مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية الجارين صالح وفالح من الفولكلور السوري عاقبة الحسد ( الحلقة 2 والأخيرة )

قال فالح :لم يمرّ على زواجي من بنت الجيران سوى شهر حتى لاحظت عليها أعراض الحمل، وبدا بطنها منتفخا على غير العادة ،ولمّا لاحظت دهشتي، بدأت تبكي، وقالت :أن إبن عمها غرّر بها، ووعدها بالزّواج ،لكنّه تركها ،ولم يعد يريها وجهه، وطلبت منّي أن أعمل معروفا ، وأسترها .فغضبت منها أشدّ الغضب ،وقلت لها :لهذا السّبب وافق أهلك على الزّواج دون شروط ،لقد خدعتموني ،وسترين ما أفعله !!! أجابتني:لقد أحببتك بصدق، أمّا أهلي فلا يعلمون شيئا ،وقبلوا بفقرك من أجلي، لكنّي بعد قليل لعنت الشّيطان ،وقلت لها : كلنا نخطئ،وأنا أيضا أخطئت،ولم أسمع كلام أمّي ،مرّت الأيّام ،وزوجتي تتصنّع المرض ،وبأنّها تعاني بداء في معدتها ،لكي لا تشكّ أمّي بشيء ،وتطبخ لها الحساء ،وتغلّي لها الحشائش، حتى إقترب موعد الولادة ،فقلت لأمي إني أشعر بالتّعب اليوم فانزلي إلى السّوق اليوم فنحن نحتاج إلى المال، فوضعت كيس الفول والحمص على ظهر الحمار، وقالت :أرزقنا يا ربّ ،وما أن خرجت المرأة حتى أحضر فالح قابلة تسكن بعيدا عن الحارة ،وولدت زوجتي غلاما مليحا .
لمّا عادت أمّي بعد الزّوال كان كلّ شيئ نظيفا ،ومرتبا، وزوجتي نائمة فأخذت الغلام ،ووضعته في قفّة ،وبقيت أدور إلى أن حانت صلاة العصر، فذهبت إلى المسجد ،ووضعت القفّة في ركن ثمّ صلّيت، ولمّا أتمّ النّاس الصّلاة سمعوا بكاء الغلام ،فاجتمعوا حوله ،وكان بعضهم يتعوّذ بالله، والآخر يشتم صاحبة الفعلة ،فأتيت للإمام ،وقلت: أنا آخذه، وأربّيه لعلّى أنال به أجرا،ولم يمض وقت طويل حتى سمعت كلّ الحارة بالصّبي ،ثمّ أخذت القفّة ،ورجعت بها لدارى، وكان النّاس يشاهدونني ،ويدعون لي بالخير، وفرحت أمّي بالغلام وهي لا تدري أنّه من زوجتي ،وصار الجيران يجيئونني ،واحد يحمل ثيابا ،والآخر يعطي مالا ،وفرحت إمرأتي ورفعت يديها للسّماء وقالت :اللّهم إستره كما سترني ،واجعله من عبادك الصّالحين ،وبعد قصّة هذا الصّبي لم تعد حياتي مثل قبل فكلّ الحارة دعت لي وكذلك الإمام ،والمصلّون، وأمّي وزوجتي، ولمّا أتمّ الصّبي سبعة أيام ،ظهر لي الشّيخ الأبيض ،وصار لي دكّان أطعم منه أهلي ،وأتصدّق منه .
كان الجار صالح يسمع ،والدّموع تنهمر من عينيه ،وقال: لفالح بسبب رحمتك بذلك الصّبي، وسّع الله رزقك في الدّنيا ،وفتح لك أبواب الجنّة . ولتكن قصتك عبرة لأولي الألباب، فالقلب الرحيم يحبه الله أكثر من عبادة ، فما فائدة الصّلاة دون قلب ،بارك الله فيك يا جاري لأنك سترت تلك الفتاة وربّيت إبنها ،قا فالح الحمد لله أني أبعدت عنّي وساوس الشيطان ،هذه المرة قلت له لا !!! ثم أقفل فالح الدّكان ،ودعى جاره لداره، ولمّا دخل جاءته الزّوجة، وفي يدها إبنها وسلّمت عليه ،فتعجّب صالح من جمال ذلك الصبيّ ،فقد كانت عينه خضراوين كلون المروج في الرّبيع ،فقال: ما شاء الله على إبنك يا جاري ،هنيئا لك بتوبتك ،ثمّ أحضرت المرأة إناء ماء ساخن، وغسلت رجلي زوجها ، ثم نشّفتهما ،وبعد ذلك طبخت قصعة بالثّريد واللحم ،ثمّ ملأت صحفة لها ولإبنها ،وجلست في ركن تأكل ،وتطعم إبنها ،نظر صالح حوله وسأل ،وأين أمّك الآن ؟ أجابه فالح : أنّه إكترى لها دارا بجواره ،وهي تجيئ في غيابه، لتبقى مع زوجته .
كان الجار يأكل، ويسترق النّظر للمرأة، وابنها، فرأى أنّهما جميلين ،وتذكّر إمرأته ،وهي متديّنة لكن ليست جميلة، وإبنها أسمر اللون ،فبدأ الشّيطان يوسوس له : ماذا ربحت من صلاتك ، وحجّك ؟ أنظر لجارك الشقي والمحتال لم يكتف الله أن يرزقه بولد مثل القمر بل فتح له الجنّة ،فأحسّ بالحسد يأكل قلبه ،ولما رجع طلق إمرأته التي حملت إبنها وراحت، ثمّ تزوج من صبية صغيرة السن وجميلة ولكنها طماعة وطلباتها لا تنقطع ،ولكي يلبي رغباتها صار يغش ويحتال على الزبائن إلى أن ذمه الناس ،وحملت الفتاة ويوم الولادة جاء صالح ،وهو يعتقد أنه سيجد غلاما جميلا مثل جاره لكنّه صدم فلقد كانت بنتا قبيحة المنظر،وهنا أحسّ بالندم على ما فعله بنفسه، فخسر دنياه وآخرته ،فسبحان الله مغيّر الأحوال يرزق من يشاء، ويمنع خيره عن من يشاء .

إنتهت شكرا على المتابعة / طارق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق