ثقافه وفكر حر

جريمة في مسرح العرائس / بقلم محمد جلال

جريمة في مسرح العرائس
لم يجمعهم الثلاثة سوى شيء واحد ، الضياع ،كلهم ضائعون ، كلهم فاقدون لهويتهم ، جثث هامدة ما زال فيها بقية من نبض ، لم يشعر أي منهم بقيمة له في الحياة الا بعد ان اقترب منه ، نعم ، الروائي المشهور ، ذلك الذي اعطى لحياتهم معنى ، وليته لم يفعل.
الأول، محامي فاشل، قهرته ظروف الحياة ، لطالما حلم بان يتخرج ويصبح وكيلا للنائب العام ،كثيرا ما ارتدى بذته السوداء وتأمل نفسه بشاربه الكث في المرآة ، انه يشبههم تماما ، ولكن هيهات ، نسي انه يعيش في بلاد الظلم والظلمات ، تخرج ولم يجد امامه سوى اختيار من اثنين ، اما سائق ميكروباص او عرضحالجي برتبة محامي .
الثاني : سيدة عزباء ، لاتربطها بالجمال علاقة من قريب او بعيد ، لم تعش علاقة حب طوال حياتها ، كانت مشاعر الحب لديها دائما من طرف واحد ، طرفها هي بالتأكيد ، تعاني من وحدة قاتلة ، لاتزور احدا ولا يزورها احد ، لاشئ مهم في حياتها ، تدور في فلك من الفراغ اللانهائي.
الثالث : طالب في كلية الاداب ،قسم علم النفس ،كليل النظر ، ضئيل الحجم ، يشعرك منظره بانه مازال طالبا في الإعدادية ، يعلم تماما بان مستقبله حالك الظلام ، اقصى ما يمكن ان يحلم به هو العمل كأخصائي نفسي في احدي المدارس النائية.
حاصرهم الضياع جميعا ، نكل بأرواحهم ، الى ان التقوا صدفة ، التقى ثلاثتهم في احد صالونات الروائي المشهور، كان ذلك هو لقائهم الأول ، هناك تعارفوا ، بهرتهم الأضواء وكاميرات القنوات الفضائية ، عالم جديد تماما بالنسبة لهم ، لأول مرة يرون كاتبا مشهورا وجها لوجه ، لم يصدقوا انفسهم حين مد الروائي يده ليصافحهم ، معقول ، اما زالوا أناسا موجودين على قيد الحياة ، اما زالوا مرئيين للبشر ، لقد نسوا هذا الشعور منذ زمن طويل ، شعورهم بالضياع جعلهم يظنون انهم غير مرئيين ، وجودهم او عدمه لا يهم احد ، صاروا كما لو كانوا اشباح لأناس دهستهم عجلات الحياة.
ومنذ ذلك اليوم ، اصبح هوشغلهم الشاغل ، قبلتهم في الحياة ، لا هم لهم الا حضور ندواته ، وقراءة رواياته ، أصبح التعليق على منشوراته والترويج لمحاضراته عبادة يومية لا ينقصها الا الوضوء قبلها.
لا ينسى المحامي ذلك اليوم عندما تهكم عليه وكيل النيابة ونصحه بأن يشتري توتوك ليعمل عليه، يومها اخرج صورة من جيبه جمعته مع الروائي المشهور واشهرها في وجه وكيل النيابة صارخا :
-انت مش عارف انا مين؟ انا صديق الروائي المعروف شريف حمدان.
ولكن ،للأسف دوام الحال من المحال، بعد تعدد اللقاءات والصالونات ، شعر الثلاثة بان اهميتهم التي تخيلوها هي مجرد وهم في اذهانهم ، هم لا شيء ، مامعني تحلقهم حول الروائي أينما ذهب ، ما هي قيمتهم في الحياة ، ما هو الشيء الذي يميزهم عن غيرهم ، هم مجرد عرائس في يده يحركها كيفما شاء ، انه يستغلهم بلا هوادة ، ما زالت السيدة العزباء تذكر كيف المح لها في يوم من الأيام ان تحضر صديقتها الحسناء له في منزله ، حتي الشاب كليل النظر لم يسلم من استغلاله ، لطالما امره ان يراجع رواياته لغويا ويكمل بعض فقراتها أحيانا، حتي ان الشاب المسكين قارب على فقدان بصره.
فاض بهم الكيل ، سئموا قذاراته ، قرروا ان يثأروا لكرامتهم المسلوبة، حتى و لو خسروا وهج السهرات والبرامج التلفزيونية ، ولكن كيف ؟
في صباح اليوم التالي ، تصدر الخبر ادناه عناوين الصحف اليومية الهامة :
“مصرع روائي مشهور في شقته بالزمالك ”
تمت !
بقلمي ….محمد جلال

مقالات ذات صلة

إغلاق