يتعززُ لديَّ معَ كلِّ خبرٍ وعَيَان، أن مشفى جنين الحكومي مفخرةٌ للمحافظة، وتَعجَزُ أنْ تُغَلِّبَ قسماً على آخر. و قسمُ الأطفالِ آخرَ ما زرتُهُ معَ حفيدي يحيى_وهذا الاسم كَنَّيْتُ به أباه وهو بعُمِرِهِ_، يتناوبُ على العملِ فيه ثلاثُ ممرضاتٍ صباحاً، واثنتانِ مساءً، وطبيبٌ دائم. ولاحظت عدداً كبيراً من طلبةِ الجامعة العربيةِ الأمريكيةِ المتدربينَ.
في القسمِ سبعةٌ وعشرونَ سريراً، وغالباً ما تكون مَلْأى في موسمِ الخيْرِ والمطر، تزدحمُ بأطفالٍ بأعمارِ الوردِ والياسمين، سلَبتْهُم أمراضُ الشتاءِ الألَقَ والبريقَ، وغَدَوْا كرياحينَ ونَعانِعَ عَطْشى. فذبلتِ العيونُ، وانطفأتْ نضارةُ الوجوه. ورغماً عنك تكسو وجهَكَ غلالةٌ من حُزن، وليس بوسعك ألا تكونَ أسيفاً وَجِعاً، ومُهجُ القلوبِ تفيضُ مآقيها من الدمعِ، تستعطفُك بعيونٍ كليلة، وهي لا تعلمُ أنَّ تلك الأياديَ البيضاءَ الطليقةَ لَهيَ أرحمُ بها، فمِنْ غيرِ إبطاءٍ ولا تأففٍ، لا تدَعُ لمزيدٍ من الخدمةِ مجالاً، ليلاً أونهاراً، وما أنْ يصلُ الطفلُ إلى القسمِ حتى يأخذنَهُ إلى غرفةِ التمريضِ وحيداً، فيقمْنَ بعمَلِ اللازمِ له، لاستقبالِ الأدويةِ والعلاجِ بمهنيةٍ دِقةٍ وحرص، بعيداً عن عواطفِ الأهلِ المُفْرِطة التي قد تنفلِتُ أحياناً، بما يضرُّ ولا يسر.
فجزى اللهُ شوقي عنا خيراً حينَ شبّهَهُنَّ بالحمائم، ومن جهتي أشكرُ هؤلاءِ الجُنْدَ المجهولينَ حقا، وأوكدُ ما قلتُهُ سابقاً في مشفى جنين:
مشْفى سليمانَ أكرم في طواقِمهِ***تلك السوامقُ أشعلنَ القناديلا
في كلِّ نحيةٍ تحدوك بارقةٌ***بينَ الحمائمِ يغدو البرءُ مأمولا
مشفى جنينَ له حاك الندى شرفاً***من السنابلِ كان التاجُ مشغولا