مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية البنت جواهر وملكة الجان من الفولكلور السّوري وقّاد الحمّام ( الحلقة 1 )

طارق السامرائي

كان لأحد السّلاطين ثلاث بنات، يحبهنّ حباً كبيراً، و كلما جلب لهنّ شيئاً، شكرنه ،وقبلن يديه، وقلن له:”أدام الله عزّك يا أبي !!! إلا الصّغرى ،واسمها جواهر، فكانت لا تقول شيئاً ،وترفع يديها للسّماء شاكرة ، وإذا ما عاتبها والدها عن قلة إحترامها ، قالت له: الرزق من عند الله، وكان يغضب منها ،ويحاول أن يعلّمها كيف تقبّل اليد التي تمتدّ إليها ،وإلاّ فإنّها لن تنال منه شيئا ،فأجابته: الله هو الذي يرزق ،ووحده من ينال الشّكر ، لكن ذلك لم يرق له ،فاستعمل معها كلّ الوسائل، وتوعّدها بالعقاب الشديد ،فقد كان يخشى أن تسمع الرّعية بالحكاية ،وتستخفّ به، لكن البنت، لم تهتمّ بتهديده، وتمادت في عنادها ،وذات يوم غضب منها غضباً شديداً، فقرّر تزويجها لوقّاد في الحمّام، وحرص أن يزوّج ابنتيه الكبرى والوسطى في نفس اليوم لاثنين من وزرائه، وغمرهما بالهدايا والعطايا، وهي حرمها من كلّ شيء.

ليلة عرسها ذهبت جواهر لدار زوجها بصرّة ملابسها ،وبضعة دنانير في جيبها ،وقد كان ينتظر منها أبوها أن تستعطفه ،ليعطيها على الأقلّ مثل أختيها لكنها لم تفعل ،وهو ما زاد في غضبه ونقمته عليها ،فهي تقبّلت ذلك كله برضى وصمت، ولم تبد أسفاً ولا حزناً ولا ندماً، وحين لامتها أمّها على تعنّتها قالت: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا يا أمّاه ،وهو الكريم ،الرّحيم بعباده ،ولقد كان مسكنها مع زوجها الوقاّد في غرفة صغيرة بجانب الحمّام، وصارت تنام على فراشه الخشن، وتطبخ طعامها على كانون ،ومضت الأيّام وهي قانعة بالقليل، صابرة على حظها، جاهدة على إسعاد زوجها من غير ضيق ،ولا تذمّر .‏ أما هو فكان يحبّها ،فقد كانت جميلة ولطيفة ،ولمّا ناداه السّلطان ذات يوم للقصر ،وعرض عليه الزّواج من إبنته جواهر ،ظنّ أنّه يسخر منه ،فما هو إلا فتى فقير معدم ،يمضي يومه في إشعال الحطب لتسخين الماء في حوض الحمّام،وأجرته بضعة دراهم، ومأوى حقير.
لكنّ السّلطان كان جادا وبمجرد موافقته جاء الشّيخ ومعه شاهدين ،وفي المساء حملها لغرفته ،وهو خجل من نفسه ،فليس له شيئ يقدمه لها ،لكنه سرعان ما أحبها وأخذ يضني نفسه ليوفّر لها ما تحتاجه ،وكان زبائن الحمّام يعرفون أنّه متزوّج لكن يجهلون أنها الأميرة ،وكلّ مرّة يعطونه طعاما أو لباسا لها ،وهي تحمد الله. ومرّت الأيام، وحملت جواهر، ففرحت ، على الرّغم ممّا هي فيه من فقر، وأخبرت زوجها ،فتحيّر، ولم يدر ما يفعل ،فالعين بصيرة واليد قصيرة ،أمّا الفتاة فلمّا رأت حزنه، قالت له :الله يرزق ذلك المولود ،فرفع يديه للسّماء ،وقال رحمتك يا رب!!! وأخذت الأميرة تعدّ الليالي والأيّام، ، حتى اقترب أوان وضعها، فتوسّلت إلى زوجها أن يسمح لها صاحب الحمّام بالولادة ليلاً بعد الإقفال ، إذ لا ماء لديها في الغرفة ،وبإمكانها أن تغتسل هي ورضيعها، فأشفق عليها صاحب الحمّام ،ولم ير مانعا في ذلك .‏
وذات ليلة أحسّت بالمخاض، فأخذها زوجها إلى الحمّام، ووقف خارجاً ينتظر، وهي وحدها، تعاني آلام الوضع، بصبر وصمت، وبينما هي كذلك، دخلت عليها أربع نسوة، ليس في الدّنيا أجمل منهنّ ،وألقين عليها التّحية، وهنّ يحملن ألبسة ومناشف ، وعطور ،وولدت جواهر دون أن تحسّ بأيّ ألم ،وكان المولود صبيّا جميلا مثل القمر،وغسلته النّسوة بالماء السّاخن ،ثمّ قمّطنه في الحرير، و ألبسنها أجمل الثّياب، وودّعنها ،ولمّا هممن بالخروج، سألتهنّ من يكنّ؟ فأخبرنها أنّهن بنات أصحاب الحمّام، فشكرت لهن سعيهنّ ،ودعت لهنّ بالخير.‏ثم خرجت وهي في أحسن حال، ففرح بها زوجها، ودهش للثوب الجديد الذي عليها، ومن قماط الرّضيع، فأخبرته أنّ بنات صاحب الحمام هنّ اللواتي إعتنين بها، فتعجّب ،وقال لها :ولكن ذلك الرّجل لا بنات له ،وكلّ أبناه من الذكور!!! فمن أين أتت أولئك النّسوة ،والحمّام مغلق ؟

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق