الرئيسيةنشاطات

مداخلة يركنبيك شوقاي : دور العامل الديني في نشر اللغة العربية على أرض كازاخستان بمؤتمر الشارقة الدولي الاول لدراسات اللغة العربية في اوروبا اكتوبر 2023

الأستاذ يركنبيك شوقاي مدير مركز الدراسات العربية بجامعة الفارابي الكازاخية الوطنية

الأستاذ يركنبيك شوقاي

مدير مركز الدراسات العربية بجامعة الفارابي الكازاخية الوطنية

كلمة موضوع المداخلة: دور العامل الديني في نشر اللغة العربية على أرض كازاخستان

أيها السادة والسيدات والحضور الكرام!

نبذة عن دور الإسلام في تعلم اللغة العربية في التاريخ

إن دعاة الإسلام الأوائل وصلوا على أراضي كازاخستان الحالية بعد أحداث معركة طلاس عام 751الميلادي والتي جرت بين مسلمي الخلافة الإسلامية العربيةالذين تقدموا على طول الطريق الجنوبي لطريق الحريربقيادة القائد المسلم زياد بن صالح وقوات إمبراطورية تانغ. ودخل الأتراك هذه المعركة إلى جانب العرب وألحقوا معًا هزيمة ساحقة بالإمبراطورية الصينية. واستقر المسلمون في ما وراء النهر حيث التقت طرق القوافل القادمة من الصين والهند والشرق الأوسط وسيبيريا وشمال أوروبا. كتب المؤرخ الأكاديمي بارتولد في كتابه “تركستان في عصر الغزو المغولي” أنه بعد معركة أتلاخ بدأ الأتراك تدريجياً في اعتناق الإسلام.

في البداية، بالقرن التاسع تغلغل الإسلام في المناطق المستقرة في الجنوب. نتيجة الفتوحات السامانية زاد إقبالأتراك الكارلوك على الإسلام وبعد ذلك بحلول نهاية القرن العاشر ترسخ الإسلام بين السكان المستقرين في منطقةجيتيسو ونهر سيرداريا مما أدى إلى التكون التدريجي لـثقافة إسلامية مشتركة بين السكان المحليين والمجتمعات الإسلامية في آسيا الوسطى ذات العرقيات الخاصة بها.وتم تعزيز مواقف الإسلام في عهد أسرة كاراخان (سنوات الحكم في فترة 940-1212 الميلادية) وكان أول حاكم مسلم من هذه السلالة هو ساتوك بن عبد الكريم بوغرا خان وهو كان في نفس الوقت مؤسسا للدولة وتوفي عام 955. وفي عام 960 أعلن ابنه بوغرا خان هارون موسى الإسلام دين الدولة وبذلك بدأ الإسلام ينتشر في المناطق المستقرة والبدوية من البلاد.

وبطبيعة الحال أثر الإسلام في تطور ثقافي في المجتمع وساهم نشر قيم الدين الإسلامي بين الناس في إقامة روابط ثقافية وروحية وعلمية بين المنطقة ودول الشرق الأدنى والأوسط. وأصبح التواصل الدائم بين ممثلي مختلف الشعوب أساسا لازدهار المعرفة والفنون في عصر النهضة الإسلامية في القرنين التاسع والثاني عشر. لقد قدم العلماء المسلمون مساهمة كبيرة في تطوير علم الجبر وعلم المثلثات والفيزياء والبصريات وعلم الفلك وغيرها من التخصصات العلمية وحققوا أعلى الإنجازات في علم الفلكوكان الشرق الإسلامي في العصور الوسطى متقدمًا بشكل كبير على أوروبا من حيث مستوى تطور الطب. تم تلخيص إنجازات الطب العربي في “قانون الطب” للكاتب الشهير أبو علي بن سينا ​​(ابن سينا). أعطت الفلسفة الشرقية في العصور الوسطى زخمًا قويًا لتطوير العلوم والثقافة الإسلامية الكلاسيكية في آسيا الوسطى. وكان أشهر ممثلي العلم والفلسفة المفكرين الكبار الفارابي، وجوسوب بالاساجوني، ومحمود كاشغري، ومحمد حيدر دولاتي. وكل هذه الإنجازات العلمية كانت باللغة العربية. لأجل ذلك أقبل المجتمع على تعلم العربية في المنطقة. وبداية من القرن العاشر الميلادي حتى عام 1929 يعني حوالي عشرة قرون تم استخدام الأحرف العربية للكتابة والقراءة على أراضي كازاخستان.

بدأت الدعوة المقصودة للإسلام بين البدو في عهد بيركي خان (1257-1267) سلطان ألتين أوردا وخاصة هذه السياسة قويت في عهد أوزبك خان (1312-1341)وزاد تعزيز مكانة الإسلام في القرن الرابع عشر بوصول الأمير تيمور (1370-1405) إلى السلطة. في هذا الوقت بدأت تتشكل مراكز تعليمية قوية للفقه الحنفي على أراضي كازاخستان الحديثة. وساهم خوجة أحمد ياساوي، وهو شاعر وأحد علماء التصوف الأوائل في العالم الناطق بالتركية مساهمة كبيرة في نشر الإسلام بين السكان الأتراك الرحل في جنوب كازاخستان. وفي تلك المدارس تم تعليم اللغة العربية كوسيلة لازمة لتعلم مواد شرعية وغيرها من العلوم.

وضع تعلم اللغة العربية في المساجد

على مدى السنوات الماضية القريبة عملت السلطات الكازاخستانية على توسيع فرص التعليم الديني في المؤسسات الدينية ومنها المساجد. إنها تتبع رسميا للإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان وهي ما يسمى بمفتيات بين الناس. على ما أرى أن المساجد تخدم تعليم اللغة العربية بنواحي عدة. منها:

عادة إننا نرى في كل مسجد على جدرانه وقبته كتابة آيات قرآنية وأحاديث نبوية عربية وذلك بهدف الزخرفة أو التعليم. وهذا بحد ذاته دعاية دائمة وثابتة للغة القرآن الكريم؛
وفي كل المساجد بكازاخستان تعمل دورات التعليم الديني لتثقيف وتوعية الناس العوام بتعاليم الإسلام ويقوم فيها بالتدريس أساتذة مثبتون من طرف الإدارة. لغاية الوقت الحاضرمذ سنة الاستقلال حوالي 50 ألف شخص تلقى دروس التوعية الدينية في هذه الدورات. وقبل كل شيء يبدأ الراغب المتعلم بتعلم الأحرف العربية كي يتعلم القرآن الكريم وتجويده ومواد شرعية أخرى؛
ضمن دورات التعليم الديني في كثير من المساجد تدرس مادة اللغة العربية كلغة التواصل والتعامل بين الناس ليست فقط لقراءة كتاب الله تعالى والمتب الشرعية؛
وكذلك الأئمة والواعظون في المساجد إن كان بإمكانهم عادة يوردون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بنسختها الأصلية باللغة العربية أثناء الموعظة والتدريس وهذه الظاهرة أيضا تخدم ترغيب الناس في تعلم اللغة.
بعض الكتب والمؤلفات المعتمدة لتعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية الدينية الكازاخية

في كازاخستان تعمل تسع معاهد تابعة لمفتيات وست جامعات على إعداد الكوادر والمتخصصين في المجال الإسلامي الديني وهي: الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية “نور مبارك” التابعة لوزارة الأوقاف المصرية ومفتياتالكازاخية، جامعة الفارابي الوطنية الكازاخستانية، الجامعة الوطنية الأوراسية، جامعة ولاية كاراغندا، الجامعة الكازاخستانية التركية الدولية في مدينة تركستان والجامعة الكازاخستانية للعلاقات الدولية واللغات العالمية بألماتي.

ويعمل المعهد الإسلامي لتدريب الأئمة منذ عام 2002. حتى الوقت الحالي قام المعهد بتأهيل أكثر ألف إمام على مستوى الجمهورية.

وتعمل المعاهد الشرعية التي تتبع لمفتيات وجامعة “نور مبارك” على تحضير الأئمة والخطباء ومعلمي اللغة العربية وأدبها والمترجمين. وقد تخرج من جامعة نورمبارك حتى الآن أكثر من ألفي طالب.

لدى الإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان برامج تعليميةمشتركة مع مصر وتركيا. وبموجب اتفاقية بين مفتياتوجامعة الأزهر يقدم الجانب المصري منحا مجانيةللطلاب كل سنة للدراسة الدينية الشرعية في مصر. والجانب التركي كذلك يؤمن منحا مجانية دراسية وبناء على ذلك درس كثير من الدعاة الكازاخيين في الخارج وساهموا مساهمة كبيرة في نشر اللغة العربية في كازاخستان.

من الكتب التي أكثر استخداما في تعلم الأحرف واللغةالعربية بالمساجد والمعاهد الشرعية ما يلي:

كتاب معلم ثاني للمؤلف عبد الهادي مقصودي. إنهكتاب يستخدمه المعلمون والأساتذة في الغالب بالمساجد وهو يعلم الأحرف العربية حرفا حرفا بأبسط الطرق ويورد فيه لكل حرف وقاعدة أمثلة من الكلمات التدريبية وكذلك بعض القواعد التجويدية الرئيسية و في آخر الكتاب مكتوبة سورة الفاتحة ومن آخر القرآن الكريم سور من الناس إلى الشمس.
كتاب “مبدأ القراءات” بثلاثة أجزاء للمؤلف التاتاري صنعة الله بيكبولات. إن الكتاب الأول يحتوي على مفردات بسيطة وتراكيب بسيطة للجمل. وهو مقررفي مادة اللغة العربية التطبيقية لطلاب السنة الأولى بالمعاهد الشرعية للمفتيات. أما في الكتاب الثاني فتورد قصص وحكايات هادفة وتعليمية وهو يدرس لطلاب السنة الثانية. والجزء الثالث من الكتاب يحوي على حكايات الأدب العربي وأشعار الشعراء العرب وهكذا يعلم هذا الكتاب اللغة العربية بمراحل ثلاث لطلاب المعاهد الشرعية في كازاخستان. وكل الكلمات في أجزاء الكتاب الثلاثة مشكلة الحركات ولكن الطالب بعد إنهاء استيعاب هذا الكتاب كاملا فيقدر على قراءة الجمل العربية بلا تشكيل وحركة.
أما في مادة اللغة العربية النظرية فمقرر كتاب معلم الصرف لعبد الرحمن إسماعيل الحاجترغاني لطلاب السنة الأولى. وهو كتاب يعطي للطالب مبادئ علم الصرف وأهلية تصريف الكلمات التي أكثر استعمالا في العالم العربي المعاصر.
أما لطلاب السنة الثانية فمقرر كتاب مبدأ النحوللمؤلف التاتاري صنعة الله بيكبولات. يتميز هذا الكتاب ببساطة أساليبه وطرقه في شرح المسائل النحوية ومذ قرن من الزمان يستخدم لتعليم اللغة العربية في آسيا الوسطى.
ولطلاب السنة الثالثة والأخيرة في المعاهد الشرعية يدرس كتاب التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرميةلمحمد محي الدين عبد الحميد بالنسخة الأصلية العربية لأن مستوى طلاب السنة الثالثة يتيح لهم إمكانية قراءة النصوص العربية بدون تشكيل وترجمة.
أما في جامعة نورمبارك المصرية للثقافة الإسلاميةفي مدينة ألماتي فتدرس اللغة العربية بمراحل ست أكاديمية وتستخدم فيها سلسلة كتاب التكلم لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها” لطلاب السنة الأولى والثانية.
والكتاب الثاني الذي يدرس في جامعة نور مبارك هو كتاب التمهيد للمدرس الجامعي الكازاخي أولجاس شيخ أحمد. وهذا الكتاب بدأ يستعمل أول مرة بهذا العام وهو يعطي لطالب السنة الأولى والمبتدئ إمكانية تعلم القواعد النظرية مع التطبيق مباشرةفي وقت واحد.  
أما لطلاب السنة الثالثة والرابعة يدرس اللغة العربية أساتذة ودكاترة مصريون ببرامج اللغة العربية الأكاديمية المعروفة في الدول العربية وخاصة في مصر. وكذلك في هذه الجامعة لدى الطلاب توجد إمكانية التحدث والتكلم مع المدرسين العرب من مصر والذين جاؤوا للتدريس والتعليم بناء على الاتفاقية بين كازاخستان وجمهورية مصر العربية بما أن الجامعة مشتركة للبلدين.
إسهام تعليم القرآن الكريم والإقبال على تعلمه في نشر اللغة العربية

إن القرآن الكريم أصبح منذ ظهور الإسلام مرجعا ودافعا أساسيا لتعليم اللغة العربية وتحفيزا لتعلمها بما أنه كلام الله العربي التنزيل كما قال الله تعالى في كتابه الكريم “قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون” (الزمر 28). والقرآن الكريم فريد من نوعه من حيث السياق والفصاحة والتراكيب وتحدى العالم كله إلى قيام الساعة بما في ذلك العالم العربي بإتيان مثله ولم يلق جوابا بعد ولن يلقى إلى قيام الساعة. وهذا الكلام العربي المعجز ساهم إسهاما كبيرا في نشر اللغة العربية في أرض آسيا الوسطى والعالم أجمع ومن حيثيات ذلك يمكننا إيراد ما يلي:

أن تعلم القرآن الكريم وقراءته بنسخته الأصلية العربية أمنية لكل مواطن كازاخي مسلم. انطلاقا من ذلك كل من أراد تعلم القرآن يراجع مسجدا من مساجد البلد ويتردد إلى دروس القرآن الكريم فيه وتعلم كلام الله بدوره يولد الرغبة في اللغة العربية ويدفعه إلى تعلمها. مثلا إنني شخصيا بدأت من تعلم القرآن الكريم وحفظه وها أنا أتحدث وأقرأ أمامكم بلغة القرآن الكريم؛
إننا نعلم أن القرآن يعتبر مرجعا من مراجع اللغة العربية من حيث القواعد والتراكيب ومن حيث النطق كذلك. إن من تعلم أحكام التجويد الصحيحة نظريا وتطبيقيا يمتلك النطق الصحيح بالكلام العربي وبالتالي هذا يساعده على تعلم اللغة العربية بصورة أحسن وأسهل. ونحن نرى هذا في شأن طلاب تخصص اللغة العربية والمستعربين في بلدنا. هناك فرق ملحوظ في إنجاز طالب يهتم بقراءة القرآن وغير مهتم به في تعلم اللغة والكلام بها. لأن قراءة القرآن وتعلم أحكام التجويد يدربان الطالب على النطق الفصيح بالعربية وبالتالي يسهلانه له؛
إن بعض الجامعات غير نورمبارك في كازاخستان مثل الفارابي في ألماتي وغوميلوف في أستانا وغيرهما تعمل على تحضير الكوادر في مجال تخصص الأديان بما في ذلك الإسلام. والدين الإسلامي هو السائد في البلد وحوالي 75 بالمئة من السكان يعتبر نفسه مسلما في البلد ولأجل ذلك أن زيادة اهتمام متخصصي الأديان بالإسلام من الطبيعي الحال. وبالتالي من يتخصص في هذا المجال يرغب في دراسة القرآن الكريم كعلم ومادة متعلقة بالتخصص. وهذا كذلك يعتبر من دوافع تعلم العربية في المجال العلمي المعتاد في كازاخستان.

ختام المداخلة والتوصيات

إذا أن دور العامل الديني الإسلامي في نشر وتعليم اللغة العربية في آسيا الوسطى عامة وكازاخستان خاصة دور رئيسي هام وتاريخي. وينبغي لنا أخذ هذا الدور بعين الاعتبار والاعتراف به وتفعيله بشكل صحيح وفعال في إطار الأوضاع المعاصرة المعولمة.

وبناء عليه في الختام إنني أريد أن ألفت نظر الحاضرين المشاركين في مؤتمر اليوم إلى ما يلي من المقترحات:

أنه من المهم التواصل والتعاون الدائم بين مؤسسات أوروبا وآسيا التي تعمل على الدراسات العربية والإسلامية في ما يخص تعليم وتعلم اللغة العربية لأن شعوب القطبين من العجم والمشاكل التعليمية والتخصصية متشابهة ومن جانبنا نحن جاهزون في قسم اللغة العربية التابع لكلية الدراسات الشرقية في جامعة الفارابي الكازاخية الوطنية للتعاون المستمر مع كل الجهات المعنية؛
وإننا نرى كذلك أنه من اللازم في إطار التعاون بين المؤسسات الأوروبية والآسوية التبادل بالتجارب والكتب التعليمية والتدريبية في مجال الدراسات العربية؛
تنظيم المسابقات والندوات والمناظارات حول اللغة العربية وأدبها بشتى المهارات في إطار مجمع اللغة العربية بالشارقة بين طلاب تخصص اللغة العربيةفي بلاد أوروبا وآسيا للتشجيع والترغيب وكشف النخبة بينهم في هذا المجال ولكان هذا إسهاما كبيرا في التعاون والتواصل المستقبلي بينهم.

ختاما أشكركم كثيرا على حسن الاستماع والإنصات!

ونشكر حكومة الشارقة وحاكمها سمو الشيخ سلطان القاسمي ومجمع اللغة العربية بالشارقة وعلى رأسه الأمين العام الدكتور محمد المستغانمي على حسن الضيافة والاستقبال وتنظيم فعالية اليوم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق