مقالات

رؤية سلسلة جديدة موجّهة لجيل الشباب * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة: * جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك”1-2-3-4”

بقلم : د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* مقالة تمهيدية وافتتاح أولى مقالات هذه السلسلة (1)
– في عالم سريع التحوّل، تتغيّر فيه القيم، وتتزاحم فيه الأحداث، لم يعد السؤال: متى يأتي التغيير؟ بل أصبح: من سيصنعه؟ وبينما يعيش كثيرون في دائرة الانتظار والتفرّج، تُصنع التحوّلات الكبرى بأيدٍ بادرت، وخطت، وتأثرت فأثّرت.
– أوجّه هذه السلسلة إلى شبابٍ يؤمن أن له دورًا، لكنه قد لا يعرف من أين يبدأ، شبابٍ يشعر بالغربة في مجتمعه أحيانًا، لكنه لا يزال يحمل في داخله شعلة أمل، شبابٍ ملّ من التهميش، لكنه لم يتخلَّ بعد عن حلم التأثير.
– نعم، لا أعدك في هذه السلسلة بوصفات سحرية، لكنني أحاول مد لك يدًا لتنهض، أحدثك بلغة تحترم وعيك، وأسير معك خطوة بخطوة في درب التغيير الذاتي والاجتماعي. فابد معي من أول مفترق:
* من المتفرّج إلى الفاعل: أول خطوة لصناعة التغيير
– اعتدنا أن نعلّق من بعيد: “الوضع سيئ”، “الجيل ضايع” “الناس تغيّرت”… لكن قليلين هم من سألوا أنفسهم: “وأنا، ماذا أفعل؟”
الفرق بين المتفرّج والفاعل ليس في الذكاء ولا الشهرة، بل في القرار، المتفرّج يرى الخطأ ويشكو منه، أما الفاعل فيتساءل: كيف أبدأ بإصلاحه؟ ليس لأن لديه كل الحلول، بل لأنه قرر أن لا يقف على الهامش.
– أَن تتحول إلى فاعل لا يعني أن تقود حملة عالمية، بل أن تترك بصمتك في المساحة المتاحة لك: في صفّك، في بيتك، في حيّك، على منصاتك، في كلمةٍ تكتبها، أو سلوكٍ تلتزم به، أن تعيش بفكرة أنّ “ما أستطيع فعله، لن أؤجّله”.
– كلّ تغيير عظيم بدأ بخطوة صغيرة، وصانعوا الأثر لم يولدوا مُمَيزين، بل تميّزوا عندما قرروا أن لا ينتظروا أحدًا، في زمن كثرت فيه الأعذار، فإنّ أقلّ درجات التأثير تبدأ برفض السلبية، وتبدأ بأبسط سؤال: ماذا بوسعي أن أفعل الآن؟
– كم من شاب ظنّ أن جهده لا يُذكر، ثم كانت كلمته، أو فكرته، أو موقفه، سببًا في إلهام غيره، أو إنقاذ فكرة كانت على وشك أن تُطفأ، وكل من أحدث أثرًا كان في بدايته فردًا عاديًا، لكنه كان صادق النية، واضح الاتجاه، ومبادرًا لا مترددًا.
– التغيير لا يحتاج إلى ضوء إعلام ولا تصفيق الجماهير، بل إلى ضمير يقِظ، ونفس مسؤولة، أن تسير في طريق الإصلاح ولو وحدك، خير من أن تنتظر قافلة لم تُصنع بعد، تذكّر أن النّور لا يأتي دفعةً واحدة، بل ينساب شُعاعًا بعد شعاع، حتى يُبدِّدَ الظلمة.
– ربما لن ترى النتيجة غدًا، لكنك حتمًا ستكون بدأت صناعة فرقٍ ما، وبدل أن تسأل بعد سنوات: “لماذا لم يتغيّر شيء؟”، ستكون جزءًا من الإجابة، فالعالم لا يتحوّل عبر الحياد، بل عبر مَن اختار أن لا يكون عاديًا في زمن الركود.
– إن هذه السلسلة ستضع بين يديك خطوات، وأفكارًا، وقِصصًا، وأمثلة حقيقية من الواقع، تدفعك لتوسيع إدراكك، وتحرير طاقتك، والنهوض بمشروعك، ليس بالضرورة مشروعًا ماديًا، بل مشروع وعيٍ ورسالةٍ وتغيير. فالخطوة تبدأ منك.
– وإذا كان التغيير حلمَ كل جيل، فإن صناعته مسؤولية كل فرد، فكن أنت ذاك الفرد الذي لا ينتظر أن يطرق التغيير بابه، بل ينهض، ويطرقه هو على أبواب الحياة،
ليس من الضروري أن تكون البداية صاخبة أو معقدة، فالعالم مليء بالمبادرات التي بدأت بخطوة بسيطة، من يظن أن لا قيمة لما يمكن أن يفعله، قد يكتشف لاحقًا أن تلك الخطوة هي ما كان ينقص المجتمع، ولا تنسَ أن الفاعلين اليوم هم من كان حلمهم بالأمس مجرد فكرة عابرة، لكنهم عزموا على اتخاذ أول خطوة، فاستطاعوا أن يشعلوا النار في قلوب الآخرين.
– كما أنه ليس من الحكمة أن تنتظر الظروف المثالية. فقد يظل الكثيرون في انتظار التوقيت الأنسب، لكن هذا التوقيت قد لا يأتي أبدًا، لذلك، يُعدّ التغيير خطوة جريئة تقتضي منك المغامرة والإقدام على عمل قد يكون صعبًا في البداية، لكنه يظل الحل الوحيد لتحقيق الأثر الحقيقي.. ولكم مني التحية والمودة والاحترام
* عنوان مقالة الغد مع المشيئة: ” الخروج من قوقعة “مش شغلي”: لماذا ننتظر أن يبدأ الآخرون؟
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1942)
* 28. شوال . 1446 هـ
* ألسبت. 26.04.2025 م

رؤية 2
سلسلة جديدة
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

* الخروج من قوقعة “مش شغلي: لماذا ننتظر أن يبدأ الآخرون؟ (2)
– في زحمة الحياة، وفي خضمّ ما يكتنفها من تحديات ومشكلات، اعتاد كثيرٌ من الناس أن يعتزلوا المسؤولية خلف جدار واهٍ صنعوه بأنفسهم، ورفعوا فوقه لافتة عريضة كتبوا عليها: “مش شغلي”.
– هكذا أصبح الفرد ينظر إلى الخطأ في الطرقات، إلى الظلم في المؤسسات، إلى التردي في التعليم، إلى الانحراف في الإعلام، ثم يُعرض بقلب بارد، كأن الأمر لا يعنيه، كأنما يعيش في جزرٍ معزولةٍ عن محيطه الكبير،
ولكن، هل تُبنى الأمم بالعزوف وتتقدم المجتمعات في اللامبالاة، وهل تُقام الحضارات بالتنصُّل من الواجب؟
– لقد غرس الله في قلب كل إنسان بذرة الإصلاح، وجعل التغيير مسؤوليةً مشتركة لا تقتصر على المصلحين الكبار أو الزعماء العِظام، بل تبدأ من ضمير كل فرد، من حسّه الإنساني، من إحساسه العميق بأن الخير إذا عُمِّم نفعه الجميع، وأن الشر إذا استشرى ضرّ الجميع.
– لقد قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة بعبارة جليلة لا التباس فيها: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، (الرعد: 11)، فالتغيير الحقيقي لا يبدأ من فوق ولا من الخارج، بل ينبثق من القلب، وينعكس في السلوك، ويترجم إلى مبادراتٍ صادقةٍ ومواقفَ مسؤولة،
حين نَسأل أنفسنا: لماذا ننتظر أن يبدأ الآخرون؟ نجد أن الخوف، والتقاعس، وانتظار المعجزة، كلّها أسباب تختبئ خلف تلك القوقعة الباردة.
– إنّ الذي ينتظر غيره يشبه رجلًا يرى حريقًا يشتعل في داره، ثم يقف متفرجًا، ينتظر الجيران ليطفئوه! أيُّ جنون هذا؟ وأي خيبة أن نرى الفساد يمتدّ كالنار في الهشيم، ثم نقول: “مش شغلي”؟
– لقد كان الأنبياء والصالحون قاماتٍ شامخةٍ لأنهم لم ينتظروا، بل بادروا، وأيقنوا أن الإصلاح مسؤولية فرد قبل أن يكون مسؤولية جماعة.
– موسى عليه السلام وقف أمام فرعون، لم ينتظر أن يتحرّك بنو إسرائيل.
ومحمد ﷺ حمل النور في أشد اللحظات ظلمة، لم ينتظر أن يتهيأ المجتمع أو يصفو الزمن، فلا عذر اليوم لأحدٍ أن يقول: لا أستطيع، ولا حُجّة لمن يلقي بثقل الواجب على كاهل غيره.
– أيها القارئ الكريم،
اعلم أن كل ابتسامة تُرسم على وجه مهمومٍ هي بداية تغيير.
وأن كل كلمة صدقٍ تُقال في وجه باطلٍ هي بذرة نهضة.
وأن كل إصلاح صغيرٍ تبادر به اليوم، قد يكون صرحًا شامخًا غدًا.
لا تستصغر جهدك، ولا تنتظر غيرك، ولا تحبس طاقاتك خلف الأسوار الوهمية.
انطلق، وابنِ لبنة الخير حيث كنت، فالنهضة الكبرى تبدأ دائمًا بحركةٍ فرديةٍ صغيرةٍ صادقة.
ولتكن كلمتك الدائمة: “أنا البداية… ولن أنتظر!”
– بادر قبل أن تُفاجَأ بأن الفرص قد غادرت.
تحرّك قبل أن تبرد حرارة الحلم في صدرك.
حاول، وإن تعثرت ألف مرة، فالعظمة لا تعرف اليائسين.
لا تنتظر إذن… لا تتردد…
فالأرض لا تَزرع نفسها، والنجوم لا تتساقط في راحتيك!
ابدأ ولو بخطوةٍ صغيرة؛ فالخطوات الصغيرة وحدها تصنع المسافات العظيم… ولكم مني التحية والمودة والسلام.
* عنوان مقالة الغد مع المشيئة: ” ثقافة الشكوى أم ثقافة المبادرة؟ جيل يُعيد التوازن”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1943)
* 29. شوال . 1446 هـ
* ألأحد. 27.04.2025 م

* نصيحة اقرأ هذه المقالة!
رؤية
سلسلة جديدة
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

* ثقافة الشكوى أم ثقافة المبادرة؟ جيل يُعيد التوازن(3)

– في زمنٍ تتكاثر فيه التحديات وتتداخل فيه الأزمات، انقسم الناس إلى فريقين: فريقٌ يجيد الشكوى والتبرير، وفريقٌ يمضي نحو الفعل والتغيير. وهنا يقف جيلُنا أمام مفترق حاسم: إما أن يكون أسرى ثقافة الشكوى، أو رواد ثقافة المبادرة.
– ثقافة الشكوى مريحة للنفس في ظاهرها؛ إذ تعفي صاحبها من المسؤولية وتُلقي باللوم على الظروف والآخرين، تجد الشاكي دائم التذمر، متقوقعًا حول همومه، يُعدد الأخطاء ويستنكر الواقع، دون أن يخطو خطوةً نحو الإصلاح.
ولكن السؤال الصريح، هل تغيرت أمةٌ بشكوى؟ وهل قامت حضارةٌ بأنين؟ كلا.
– لذلك جاء التحذير الإلهي واضحًا حين قال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)، ليُعلمنا أن التغيير لا يُهدى إلى الكسالى ولا يُمنح للمتقاعسين، بل يُنتزع انتزاعًا بعزائم القلوب وإرادة العمل.
– أما ثقافة المبادرة، فهي نبض الحياة وروح النهضة، هي أن ترى النقص فتسعى لسدّه، وأن تلمح الفجوات فتملأها بالعزيمة، فإنّ المبادرَ لا ينتظر اكتمال الصورة، بل يبدأ بما يستطيع، حيثما كان، وبما أوتي من قدرات،
وهذا هو نهج القادة والناجحين الذين آمنوا أن السكون لا يبني حضارات، بل الذي يبنيها هو اتخاذ القرار والعمل الحازم، وفق خططٍ مدروسة، وقد أرشدنا القرآن إلى هذه الروح حين قال سبحانه: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: 159)،
– إن الفرق بين ثقافة الشكوى وثقافة المبادرة يتجلى بوضوح في مشهد الحياة اليومية:
أن ترى شابًا يقف أمام مشكلات مجتمعه يرفع صوته بالاحتجاج، يشكو الفقر وقلة الفرص، ويكتفي بأن يُلقي باللوم على الجميع دون أن يحرّك ساكنًا؛
وفي المقابل ترى شابًا آخر، واجه نفس الظروف، لكنه اختار أن يبدأ بمبادرة صغيرة: دورة تدريبية لشباب الحي، أو حملة نظافة تطوعية، أو مشروع تجاري بسيط.
الأول ظلّ سجين دائرة الانتظار، بينما الثاني فتح باب التغيير.
– وهكذا يثبت الواقع أن الشكوى تُبقيك حيث أنت، أما المبادرة فتنقلك إلى حيث تريد أن تكون.”
– لنتعلم أن العزم بداية الطريق، والتوكل نورُ السير فيه،
واليوم، آن لجيلنا أن يُعيد التوازن المفقود بين الوعي بالواقع والرغبة في تغييره، لا نُريد جيلاً يكتفي بالتشخيص والبكاء على الأطلال، بل جيلاً ينقد ليستنهض، ويشتكي ليخطط، ويرى العثرات سلّمًا للإنجاز لا عذرًا للفشل.
– جيلُ التغيير الحقيقي هو ذاك الذي لا يُخدعه كثرة العقبات، ولا تُرهبه صعوبة المسير وكثرة العثَرات، جيل يرى أن كل مشكلة فرصة للابتكار، وكل أزمة بداية لانطلاقةٍ جديدة، إنه الجيل الذي يعمل لا ينتظر، يُنتج لا يستهلك، يغير لا يندب، فإن الله جل وعلا قد أمرنا بالعمل وأكد أن الجهد المبذول لن يضيع، إذ قال سبحانه:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105).
– فلا يُقبل منا مجرد الأحلام والأقوال، إنما العمل الصادق هو الذي يشهد عليه الله ورسوله والمؤمنون.
أيها الجيل الواعد:
– التغيير ليس مهمة الحكومات والمؤسسات فقط، ولا القادة وحدهم، بل يبدأ من نفسك، من بيتك، من مجتمعك الصغير. لا تحتقر جهدك مهما صغر، فكل نهرٍ عظيم بدأ بقطرات صغيرة.
– لا تسأل: “ماذا فعلوا لنا؟”، بل اسأل نفسك: “ماذا قدمت أنا؟”.
– ولنعلم جميعًا أن الشكوى بداية الضعفاء، والمبادرة عنوان الأقوياء.
– فكن من جيلٍ يكتب تاريخه بيده، ويصنع مستقبله بعقله، ويبعث نهضة أمته بروحه.
“حين تُغلق الأبواب أمام الشاكين، تُفتح النوافذ أمام المبادرين.”..
ولكم مني التحية والمودة والسلام.
• * عنوان مقالة الغد مع المشيئة: “لا تستهِن بصوتك: كيف تصنع أثرًا دون منصب أو مال؟”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1944)
* 30. شوال . 1446 هـ
* ألأثنين. 28.04.2025 م

رؤية 4

* أتحداك إذا بدأت بقراءة المقالة ألا تستمر بقراءتها حتى نهايتها، جرّب، حفظكم المولى
رؤية
سلسلة جديدة
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* لا تستهِن بصوتك: كيف تصنع أثرًا دون منصب أو مال؟(4)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– في عالم يسعى فيه الكثيرون لتحقيق النجاح من خلال المال والمناصب، ننسى أحيانًا أن التأثير الحقيقي يبدأ من داخلنا، لا تحتاج لتكون غنيًا أو صاحب منصب لتُحدث تغييرًا؛ بل تحتاج فقط إلى صوتٍ صادق يحمل رسالة تُلهم وتُغيّر، لن تكون الأثر الذي تتركه في هذا العالم مرتبطًا بمواردك، بل بما تفعله بصوتك وبمبادئك، فلا تنتظر الفرصة، اصنعها بنفسك!
-في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتعالى فيه الأصوات، يظن كثير من الشباب أن التأثير حكرٌ على أصحاب المناصب الرفيعة أو الثروات الطائلة، هذه فكرة خاطئة، بل ظالمة لأنفسنا، التأثير الحقيقي لا يحتاج إلى كرسي سلطة، ولا إلى خزائن أموال؛ بل يحتاج إلى صوتٍ صادق، وقلبٍ مؤمن، وعقلٍ واعٍ.
– لا تستهِن بصوتك، صوتك هو رسالتك، وهو طريقك لترك بصمة لا تُمحى، ولا تُنسى، قد تكون كلمة تقولها فتُحيي بها أملاً، أو نصيحة تقدمها فتغير بها مصير إنسان، أو موقفًا تتخذه بشجاعة في زمن التردد فتكون قدوة لغيرك، كم من إنسان عاديّ، لا مال عنده ولا جاه، غيّر مجرى حياة مجتمعٍ بأكمله بكلمة حق، أو بفكرة ملهمة، أو بسلوك بسيط ولكنه عميق التأثير!
– التاريخ لا يخلّد الأثرياء لمجرد أموالهم، ولا الكبار لمجرد مناصبهم، بل يخلّد أولئك الذين كانوا صادقين مع أنفسهم ومع مبادئهم، الذين رفعوا أصواتهم حين صمت الآخرون، ومضوا برسائلهم حين تردد الآخرون،
أيها الشاب الطموح، لا تنتظر أن تملك مالًا كثيرًا أو موقعًا مرموقًا لتحدث فرقًا، ابدأ بنفسك، في محيطك الصغير: في عائلتك، في مدرستك، بين أصدقائك، كن صوت الإيجابية حين يسود التشاؤم، وكن صوت المبادرة حين يعمّ التواكل، وكن صوت النور حين يخيّم الظلام.
– كل فكرة طيبة تنشرها، كل كلمة حق تنطق بها، كل موقف كريم تثبته، هو تأثيرٌ يتضاعف ويكبر مع الأيام، ولو لم تره بعينك في البداية، لا تستخف بقوة الكلمة، فالكلمات قد تهدم أممًا وقد تبني حضارات، الكلمة هي بذرة في قلوب الناس، واليوم الذي تسقيها فيه بصدقك هو اليوم الذي تبدأ فيه رحلتك الحقيقية نحو التأثير،
تذكّر دائمًا أن منصبك الحقيقي هو قيمتك، ورأس مالك الأغلى هو مبادئك، فلا تتنازل عنهما من أجل تصفيق عابر أو شهرة جوفاء، كن صادقًا في صوتك، نقيًا في نيتك، حرًا في رأيك، ولا تسمح للظروف أن تُسكِتك عن قول الخير، ولا للفقر أن يمنعك من نشر الأمل، ولا للضعف أن يسرق منك شجاعتك.
– العالم يحتاج إلى أصوات مثلك: أصوات تعرف أن التغيير يبدأ من الداخل قبل أن يظهر في الخارج، أصوات تؤمن أن كلمة طيبة تساوي جبالاً من الذهب، وأن ابتسامة صادقة تفتح قلوبًا مغلقة، وأن وقفة حق تُحرّك أجيالًا.
– لا تدع قلة الموارد تثنيك، ولا غياب الاعتراف يحبطك. فكم من بذرة نبتت في صمت ثم أثمرت خيرًا وفيرًا! أنت لا تحتاج إلى جمهور ضخم كي تكون مؤثرًا؛ تحتاج فقط إلى قناعة راسخة أن صوتك يحمل رسالة نبيلة، وأنك مسؤول عن نشرها بكل السبل الممكنة.
– ابدأ بالمحيط القريب منك، اربط علاقات صادقة مع الناس، أظهر اهتمامك بقضايا مجتمعك، درّب نفسك على الحديث المؤثر والكتابة الهادفة، شارك بمبادرات صغيرة، قُدْ حملات خيرية، انشر فكرة جميلة على وسائل التواصل، قِف إلى جانب الضعفاء، دعم المبادرات الخيّرة.
– قد تبدو هذه الأفعال صغيرة، لكنها حين تتراكم تصنع فارقًا لا تخطِؤُه عين.
تذكر: التغيير لا يصنعه الخطاب الفخم ولا المال الوفير بقدر ما يصنعه الصدق والإصرار.
إصنع لنفسك سيرةً عطرة، فالكلمة الصادقة التي تخرج من القلب تصل إلى القلب، وتترك أثرًا لا تزيله السنون.
– وفي النهاية، اجعل شعارك:
“صوتي رسالة، وموقفي شهادة، وأثري ميراثٌ للأجيال.”
فلا تنتظر أن يعطيك أحدهم الفرصة، ولا تنتظر أن تكون غنيًا أو مشهورًا، أنت تملك ما هو أعظم: تملك نفسك، وتملك صوتك.
فارفعه عالياً، وأرِ العالم من أنت، وماذا تستطيع أن تصنع.. ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.

* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة: ” ماذا يعني أن تكون شابًا في زمن الفرص السريعة؟”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1945)
* 01. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألثلاثاء. 29.04.2025 م

رؤية 5

مقالة سلسة عميقة تابع لتستفيد فضلًا وليس أمرًا
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* ماذا يعني أن تكون شابًا في زمن الفرص السريعة؟ (5)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

– في هذا الزمن المتسارع، لم تعد الحياة تُقاس بالسنوات فقط، بل باللحظات، والقرارات، وردّات الفعل، أن تكون شابًا في زمن الفُرص السريعة لا يعني فقط أنك في مقتبل العمر، بل أنك في قلب حركة كونية هائلة، تفرض عليك أن تكون حاضر الذهن، سريع البديهة، ثاقب الرؤية.
– الفرص لا تنتظر المترددين، ولا تُهدى على أطباق من ذهب، إنها تُلتقط، وتُصنع، وتُخترع أحيانًا.، لذلك جاءت الوصية الربانية في سورة الشرح واضحة حاسمة:
﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ (الشرح: 7-8)
أي: إذا فرغت من عمل فابدأ آخر، وإذا أنهيت مرحلة فلا تركن، بل اسعَ نحو ما بعد، لا مكان للفراغ في قاموس الناجحين.
– أن تكون شابًا في هذا العصر يعني أن تكون ساعيًا، لا حالمًا فقط، فالسعي هو عنوان المرحلة، وقد قال تعالى في سورة النجم: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (النجم: 39) فلا مكان للصدفة في صناعة المستقبل، بل هي ثمرة جهد مستمر وتخطيط واعٍ.
– لكن، وسط هذا السيل من العروض والاحتمالات، كيف تميز الفرصة الحقيقية من الوهم؟ هنا يُطلب منك أن تجمع بين الطموح والبصيرة، بين الانطلاق والحذر، بين الشجاعة والتوكل، وقد علّمنا القرآن أن النجاح الحقيقي يبدأ من تزكية النفس وتطهيرها، كما في قوله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 9-10)، فما فائدة كل الفرص إن لم تكن النفس مستعدة لها؟
– تأمل في نفسك، وراجع ما بداخلك، فالبصيرة لا تُشترى، لكنها تُستخرج من أعماق الذات، قال تعالى في سورة الذاريات: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات: 21)، فقدرة الإنسان على فهم ذاته هي مفتاح تعامله مع العالم الخارجي.
– ثم إن هذا العصر يشهد صعودًا سريعًا للبعض، وسقوطًا مفاجئًا لآخرين، من يصعد بثبات هو من يُحسن بناء نفسه، لا من يركب الموج فقط، ومن يصبر ويجاهد، فإن الله وعده بالهداية والتوفيق، إذ قال سبحانه في سورة العنكبوت: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69).
– فطريق النجاح لا يُعبّد إلا بالجهاد: جهاد النفس، الوقت، العادات، والميل للراحة، ولنا قدوة في فتية الكهف، الذين آمنوا وربط الله على قلوبهم وثبّتهم، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: 13)، لم يكونوا أصحاب جاه، ولا مال، ولكنهم كانوا أصحاب مبدأ، فذكرهم الله في كتابه الخالد.
– أيها الشاب، لا تنتظر وظيفة تأتك، بل اصنع أنت مشروعك، لا تركن إلى الماضي، بل ابحث عمّا يمكن أن تُحدثه في الحاضر، لا تقل “الدور ليس لي” بل اصنع لك دورًا، وقد قال تعالى مخاطبًا كل عاملٍ ومبادر: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ (التوبة: 105). فان الله يرى جهدك، لا يُضيع عملك، يبارك خطواتك إذا أخلصت النية واستقمت في الطريق.
– أن تكون شابًا في زمن الفرص السريعة لا يعني أن تركض بلا وُِجهة، بل أن تسير بثبات نحو هدف واضح، يعني أن تملك روح المبادرة، وعقل الحكيم، وبصيرة المؤمن، وأخلاق الرسالة.
– فلا تنتظر دورك… اصنعه بنفسك، ولا تنتظر أن تُمنح الفرصة… كن أنت من يمنحها لهذا العالم… ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة فهو: ” صناعة التغيير تبدأ من الداخل: انتصر على فوضاك أولًا ”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1946)
* 02. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألأربعاء. 30.04.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق