أخبار عالميه

تضخم أدوار حميدتي: قضم تدريجي لصلاحيات الحكومة السودانية

يُتهم حميدتي بفض اعتصام الخرطوم عبر قواتة

يتواصل تضخّم الأدوار السياسية والعسكرية لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهذه المرة عبر عودته لرئاسة اللجنة العليا لإدارة الأزمات الاقتصادية، من دون أي اعتراضات، بعدما كان تعيينه في هذا المنصب في مارس/آذار الماضي قد قوبل برفض واعتراضات دفعته للتراجع لبعض الوقت. ويرى كثيرون أن عودة حميدتي، المحسوب على المحور السعودي الإماراتي، لرئاسة اللجنة الاقتصادية، وزيادة أدواره السياسية وكل محاولات تضخيمه، جزء من الشروط التي فرضها المحور نفسه على الحكومة الانتقاليةلمواصلة تقديم الدعم المالي لها لمعالجة الأزمات المعيشية الخانقة، لا سيما في مجالات الخبز والوقود وغاز الطبخ.

وكان اجتماع مشترك بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وتحالف “الحرية والتغيير”، في السادس من مارس الماضي، قد انتهى إلى تكليف حميدتي برئاسة اللجنة الاقتصادية، على أن تكون نائبة رئيس حزب “الأمة” مريم الصادق المهدي، مقررة للجنة التي تضم عدداً من أعضاء مجلس السيادة والوزراء.
غير أن تعيين حميدتي قوبل باعتراضات عديدة من مكوّنات داخل تحالف “الحرية والتغيير” الحاكم، رأت أن تعيينه، وهو نائب رئيس مجلس السيادة، كرئيس للجنة أمر يخالف الوثيقة الدستورية، التي توضح صلاحيات مجلس السيادة بحيث لا تدخل في الصلاحيات التنفيذية للحكومة. لكن الاعتراض الأكبر جاء من الشارع ولجان المقاومة التي لديها تحفظات كبيرة على حميدتي أصلاً وتحمّله مسؤولية فض الاعتصام في محيط مقر قيادة الجيش السوداني العام الماضي، والذي أدى إلى سقوط أكثر من 100 قتيل. وهددت لجان المقاومة بتصعيد الموقف الثوري، فيما فشلت محاولات مندوبين أرسلهم حميدتي في إقناع لجان المقاومة بقبول فكرة رئاسته للجنة. مع تلك الاعتراضات وغياب الكثير من أعضاء اللجنة عن حضور اجتماعاتها، اضطر حميدتي للتراجع والاعتذار عن رئاستها، التي آلت رئاستها لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
ولكن في الأسبوع الماضي، تم التوافق على مصفوفة زمنية لتنفيذها في عدد من المجالات. وحرص فيها المكونان العسكري والمدني على تعزيز الشراكة بينهما بتشكيل لجان مشتركة. وضمن تلك العملية عاد حميدتي لرئاسة اللجنة الاقتصادية العليا، فيما عُيّن حمدوك رئيساً مناوباً للجنة.

وبذلك بات نائب رئيس مجلس السيادة مسيطراً على أهم ملفين؛ الملف الاقتصادي في الدولة، وملف السلام مع الحركات المسلحة، إذ يرأس وفد الحكومة الانتقالية في المفاوضات التي ترعاها دولة جنوب السودان، هذا إضافة إلى سيطرته الأمنية الواسعة من خلال قيادته قوات الدعم السريع، وكذلك محاولته خطب ود أحزاب سياسية واستمالتها وناشطين في الثورة السودانية ومنهم من بات قريباً منه.

وكشفت مصادر لـ”العربي الجديد” أن قبول بعض مكونات “الحرية والتغيير” بتمدد حميدتي وتليين موقفها تجاهه، يأتي أملاً في الدعم السعودي الإماراتي، خصوصاً في ظل الضائقة المعيشية وانسداد الأمل في المجتمع الدولي الذي وعد بتقديم دعم مالي كبير، وهو أمر بات شبه مستحيل مع انشغال المانحين الدوليين بجائحة كورونا.

لكن الناشط في الحراك الثوري الشبابي، معتز يوسف، رأى في حديث لـ”العربي الجديد”، أن عودة حميدتي لرئاسة اللجنة الاقتصادية تؤكد تماماً أن البلاد لم تخرج من مربع الحكم العسكري، وأن القول بوجود حكم مدني مجرد تمثيلية، مشيراً إلى أن “المحبط بالنسبة للشارع الثوري ليس هيمنة المكون العسكري بل المخيب أكثر هو موافقة المكون المدني الذي بدا ككومبارس في تلك المسرحية”.

وأضاف يوسف أن “المحور الإماراتي السعودي المصري سعى لوأد الثورة وخلق الأزمات للحكومة الانتقالية ومن ثم تصوير الحل في يد المكون العسكري”، مؤكداً أن الهدف كله هو فرض حكم عسكري كامل في البلاد نهايةَ المطاف، على أن يقبل به الشعب من باب الأمر الواقع وبلا اعتراضات. وأشار إلى أن نائب رئيس مجلس السيادة “لم يكن في يوم من الأيام داعماً للثورة، بل تسبّبت قواته في فض الاعتصام ومقتل الأبرياء في رمضان الماضي، وهو غير مؤهل لإدارة لجنة اقتصادية، وهو ضمن ماكينة نهب الموارد ولا يمكن أن يتحوّل إلى أمين على الاقتصاد مطلقاً”، معتبراً أن “ذلك التعيين سيفتح له أبواباً جديدة لمزيد من النهب من الذهب والمعادن وغيرها، أو حتى عبر مزيد من البيع لأبناء السودان في الحرب الخاسرة في اليمن”. ورأى أن “كل ما تم الاتفاق عليه بين المكونين العسكري والمدني خلال المصفوفة يعد انقلاباً حقيقياً بتجميد الوثيقة الدستورية التي تحدد الصلاحيات بصورة أوضح ما يكون”، معتبراً أن “المخرج من تلك الورطة لن يكون إلا بثورة جديدة الشارع جاهز لها وسيدشنها قريباً لتصحيح المسار وتحرير السودان من حكم مليشيا الدعم السريع”.

من جهته، قال القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، كمال كرار، إن جهات، لم يسمها، تحاول تصوير دقلو على أنه رجل خارق ومنقذ وبإمكانه حل كل مشاكل السودان، لذا تسعى لتضخيم دوره وتمدده في مساحات أكبر من إمكانياته، معتبراً في تصريح لـ”العربي الجديد” أن العقلية العسكرية أثبتت فشلها في إدارة الاقتصاد، وأن حميدتي على وجه التحديد هو جزء أصيل من الأزمة وليس جزءاً من الحل، مؤكداً أن الحل في إقامة دول مؤسسات لا أفراد، مشيراً إلى أن الحديث عن أن الدعم الإماراتي سيصل بمجرد تعيين حميدتي رئيساً في اللجنة الاقتصادية غير واقعي.

أما الصحافية شمايل النور، فاعتبرت أن الضغوط الإماراتية وحدها هي التي أتت بحميدتي رئيساً للجنة الاقتصادية، مشيرة إلى أن المحور الإماراتي السعودي غير مطمئن تماماً لشكل العلاقة بين المدنيين والعسكريين لذا أوقف دعمه مبكراً للسودان بعد تشكيل الحكومة المدنية. وأضافت النور، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الانفراج الذي سيحدث في بعض الأزمات المعيشية، مقصود به توجيه رسالة للشعب السوداني أن الحل في يد حميدتي بالتالي زيادة رصيده السياسي، منبّهة إلى أن “حميدتي يريد تحويل “الحرية والتغيير” إلى حاضنة سياسية له من أجل شرعنة مليشيات الدعم السريع التي تحوّلت إلى إمبراطورية كان من الواجب تفكيكها بعد الثورة في المستقبل القريب”.

وأشارت النور إلى أن تضخّم حميدتي مستمر في المشهد السياسي في السودان، حتى وصل إلى مرحلة بات فيها محل استقطاب الحركات المسلحة التي يتفاوض معها، وأصبحت كل حركة تريده قريباً منها، لافتة إلى أن اللجنة العليا التي يترأسها حميدتي ستتفرع عنها لجان أصغر هي التي ستقوم بمهام الوزارات وهذا ما يخلق أزمة حقيقية ويجعل الحكومة المدنية بلا مهام. وأضافت أن تعيين حميدتي رئيساً للجنة الاقتصادية يأتي من جانب آخر في إطار تنافس مع رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان نفسه، المدعوم أكثر من الجانب المصري، معتبرة أن انحياز “الحرية والتغيير” إلى جانب حميدتي في تلك المنافسة سيجعل البرهان متمسكاً أكثر بالجيش كحاضنة أساسية له.

مقابل ذلك، رأى المحلل السياسي يعقوب الدموكي، أن وجود حميدتي على رأس اللجنة الاقتصادية طبيعي ومفهوم بسبب طبيعته الحاسمة في قراراته بما يتماشى مع ما هو مطلوب من حسم تجاه تفلت الأسعار والمضاربة في الدولار وتهريب للسلع الاستراتيجية، معتبراً أن ذلك يحتاج لشخص حاسم كما حميدتي. ولفت الدموكي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن حميدتي لم يختر نفسه رئيساً للجنة بل مكونات “الحرية والتغيير” هي التي أجمعت عليه استناداً إلى قدراته وعلاقاته الخارجية التي يمكن أن يستغلها في الحصول على أكبر دعم للسودان للخروج من الأزمات الاقتصادية. واستغرب التخوف الذي يثيره بعضهم وحديثهم عن تضخّم صلاحيات حميدتي، لافتاً إلى أن الرجل كان يمتلك قبل هذه القرارات صلاحيات عديدة سواء من خلال وظيفته كنائب رئيس مجلس السيادة، أو كقائد قوات الدعم السريع التي تقوم بمهام في كل الجبهات، وأنه قبِل بالصلاحيات الجديدة من أجل استقرار البلاد.

أشرف شاذلي/فرانس برس)
الخرطوم ــ عبد الحميد عوض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق