الدكتور حنا عيسى / خبير القانون الدولي يفند قانونيا تصريح إردان الذي يدعو فيه لتغيير الوضع القائم في الأقصى من جهة أولى ويؤكد د. عيسى بطلان حديثإردان لإذاعة “راديو 90″ الإسرائيلية، والذي فيه يقول “أعتقد أن هناك ظلمًا لليهود في الستاتيكو (الوضع القائم) السائد منذ العام 67، ويجب العمل على تغييره حتى يتمكن اليهود في المستقبل أيضًا من الصلاة في جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف) الذي يعتبر أقدس مكان للشعب اليهودي فيما يعتبر ثالث أقدس موقع في الإسلام“.من جهة ثانية ويعتبر د. عيسى
مجمل ما صرح به إردان خارج حقائق التاريخ وتعديا صارخا على الوضع القانوني للمسجد الأقصى المبارك ،من خلال الحقائق التاريخية والتراثية والقانونية المبينة أدناه ، ثالثا :
تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلية سياسة مدروسةتستهدف مدينة القدس المحتلة ، وخاصة البلدة القديمة والمسجد الأقصى ، وذلك على كافة النواحي السياسية والأثرية والتخطيطية والقانونية لتكون مدينة ذات طابع يهودي ذو نموذج الهيكل مكان المسجد الأقصى ، وقدس الأقداس مكان قبة الصخرة ، وانتشار للمعابد اليهودية في أرجاء المدينة ، وما حول القدس القديمة أو ما يسمونه الحوض المقدس حاليا خاليا من المباني. علماُ أن القدس القديمة مسجلة رسمياً ضمن لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، التي دعت جميع قراراتها “إسرائيل” للتوقف الفوري عن هذه الحفريات لمخالفتها القوانين الدولية ، بما في ذلك الاتفاق الدولي الخاص بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972.
وتعتبر الحفريات المتواصلة أسفل البلدة القديمة من المدينة المحتلة وأساسات المسجد المبارك من أخطر ممارسات كيان الاحتلال التهويدية لما يرافقها من عمليات سرقة للتاريخ وتزوير للآثار تضع من خلالها سلطات الاحتلال يدها على العديد من المعالم والآثار لتنسبها للتاريخ اليهودي في المدينة لتثبيت أحقيتهم فيها. فسلطات الاحتلال واصلتحفرياتها الضخمة في موقع مدخل حي وادي حلوة، على بعد 100 متر جنوب المسجد الأقصى المبارك، على نحو ستة دونمات، وعمق نحو 20 متراً غير آبهةً برفض المجتمع الدولي لمثل هذه الإجراءات وتناقضها مع القانون الدولي،الأمر الذي يبين أن دولة الاحتلال لا تتعامل مع البلدة القديمة كتراث عالمي كما هو، بل تحاول العودة بالزمن لرد الطابع الذين يدعون أنه كان سائداً قبل ثلاثة الآف عام، فنجدهم لا يولون أية أهمية لأية آثار لا تمت لهم بصلة وتثبت زيف ادعاءاتهم عن طريق التدمير أو الإهمال.
قانونيا المسجد الأقصى تنطبق عليه أحكام اتفاق لاهاي لعام 1899، و1907، وأحكام اتفاق جنيف الرابع 1949،والبروتوكولات التابعة له، بصفته جزءاً من القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، ومعاهدة لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة لعام 1954، حيثنصت المادة 27 (4) من الملحق الرابع من اتفاق لاهاي 1907،على وجوب أن تتخذ القوات العسكرية في حال حصارها «كل الوسائل لعدم المساس بالمباني المعدة للمعابد وللفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية». كما حظرت المادة 22 من الاتفاق ذاته «ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب».
ونصت المادة 56 من اتفاق لاهاي 1954 على تحريم «حجز أو تخريب المنشآت المخصصة للعبادة… والمباني التاريخية». كما نصت المادة 53 من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 16 من البروتوكول الإضافي الثاني، لاتفاقية جنيف الرابعة 1949، على «حظر ارتكاب أي أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعب“.
وتفنيداً للادعاءات الإسرائيلية القائمة على أن المسجد الأقصى قائم فوق هيكلهم المزعوم، فالمسجد المبارك جاء تتويجاً لواقعة الإسراء والمعراج وسجل ضمن الوقائع المثبتة انه وحدة معمارية متكاملة يعود تاريخها للفترات الإسلامية المتقدمة، وبالتدقيق في موقعه المنحدر والحلول التي قدمت لتصميمه يلاحظ كيفية تعامل مصمميه مع الموقع المنحدر، حيث قرر بناء أساسات المبنى بالمقاطع الصخرية المنحدرة، وهو ما ينفي قيامه على أي مبنى سابق، ولحل مشكلة ربط البناء الرئيسي بالساحة، تم رفع المبنى وساحات المرافقة فوق تسوية وهي ما يعرف اليوم بالمصلى المرواني .
والمسجد الأقصى مر بتغيرات كثيرة جدا وجذرية وذلك بسبب الزلازل المتلاحقة التي ضربت القدس وأدت إلىتدميره جزئياً أو معظم أجزاءه أربع مرات، إن هذه الدلائل التي قدمها علماء الآثار على مر العصور تنفي الرواية الإسرائيلية التي يزعمون بها وجود هيكل سليمان أسفله.
ودوليا، مجلس الأمن أصدر قرارات عدة، تؤكد إدانة وإبطال جميع ما قامت به إسرائيل من أعمال التهويد في القدس،بما في ذلك إبطال جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والديموغرافية التي اتخذتها حكومة إسرائيل، وتؤكد عدم شرعية الاحتلال، فضلاً عن مطالبتها إسرائيل بالجلاء عن القدس، كونها جزءاً من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. فإضافة إلى قراري مجلس الأمن الشهيرين 242 (1967) و338 (1973) اللذين يضعان الأساس القانوني في تحديد أن إسرائيل قوة محتلة لقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس ويطالبانها بالانسحاب.
و أصدر مجلس الأمن عدداً من القرارات التي تؤكد وجوب احترام القدس من جانب قوات الاحتلال. منها على سبيل المثال، لا الحصر 252 (1968) و267 (1969) و271 (1969)و453 (1979) و465 (1980) و476 (1980) و478 (1980)و1073 (1996) وآخرها قرار 2334 (2016)، وكلها تؤكد أن مدينة القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967،وينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي الفلسطينية من عدم جواز القيام بأي إجراء يكون من شأنه تغيير الوضع الجغرافي أو الديموغرافي أو القانوني لمدينة القدس المحتلة.
وبموجب معاهدة السلام الأردنية – المعروفة بـ «معاهدة وادي عربة» – ظل المسجد الأقصى تحت رعاية الحكومة الأردنية بصفتها الوصية على شرق القدس وخدمة المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية فيها. وتبعاً لذلك، فإنه ليس من حق السلطات الإسرائيلية تغيير أو تبديل أو ترميم أي جزء من المسجد الأقصى، الذي قامت السلطات الإسرائيلية بتحويل جزء منه إلى كنيس، وما زالت تواصل الحفريات بهدف إسقاط بنائه بالكامل، الأمر الذي يعد «جريمة حرب»،بموجب قواعد القانون الدولي. فقد نصت المادة 6 فقرة ب،من ميثاق محكمة نورمبرغ على أن «الاعتداءات على الآثار والمباني التاريخية من دون سبب تعد جريمة حرب». كما أن معاهدة لاهاي 1954، تلزم أي دولة احتلال بالحفاظ على الممتلكات الثقافية والدينية، وتعد الاعتداء عليها «جريمة حرب» أيضاً.
من هنا واستنادا لما ذكر أعلاه ، فإنه يتوجب على الأمة العربية والإسلامية بالحراك القانوني الدولي سواء عبر المنظمات الدولية أو القضائية أو حتى السياسية بمطالبةمجلس الأمن استناداً إلى قراراته السابقة بمنع إسرائيل من مواصلة اعتداءاتها المتواصلة على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة، حيث أنها لديها القدرة أن تحرك الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ هي تملك الغالبية فيها، كماوبقدرتها أن ترفع قضية في محكمة العدل الدولية عبر الدول التي نقضت إسرائيل معاهداتها الدولية معها، كون الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات تمثل خرقاً لـ «معاهدة وادي عربة»، وكون الاعتداءات الإسرائيلية تمثل انتهاكات صارخة للقانون الدولي الأمر الذي من شأنه تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر.