس في عديد من ظروف حياتهم، ولم يستبعد القرآن الحياة الجنسية.
-هناك آيتان قرآنيتان تخصان العلاقة الجنسية، ويذكر القرآن ذلك بألفاظٍ تربط بين الرغبة في الدقة الاحتشام اللازم، وعندما نرجع إلى ترجمات وتفسيرات هاتين الآيتين فإن الاختلاف بينهما هو أول ما يستدعي الانتباه، ويضيف بوكاي القول: ولقد ترددتُ طويلًا أمام تفسير هاتين الآيتين وإني مدين بتفسيرهما الى (د. عبد الكريم جيرو)؛ -الاستاذ السابق في كلية الطب في بيروت- ﴿خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ* يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ﴾ (الطارق: 6.7) يشير النَّصُّ القرآني إلى منطقة الرجل الجنسية بكلمة: “صُلب” أما المنطقة الجنسية الخاصة بالأنثى فيشير إليها بكلمة: “ترائب”؛ (وهي جمع)
ويختلف هذا التفسير عن ذلك الذي كثيرًا ما يعطيه المعلّقون الفرنسيون والإنجليز حيث يقولون: ” خلق الانسان من سائل منتشرٍ يخرج بين العمود الفقري وعظام الصدر” وهذا التفسير ليس مفهومًا بشكلٍ كافّ، وتشير عبارات قرآنية إلى سلوك الرجال في علاقاتهم الأثيرة مع نسائهم في ظروفٍ متنوعة، فأولًا هناك التوجيه بالسلوك اللازم في فترة الحيض، وتشير إلى ذلك الآيتان التاليتان من سورة البقرة: ﴿وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ * نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ…﴾ (البقرة: 222.223) ولبداية هذه العبارة معنًا واضح تمامًا: فتحريم إقامة علاقات جنسية مع امرأة حائضٍ أمر مقطوع فيه، وأما الجزء الثاني من الآية فيشير إلى الحرث الذي يسبق عمل الباذِر عند وضع البذور التي سوف تُنبِت زرعًا جديدًا، إذن العبارة تؤكد بشكل غير مباشرٍ عبر الصورة المجازية، على أهمية أن يكون واضحًا لدى الإنسان أن الهدف النهائي للعلاقة الجنسية هو الإنجاب؛ -والجملة الأخيرة تحتوي على توصية يبدو أنها تخص مقدمات للعلاقة الجنسية… وأما المزيد فانتظروه في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى.
– مقالة رقم: (1696)
13. صَفَر. 1446 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق