منوعات

الغزو وأكياس الطحين!

في مثل هذا اليوم، قامت الولايات المتحدة، التي لا تتوقف عن الوعظ، كما لا تتوقف عن غزو الدول في جميع القارات وبأوهى الحجج، بغزو بنما واحتلالها للقبض على مهرب مخدرات!

هذا ما حدث ليلة 19 ديسمبر 1989. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة قد حزمت أمرها وقررت التخلص من عميل سابق كان صاحب تاريخ طويل في التعامل مع الاستخبارات المركزية الأمريكية في أمريكا اللاتينية على أكثر من صعيد.

الرجل الذي قررت الولايات المتحدة التخلص منه يدعى، مانويل أنطونيو نورييغا مورينو، وهو سياسي وقائد عسكري كان يتولى قيادة الحرس الوطني في بلاده منذ عام 1983، ويوصف بأنه كان الحاكم الفعلي للبلاد في ظل ستة رؤساء تعاقبوا على السلطة.

من يكون نورييغا؟

نورييغا ضابط بنمي كان يعمل مع الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ الخمسينيات وحتى وقت قصير من قرار الولايات المتحدة التخلص منه، لأسباب رسمية تتمثل في اتهامه بتهريب المخدرات، ولـ “استعادة الديمقراطية وحماية أرواح 35 ألف مواطن أمريكي يعيشون في بنما”.

يوصف هذا الجنرال بأنه كان من أهم مصادر المعلومات للاستخبارات المركزية الأمريكية، ويستمد أهميته  الكبيرة من أنه كان أحد المصادر الرئيسة للأسلحة والمعدات العسكرية والأموال غير المشروعة التي كانت تمول بها الـ سي أي إي” الثورات المضادة في أمريكا اللاتينية.

أما بشأن علاقة نورييغا بتهريب المخدرات، فواشنطن كانت على علم بذلك وتغض الطرف عنه، حين كان حليفا خالصا لها، لكن حين قرر أن يخرج من العباءة الأمريكية ويتمرد، سارعت الولايات المتحدة إلى وضع حد له وبطريقة صارخة، واستعراضية بغزو بلاده واحتلالها.

ساءت علاقات الولايات المتحدة بالجنرال أواخر عام 1980، حين بدأ نورييغا في التعامل مع أجهزة استخبارات دول أخرى، فيما اتهمته وسائل إعلام أمريكية بأنه يسعى إلى الحصول على مساعدات من ليبيا وكوبا وأنه حسن علاقات بلاده مع الاتحاد السوفيتي.

البيت الأبيض اتهمه بأنه تلقى ملايين الدولارات من ليبيا، وأنه لهذا السبب أصبح “مهرب مخدرات متهم” لكنه قادر على مقاومة الضغط الاقتصادي الأمريكي!

بدأت واشنطن حملتها على نورييغا بفتح تحقيق في عام 1988 حول تورطه في تهريب المخدرات، من قبل هيئات المحلفين الفيدرالية الكبرى في مدينتي ميامي وتامبا بولاية فلوريدا، ووجهت إليه تهما بالابتزاز وتهريب المخدرات وغسيل الأموال.

الولايات المتحدة غزت بنما بعد مفاوضات فاشلة للتسوية من خلال إجباره على الاستقالة والتنحي عن منصبه العسكري.

بدأ الغزو الأمريكي لبنما بالتوقيت المحلي حوالي الساعة الواحدة من صبيحة 20 ديسمبر1989، وتواصل  لخمسة أيام.

تحرك في البداية مخربون من الداخل، فيما هاجمت في الساعة الثانية الطائرات الحربية الأمريكية أهدافا في مختلف مدن البلاد، وتعرضت جميع مراكز المقاومة إلى الاستهداف في وقت واحد.

وعقب انطلاق العمليات العسكرية، جرى الاستيلاء على  مبنى التلفزيون البنمي الحكومي وتوقف البث، واستبدل ببث صورة لشعار وزارة الدفاع الأمريكية وبتحذيرات للنميين بعدم مهاجمة  المواطنين والممتلكات الأمريكية.

طاردت مفرزة أمريكة خاصة الجنرال نورييغا والرئيس البنمي فرانسيسكو رودريغيز وأعضاء حكومته، ونفذت القوات الأمريكية عمليات إنزال واسعة.

وأبلغ العقيد الأمريكي مايك سنيل المراسلين الصحفيين في 22 ديسمبر 1989 بأن جنوده عثروا على 50 رطلا من الكوكايين في منزل مانويل نورييغا في فورت أمادور، إلا أنه تبين في وقت لاحق في يناير 1990، بعد الفحص، أن الأكياس تحتوي على دقيق خاص بصنع الكعك.

نجح الغزو في الإطاحة بحكومة بنما، وحملت القوات الأمريكية إلى البلد رئيسا جديدا هو غييرمو إندارا غاليماني. أوصلوه إلى قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي البنمية وهناك أدى اليمين الدستورية رئيسا للبلاد!

أمضى مانويل نورييغا عدة أيام في سفارة الفاتيكان التي كانت محاطة بالجنود الأمريكيين. لإجبار نورييغا على مغادرة السفارة، قام الأمريكيون بتركيب مكبرات صوت حول محيط السفارة، أطلقت من خلالها موسيقى الروك الصاخبة على مدار الساعة. ونتيجة لذلك، أصبحت الحياة داخل السفارة لا تطاق.

وفي يوم 3 يناير 1990، استسلم الجنرال واعتقل واقتيد إلى ميامي. حكمت عليه محكمة أمريكية بالسجن 40 عاما بتهمة الترويج للإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، حكمت عليه محكمة قادة بنما الجدد بالسجن 20 عامًا بتهمة التورط في “اغتيالات السياسية”.

بهذه الطريقة أجبر الأمريكيون نورييغا على الاستسلام في 3 يناير عام 1990. واقتيد العميل الأمريكي السابق إلى ميامي، حيث قضت محكمة عليه بالسجن 40 عاما، فيما حكمت عليه محكمة لقادة بنما الجدد بالسجن 20 عامًا بتهمة التورط في “اغتيالات السياسية”.

قبع نورييغا خلف القضبان الأمريكية 17 عاما، حيث جرى تخفيف عقوبته “لحسن سلوكه”، وقامت الولايات المتحدة بتسليمه إلى فرنسا في عام 2010، بعد أن أدين هناك غيابيا بتهمة غسيل الأموال، وحكم عليه بالسجن.

سلمته فرنسا إلى بنما في عام 2011، حيث سجن هناك أيضا، إلا أنه أصيب بورم في المخ في مارس 2017، وأجريت له عملية جراحية عانى من مضاعفاتها، وتوفى بعد شهرين.

بعد الغزو الأمريكي، أعلن الرئيس الذي نصبته الولايات المتحدة في 10 فبراير 1990، حل القوات المسلحة في بنما، لعدم جدواها!

وكان السبب الرسمي قد صيغ في شكل تساؤل يقول: “لماذا نطعم جيشنا إذا تولى الأمريكيون حمايتنا؟”.

وفي خاتمة المطاف، انتهى الخوف من تأميم قناة بنما وبقيت تحت سيطرة الولايات المتحدة بالمجان و”من دون حدود زمنية”.

المصدر: RT

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق