اقلام حرةنشاطات

المعرفة الفائضة

همسة نت.رندة صادق

المعرفة الفائضة

مصطلح «المعرفة الفائضة» بتنا نسمعه على لسان المثقفين يرددونه في جلساتهم ومقابلاتهم وكأنه من مجموعة الـ«magic word» تضاف إلى سلسلة المصطلحات المستخدمة في مجالسهم، وذلك لإضافة الغموض على واقع لم نعد نملك له تعريفا أو وصفا أو ندرك غاياته ومساراته.
ومع هذا جذبني المصطلح وأثار فضولي، فقررت أن أفهم أبعاده ولماذا بات يستخدم في بعض الأحيان كمعنى مماثل لمصطلح «المعرفة الناقصة» أو الجهل الفائض؟ سقطت الأضداد بضربة لغوية ملتبسة.
المعرفة من حيث المعنى هي «الإدراك والوعي، وفهم الحقائق عن طريق العقل المجرد أو بطريقة اكتساب المعلومات بإجراء تجربة وتفسير نتائج التجربة، أو من خلال التأمل في طبيعة الأشياء أو من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم، فالمعرفة مرتبطة بالبديهة والبحث لاكتشاف المجهول وتطوير الذات».
أما الفائض المعرفي أو الثقافي، فهو يشكل أزمة تنمو على مقامات الاختلاف المجتمعي، وتجعلنا نفكر ان بعض المجتمعات يتساوى فيها فائض الجهل بفائض المعرفة وكأننا بعد جهد فسرنا الماء بالماء.
الجهل لا يمكن أن ينتج تطورا إيجابيا، لأنه لا يملك عناصر التطور التصاعدي الإيجابي، بل على العكس قد ينتج جهلا فائضا، يتطور سلبا ويرد الحالة الفكرية ومستوى الوعي المعرفي إلى ما دون المستوى المطلوب بدرجات.
الجهل أعمى، لا يرى الواقع كما هو بل كما يظنه، وبحدود وعيه ويصر أن يطل على العالم الواسع من ثقب صغير في أسواره التي بناها على مرّ العصور، خاصة أن الجهل يحمي نفسه بتبنيه أفكارا لا يمكن المسّ بها دون أن يُجيش المجتمع ويحول الأمر إلى مطلب عام تسيل من أجله الدماء، الجهل المتمكن من المجتمع يغلق نوافذ المعرفة ويسدل ستائره على أي ضوء قادم من وعي معرفي جديد.
بالمقابل فائض المعرفة التي قد يكتسبها البعض في تلك المجتمعات، تتحول إلى مجموعة شعارات أو انتقادات وصراعات غير مفهومة بين فائض الجهل وفائض المعرفة. أن تعرف أكثر ليس بالضرورة أن تكون بحالة أفضل، لأن غالبا هؤلاء يعانون من تأثير الثقة الزائدة في تقييم طرق التعامل مع هذه المجتمعات، ويبنون جدارا معاكسا لأسوار الجهل يجعلهم ينظرون إلى مجتمعاتهم نظرة دونية ومتعالية .
هذا الواقع يجعلنا نتذكر تلك الطرفة التي تتحدث عن أن احد الرجال المعروفين بعندهم الشديد قرر أن يدق مسمارا في جدار غرفته وراح يدقه بجبهته، وكلما ظن أنه حقق هدفه اكتشف فشله في تثبيت المسمار، لأن في الجهة الثانية للجدار كان رجلا أعند منه يدق نفس المسمار مما أوجد قوة عناد متساوية عجزت عن تحقيق هدف أي منهما. إذا نحن جميعا نحتاج تحديد جرعات المعرفة ونسبها عبر استراتيجية معرفية تراعي مستوى الوعي المجتمعي وتتعامل معه بنفس لا يستعجل نضج ثماره.
العالم المرهق اقتصاديا وسياسيا والمهدد بيئيا والذي يتنفس بصعوبة ويعاني من تفاوت معرفي شاسع غيّر موازين القوى في العالم وأعاد انتشار نقاط التصادم والتنافر والتقاتل والتلاقي على مساحة خارطة العالم هو نفسه يعاني من فائض فوضى تقوده نحو التدمير الذاتي .
في حقيقة الأمر، نحتاج أن نهدأ، كي نعلم أننا لا يمكن إلا نتخاطب لنلتقي ونتحاور لنتشارك ونتصادم لنعيد تموضعنا السلمي من جديد بمنطق واع وعلمي ووسطي في طروحاته. نريد عالما أفضل، يتمتع بمعرفة متساوية ومنطق سليم، نريد حياة لا يُستخدم فيها منطق الفائض بالمعرفة أو القوة أو العلم، لا تظنوا ان هذه مثالية في الطرح، بل هي حاجة بديهية وضرورة وجودية عليها أن تؤسس لآلية تغيير وجه العالم.
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق