تقول صاحبة القصة حكايتى بكل ما فيها من مرارة مازلت أتجرع كأسها حتى اليوم فأنا سيدة تعديت الخامسة والستين
وأعيش في إحدى قرى محافظة ساحلية وانتمى إلى أسرة عادية من أسر الأرياف حيث يرتبط الجميع بعلاقات نسب ومصاهرة بين بعضهم وكنت الوحيدة بين أخواتى البنات التي تتمتع بقوة الشخصية والحضور والجرأة في التعامل وتعلمت في مدرسة متوسطة في حين لم يلتحق أي فرد من أسرتى بالتعليم واكتفوا بالعمل في المزارع والمصانع مثل الكثيرين من أقرانهم ولاحظت وقتها شابا من أسرة ثرية يحاول أن يتقرب مني وينظر إليا بإعجاب ثم جاءتنا والدته وخطبتني له و ملأت الفرحة بيتنا وأثنى أهلى على أسرته و وصفوهم بأنهم مثال رائع للطيبة والكرم وحسن الأخلاق وعرفت أن خطيبى هو الإبن الثانى لأبيه
حيث يكبره أخ واحد بعامين وأنه هو الذي يدير ثروة أبيه من الأراضى الزراعية لما يتمتع به من القوة والحزم بعكس شقيقه الذي يغلب عليه الهدوء وعدم القدرة على مواجهة الآخرين وأقام والده لنا حفل زفاف كبيرا حضره أهل القرية والقرى المجاورة وانتقلت إلى بيتهم الواسع ذي الغرف المتعددة في ركن خاص بي وتمتعت مع زوجي بكل شيئ ووجدت والدته سيدة رائعة وأبوه رجلا دمث الخلق وشقيقه شابا سمحا لا يتكلم كثيرا ولا يحتك بمن حوله ولعل ذلك هو ما دفع أباه إلى أن يفوض زوجي في كل الأمور ولاحظت الرضا على الجميع بهذا الوضع فهم وحدة واحدة وقرارهم واحد وبعد مضي عام على زواجنا أنجبت طفلا جميلا فانطلقت الزغاريد تجلجل في أرجاء البيت وعلت الابتسامة وجه حمايا وحماتي وصار إبني هو شغلهما الشاغل فيسأل عنه حمايا في الرايحة والجاية و تحمله حماتى نائما أو مستيقظا وذات يوم وفي أثناء تناول طعام الغداء فاتح حمايا شقيق زوجي في مسألة الزواج الذي كان يؤجله باستمرار وقال له نفسي أفرح بيك مثل أخوك فطأطأ رأسه قائلا ربنا يسهل فاعتبرت رده علامة على الموافقة وحدثتني نفسى بأن أختار له العروس التي سوف يتزوجها على مزاجي و
صارحت زوجى بما يدور داخلي.
وقلت له أنت الذى يدير أملاك أبيك ومن حقك أن تنال في النهاية هذا الارث ثم يكون لأولادك من بعدك ولو تزوج أخوك وأنجب سيحصل على نصف الميراث ومادام أنه لايفكر في الانجاب ووصلت الأمور إلى حد الضغط عليه من أجل الارتباط فسيوافق على من نختارها له
فاقتنع زوجي بكلامي وسألني عن الفتاة التي أرشحها له
فقلت له أنها ليست فتاة إنها سيدة مطلقة لم تمكث مع زوجها سوى عام ونصف العام ثم طلقها لعدم الانجاب مع أنها جميلة وتتمتع بالأخلاق الحميدة علاوة على روحها المرحة وهي تقترب في صفاتها من صفات شقيقك وقد اخترتها بالذات حتى لا تنجب وتكون تركة أبيك في النهاية لأولادك فوافقني على رأيى وتوليت مسئولية اقناع حماتي بالعروس المناسبة من وجهة نظري دون أن أفصح عن سبب طلاقها ولم يتوقف شقيق زوجي عند مسألة طلاقها بل أبدى سعادته بهذا الاختيار ومازال رده يرن فى أذني إذ قال فى نهاية جلستنا توكلت على الله وخرج إلى المسجد لأداء صلاة العشاء
وتم عقد القران والزفاف وسط لقاء عائلي دون حفل كما جرت العادة مع من سبق لهن الزواج
وأحسست وقتها بالإنتصار وبأن خطتي للاستئثار بالميراث تمضى كما رسمتها وعشنا معا حياة مستقرة لم يعكر صفوها شيئ و مرض حمايا ثم رحل عن الحياة
وودعناه بالدموع والتففنا حول حماتي وازددنا ترابطا وأصبح شقيق زوجي هو رجل البيت باعتباره الأكبر سنا ولكن الأمور كلها ظلت بيد زوجي ثم فوجئنا بما لم أتوقعه إذ حملت زوجته
وظهر عليها الحمل فأخذت أضرب كفا بكف كيف تحمل وهي عاقر فلقد كان السبب في طلاقها هو عدم الانجاب وظللت اطمئن نفسى بأنه حمل كاذب فلقد سمعت وقتها عن بعض الحالات حيث تعيش الزوجة وهم الحمل ثم تفاجأ في النهاية بأنها ليست حاملا وأن الأمر كله لا يعدو كونه مجرد تهيؤات وخيالات نعم ظننت ذلك ولكن شهور الحمل مرت بشكل عادي ووضعت زوجة شقيق زوجي توأمين جميلين
وانجبت ولدين في بطن واحدة وعنفني زوجي على صنيعي فالحق أننى التي ضغطت عليه لاقناع شقيقه بقبول هذه الزيجة للهدف الذي كنت أسعى إليه
لكنه بانجاب الولدين أصبح سرابا كما أنني لم يكن لدى وقتها سوى ابني الوحيد الذى لم انجب سواه
وكبر الولدان وكلما شاهدتهما أمامي يمر برأسي شريط الذكريات وما كنت أرتب له بعد رحيل الكبار حين تصبح الأرض كلها ملكا لأولادي ثم توالى انجابها البنين والبنات فانجبت ولدا ثالثا وبنتين فى حين توقف انجابي تماما وأدركت أنني سوف أجني ما صنعت وأن من يتخيل أنه قادر على أن يفعل ما يريد واهم فالقادر هو الله ونحن البشر مهما فعلنا فلن نغير قدره سبحانه وتعالى ودارت السنون وصار الأولاد شبابا وأصبحت أخاف على إبني من كل خطوة يخطوها فأتتبعه وأسأل عليه وكان لدينا جرار زراعي يعمل عليه في أرضنا الزراعية في أيام الأجازات الدراسية وذات يوم أخذ الجرار
وذهب في طريقه إلى الحقل فصدمته سيارة نقل مسرعة في أحد المنحنيات فأطاحت به بعيدا لعشرات الأمتار وجاءنا الخبر المفجع فأسرعنا به إلى المستشفى المركزي القريب منا
ثم الى مستشفى شهير بالقاهرة وظل في العناية المركزة ثلاثة أيام ثم صعدت روحه إلى بارئها
ودارت بي الأرض وغبت عن الوعي وأخضعوني للفحص الطبي وشخصوا حالتي بأنها صدمة عصبية شديدة وتلقيت علاجا استمر مدة طويلة ولما أفقت وجدت زوجى قعيدا بعد اصابته بجلطة في المخ ورأيت شقيقه إلى جواره يبكي بمرارة أما أبناؤه
فلم يغادروا حجرتنا ولازمونا ليلا ونهارا ولم أسمع منهم سوى كلمتي أبي وأمي وهم ينادوننا أنا وزوجي وبعد أسابيع قليلة مات زوجى ولم أجد أحدََا بجواري سوى أبناء شقيقه الذين حاولت أن أمنع وجودهم في الحياة
بالحيلة الدنيئة التي دبرتها له للزواج من عاقر فإذا بالله عز وجل يخلف ظني ويحدث ما حدث وافقد إبني الوحيد ليؤول كل شيئ إلى أولاد شقيق زوجي الذين صاروا أولادي بالفعل بعد كل ما صنعوه لي ولقد أراد الله أن أعيش لأرى كل من حولي يرحلون من الدنيا واحدا بعد الآخر لكي أنال العقاب الذي استحقه في الدنيا فلقد رحل شقيق زوجي وبكيته كثيرا ثم رحلت زوجته وكنت إلى جوارها في اللحظات الأخيرة وكان مشهد رحيلها مؤثرا في نفسي إلى حد لا أستطيع وصفه إذ امتلأ وجهها نورا وكانت تتمتم قائلة الحمد لله وكررتها كثيرا وكانما كانت ترى مقعدها في الجنة نعم والله يا سيدي سمعتها وهي تؤكد شكرها لربها وأدركت أنها تشاهد جزاء نقاء سريرتها وقربها من الخالق العظيم وأنا أعيش الآن بين أبنائي أقصد أبناء شقيق زوجى الراحل وأنا بالنسبة لهم بمنزلة الأم بل لا يتخذون خطوة واحدة في حياتهم إلا بعد استشارتي
وكلما جائنى أحدهم ضاحكا مناديا يا أمي أقول فى نفسى حكمتك يا رب إنه سبحانه وتعالى علام الغيوب وقد أراد لى أن أتعلم الدرس البليغ بأن الله يفعل ما يشاء وانخ المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ولقد تعلمته بالفعل وإنني أدعوه في كل صلاة وفي كل وقت أن يغفر لي ذنوبي ويستر لي عيوبي
واخيرا وأرجو أن يتعظ كل ضال وأن يعود كل من يتربص بالآخرين إلى رشده فالله هو القاهر فوق عباده ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة ۚ إنك أنت الوهاب (سورة آل عمران)
حكمتك يارب العالمين.