مقالات

قراءة في كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (47)

بقلم: د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد:
– وصلنا في حديثنا حول في مضامين الكتاب الذي بين أيدينا (القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة) إلى الفترة من آدم إلى إبراهيم في الصفحة: (116) من الكتاب، حيث يقول الباحث الناقد بوكاي: بما أن متّى يبدأ نسب المسيح بإبراهيم، فالأمر هنا لا يخصّه، إن لوقا فقط هو الذي يعطي معلومات عن أسلاف إبراهيم حتى آدم، وهو يعطي عشرين إسمًا يوجد منها كما قلنا تسعة عشر إسما في سِفر التكوين. كما جاء في (الإصحاحات 4.5.11).
-فهل يمكن تصور أنه لم يكن هناك إلا 19.او 20 جيلا من الكائنات البشرية قبل إبراهيم؟ لقد دُرِست المشكلة فيما يختص بالعهد القديم، وإذا رجع القارئ إلى جدول أنسال آدم حسب سفر التكوين، والذي يحتوي على الإحداثيات الحسابية الزمنية التي يمكن استنتاجها من نص التوراة، فسنجد أنه قد مرّ 19 قرنًا فيما بين ظهور الإنسان على الأرض وميلاد إبراهيم، ولكن لما كان المتخصصون يقدرون حاليًا أن إبراهيم كان يعيش في العام: 1850ق.م تقريبًا فإننا نستنتج أن الإحداثيات التي يعطيها سفر التكوين تحدد ظهور الانسان على الأرض بحوالي 38 قرنًا قبل المسيح، وبالطبع فقد استلهم لوقا هذه المعطيات ليحرّر إنجيله؛ -ليكتب إنجيله بأي شكل كان دون الوقوف على الحقيقة- ولأنه نقل هذه المعطيات فقد وهِم، ولقد رأى القارئ أعلاه الحُجج التاريخية القاطعة التي أدت إلى هذه الدعوى.
– وعلى ذلك فإن تكوين معطيات العهد القديم غير مقبولة في عصرنا، فذلك أمر يمكن تبريره، حيث أن هذه المعطيات تقع في ميدان البُطلان الذي تحدث عنه مجمع الفاتيكان الثاني، أما أن يأخذ المبشرون على عاتقهم بنفس هذه المعطيات التي لا تتواءم مع العلم، فذلك تقرير بالغ الجسامة والخطورة ويتعارض مع الذين يدافعون عن الصحة التاريخية للنصوص الإنجيلية!
– لقد أدرك المعلقون جيدا خطورة هذا التقرير، وهم يحاولون تجنب هذه الصعوبة بقولهم: إنه ليس المقصود هو شجرة نسب المسيح بتمامها، وإنما المبشرون قد أسقطوا أسماء عن عمد، وإن ما يجب أن يدخل في الحُسبان هو فقط، نيّة وضع الخطوط العريضة أو العناصر الجوهرية لنسَب المسيح بالاعتماد على الواقع التاريخي، وليس في النصوص ما يسمح بإقامة مثل هذا الفرض، فنصوص الأنساب تعيّن بالتحديد أن فلانًا ولد فلان، وأن هذا إبن ذالك، وزيادة على ذلك وبالنسبة لما يسبق إبراهيم على وجه خاص، فقد أختار المبشر من العهد القديم (التوراة) الذي يعرض الأنساب على الوحه التالي: سين في سن كذا انجب صاد.. وعاش صاد عددًا من الأعوام وأنجب عين.. إذن ليس هناك انقطاع في التسلسل، وعلى هذا فالجزء السابق عن إبراهيم من نسب المسيح حسب إنجيل لوقا يصبح غير مقبول في ضوء المعارف الحديثة، والحديث عن الفترة الثانية من إبراهيم إلى داود سوف تكون محور الحديث في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى.
– مقالة رقم: (1639)
13. ذو الحجة. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد، واضحى مبارك
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق