مقالات

هنا غزة كتب محمد النجار عبر صفحته المحامي محمد المصري يروي: “رحلة الجحيم إلى زكيم.. من أجل كيس طحين”

في ظل الغلاء الفاحش وانقطاع الطعام، كحال معظم الناس، قررت أن أخوض تجربة الذهاب إلى معبر زكيم علّي أحصل على كيس طحين لأهلي.

تحققت من خبر التنسيق، وتوجهت نحو الموقع قرابة الساعة السادسة مساءً. كان المشهد صادماً: بحرٌ من البشر يمتد من شمال غزة حتى حاجز الاحتلال. الناس تتقدم ببطء، وكنت من بينهم حتى وصلت إلى سور الفروسية.

فجأة بدأ إطلاق نار عشوائي. الجميع اختبأ. بعضهم احتمى ببيت مقصوف، وآخرون خلف تلال رمل أو داخل حفر، أما أنا فاحتميت بجدار. الشمس كانت حارقة، وليس معي قبعة، فرأيت بعض الناس يستخدمون كيس الطحين الفارغ كغطاء للرأس، ففعلت مثلهم.

عند الساعة السابعة مساء، بدأ الصراخ:
“دخلوا!”

هرج ومرج، اندفع الآلاف كأنها يوم القيامة. الجميع يركض باتجاه نقطة التسليم، ومن يسقط يُدهس. رأيت أناساً يركضون من مسافة كيلو تقريباً، فركضت معهم حتى أحسست أني وصلت المجدل.

عند نقطة التسليم، كانت العربات فارغة، الناس تتشاجر، وكل يحاول أن يقتنص فرصة للنجاة بطحين.
أحد المشاهد لن أنساه:

رجل مطعون بسكين في بطنه ينحني، لكنه متمسك بكيس طحين صغير.

خلفه شخص يحمل سكينًا كبيرة يحاول سلبه الكيس.

آخر يده مجروحة بجرح عميق، يقدر بـ5 سم.

كثير من الناس وصلت حتى مشارف الدبابات، وأنا كنت على بُعد 100 متر منها.

نسبة من حصلوا على طحين لا تتجاوز 2% من الحضور.

الذين حصلوا على شوال طحين، كانوا يُحيطون أنفسهم بشخصين مسلحين بسكاكين أو فؤوس.
كنت مذهولاً من المشهد، وإذا بدبابة تتقدم وتبدأ بإطلاق نار كثيف لتفريق الناس.
طراد حربي من البحر أطلق نيرانه في الهواء، تبعته طائرة F16 حلّقت فوق رؤوسنا على علو منخفض، أنارت السماء بالكامل.

قررت أن أعود إلى بيتي…
رأيت اثنين يتعكزان على بعضهما، وثالث يتكئ على عصا مكسورة.
سألتهم:
“ماذا حدث؟”
أجابوا: “المقطورة داست علينا!”

ثم جاءت شاحنة أخرى، صعدت عليها، وإذا بها تحمل 5 شهداء وشخص يحتضر، لا وقت لمعرفة أسمائهم أو تفاصيلهم.

أُرهقت… بالكاد أستطيع المشي.
عثرت على تكتك، يبيع قنينة الماء بـ3 شيكل، ثم وجدت شاحنة نقل صغيرة مليئة بالناس، ركبتها بـ10 شيكل حتى الضبيط.

وفي طريق العودة… سمعت القصص التالية:

● شاب يبكي بحرقة: “ما عنا إشي ناكله، كل معي 5 شيكل اشتريت فيهم كيس رز من عند الحاجز، وإذا بأربعة شباب من جباليا – مع كل احترامي – يحملون سكاكين، حاولوا طعني، وترجيتهم: خذوا جزء وهاتوا جزء، قالوا لي: (بنطعنك ولا…!) وسلبوني الرز.”

● زوج أختي كان معي، ثم تفرقنا. لما عدت للبيت، سألته:
“وين رحت؟!”
أجابني: “أخذت كيس طحين، لكن عند الخالدي – غرباً – أوقفني تندر عليه 8 أشخاص بسكاكين ضخمة، ضربوني وسلبوا الطحين.”

قصص كثيرة، وناس محترمة دفعتهم الحاجة للجحيم.

نصيحة من القلب:

لا أنصح أحدًا بخوض هذه الرحلة… كانت بحق “رحلة الجحيم إلى زكيم”.

إغلاق