لا تختص النكبة كمصطلح فقط بالوضع الفلسطيني عام 1948، إذ استخدم المصطلح تاريخياً إبان حكم العباسيين ومنع البرامكة (بالقتل والتشريد) خوفا من السيطرة على بعض مقاليد الحكم، حيث ذكر التاريخ ما تسمى” نكبة البرامكة”، وكذلك الأمر أيام حكم محمد علي باشا وقتله لمجموعة من المماليك فيما عرف بـ”نكبة المماليك”، كما أن النكبة تتشابه في معناها الدرامي مرادفات تاريخية عديدة. قلما عرفت البشرية جمعاء مصيبةً أعمق وأشرس من نكبة فلسطين الاولى سنة 1948 وكان اللبناني (زريق) اول من استخدم مصطلح النكبة الفلسطينية تعبيرا عن عمق المأساة ؛ حيث اجبر الفلسطينيون بل وجنسيات عربية وغير عربية على ترك بيوتهم واراضيهم قسرا بعد هزيمة الجيوش العربية التي جاءت لتحمي فلسطين فسلمتها للمعتدين انسجاما مع إشراف الانتداب البريطاني الذي أراد جسما غريبا في الوطن العربي ليضمن تفتيته والسيطرة عليه ونهب موارده . لم تكن بريطانيا الا السبب الرئيس لنكبتنا وهي التي أدارت السياسة الخارجية لذلك بدءاً من وعد بلفور ومرورا بتدريب العصابات الصهيونية وتعيين مسؤولين للجيوش العربية لغرض تسليمها وليس للانتصار على احد .. استغلت العصابات هذا الدعم البريطاني وقامت بتنفيذ المذابح وترويع الناس وقتلهم وتهجيرهم في ذات الوقت الذي لم يدرك فيه الناس حجم الكارثية التي ستصيبهم مقنعي أنفسهم بالعودة خلال 70 يوما او سبعة اشهر او سبعة سنين وكان ذلك نكران للهزيمة على الصعيد الشعوري فبقيت مفاتيحهم بايديهم ينتظرون الفرج الذي سرعان ما تبدد وأصبح منالا صعبا وطاف النعاس على الناس لهول مصيبتهم …. وبذات الوقت أسهمت بريطانيا بإنشاء المخيمات وتوفير الاحتياجات وأغدقتهم بالسردين والطحين لان سياستها قتل الناس بالعسل بعدما قتل معظمهم بالرصاص والصواريخ وأحيانا بالجوع والعطش وتلافيا لاحراجات دولية ومساءلات قانونية وان كانت خافتة لان الموقف كان يدين العرب بانهم لم يقبلوا بالتقسيم الذي وضعوه وطالبوا برفضه رغم رفضه ليستمر المسلسل المرسوم. لقد ظن المتآمرون ان تشتيت الفلسطينين ينسيهم قضيتهم فتمتصهم المهاجر بعدما يموت الكبار وينشأ الصغار نشأة اخرى .الا ان واقع الحال غير ذلك تماما حيث استمرت المقاومة وامتدت الحروب وأصبح الناس اكثر وعيا واكثر رفضا للتعويض او التوطين بل ورث الابناء حق العودة من جينات الآباء والمجتمع وأصبحت قراهم التي يسمعون بها ولم يشاهدوها مستقرة في وجدانهم وتفكيرهم وكأنهم على موعد مع العودة حتما، وكل يوم يمضي يشعرون فيه بقرب تحقيق عدالتهم وحقوقهم شاء من شاء من شاء وأبى من أبى كثوابت مستقرة رغم انكشاف الستار عن أعداء خفيين لبسوا ثوب الطهارة لسنين مضت وعقود خلت وكان التاريخ شاهدا عليهم لا معهم وقتما فسروا الانسحاب تكيك والامتعاض بما حل بِنا والذي لا يحتاج اكثر من كأس يانسون وقتها عدا عن قطع الإمدادات والضغوطات …. ومما يزيد النكبة مصيبة تلك النكسة التي تبعتها سنة 1967 وللأسف لم يخصص لها الناس فعاليات وأنشطة تذكرهم بحلقة جديدة من المأساة والمعاناة حيث احتلت اسرائيل كامل التراب الفلسطيني وسيطرت على جميع الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية ومنها القدس وبيت لحم وسيطرت كذلك على المعابر والحدود بما فيها من أودية ونهر ومغطس المسيح عليه السلام وبحر متوسطي كبير وآخر ميت منذ عهد لوط عليه السلام ، عدا عن سيطرتها على الزراعة والسياحة… برأيي لم تكن المصيبة في النكسة اقل حجما من النكبة وان اتفاقية السلام المتعثرة لم تكن بديلا لنسيانها فقد مات الجيل الاول ونصف الجيل الثاني وهم ينتظرون عودتهم لأرضهم وبيوتهم واهلهم .. باستثناء قلة ممن حصلوا على شمل العائلات كامتياز لتبرير اسرائيل وتسويقها للعالم ان تبعات متعلقة بالنكسة ساهمت بمعالجتها رغم فرديتها وغياب جمعيتها مع الأخذ بعين الاعتبار العدد الكبير من الفلسطينيين الذين نكبوا وانتكسوا فجمعوا بين مصيبتين النكبة والنكسة …. لله درك يا وطني ،، عشت حرا مهما كانت التحديات وليكن الشعار دوما لا للنكبة ولا للنكسة كعنوانين متصلين وليسا بمنفصلين اطلاقا … والله ولي الامر