الرئيسيةمقالات

بحر الابداع الفني العربي في غياب القامات

محمد جبر الريفي

توارى عصر الإبداع الفني العربي في ظل غياب كثير من المبدعين العرب في مجالات الأدب والفن وبغيابهم عن الساحة الأدبية والفنية جف بحر الإبداع العربي العميق الذي كان يغمر الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه حيث أصبح هذا البحر يوصف بمصطلح الزمن الجميل الذي كثيرا ما تحن لعودة مفرداته الغالبية العظمى من الجماهير العربية التي تعاني من طغيان الخطاب السياسي الجاف والممل وكذلك من شظف العيش وقسوة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية .. ..على مستوى الأدب الملتزم وخاصة الشعر رحل عن عالمنا الشاعر محمود درويش وسميح القاسم وأحمد دحبور وقبلهم رحل معين بسيسو وتوفيق زياد وفي سوريا رحل نزار قباني وفي مصر رحل أمل دنقل وفاروق شوشة الإذاعي المصري المعروف الذي كان يقدم برنامج لغتنا الجميلة الذي كان محل اهتمام الكثيرين من الكتاب والأدباء والمثقفين العرب من محبي اللغة العربية المدافعين عنها في مواجهة دعاة الاستشراق والاغتراب الحضاري وهجمة الدعوة إلى اعتماد اللهجات في الكتابة بدلا من الفصحى وآخر من رحل عبد الرحمن الابنودي احد رموز الشعر العامي في المرحلة الناصرية ومفتاح الفيتوري شاعر افريقيا وهكذا برحيل الشعراء الفلسطينين شعراء المقاومة الفلسطينية البارزين الذين عبرت بهم القضية الفلسطينية بحكم عدالتها إلى الفضاء العالمي التحرري و الإنساني وكذلك مشاهير الشعراء العرب المعاصرين في كل الساحات الأدبية العربية الذين غرسوا في نفوس الجماهير العربية خاصة فئة الشباب حب الوطن والانتماء القومي العربي خلت الساحة الأدبية من الاصوات الشعرية البارزة وما حدث للشعر حدث لفن الرواية والمسرح والتمثيل حيث مضى زمن ازدهار عصر الأدب العربي الذي اكتسب قيمة عالمية بفضل نتاج كبار الأدباء والكتاب العرب في العصر الحديث أمثال عميد الأدب العربي طه حسين ومحمود عباس العقاد ونجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل للسلام في الأدب وأميل حبيبي وجبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني اما فن الغناء العربي والأناشيد فلم يعد هذا النوع من الفن كسابق عهده يطرب النفس بما يشيع من بهجة روحيه وحماس متقد ونشوة عاطفية صادقة بعيدة عن شهوة الجنس وتاججها الحيواني حيث اكتظت الساحة الفنية العربية اليوم بأغان هابطة في مستواها الشكلي والمضموني مغرقة بمفردات العشق والغرام والهوى والهيام بالمحبوبة. .أغاني مثيرة للغريزة تحمل اشتاتا من المعاني الذاتية المفرطة لا تدل في نظمها إلا على مشاعر وعواطف متكلفة مبعثرة.عاجزة عن خلق طرب حقيقي يفرح القلب ويمتع الأذن بما يشيع فيهما من بهجة حقيقية تجلي الهموم وتروح عن النفس و توقظ المشاعر العاطفية النبيلة والإحساس الوطني والقومي والديني الصادق ، فأين نحن مثلا من الاأغاني والاناشيد التي شاعت في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي مثل نشيد الله أكبر الذي اذيع أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 56 من إذاعة صوت العرب بالقاهرة وكان هذا النشيد بكلماته ولحنه له وقع الصاروخ والمدفع على معنوية الاعداء الانكليز والفرنسيين والإسرائيليين وكذلك ايضا أغنيات قومية ودينية مثل المارد العربي ووطني حبيبي الوطن الأكبر وأخي جاوز الظالمون المدى وبساط الريح وراجعين بقوة السلاح وزهرة المدائن والكثير أيضا من الأغاني العاطفية الشعبية والوطنية التي قدمها كبار المطربين والملحنين العرب أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الاطرش وعبد الحليم ووديع الصافي وفيروز وصباح وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة وشادية ووردة الجزائرية وغيرهم من عمالقة الطرب الجميل التي كانت تردد اغنياتهم على السنة الشباب من الجنسين و تصدح في المقاهي الشعبية والاعراس العائليه والمناسبات الوطنيه؟ ..أين نحن من ذلك الزمن الجميل زمن روائع الدراما المصرية التي كان لها جمهورها الكبير في كل أرجاء الوطن العربي لما كانت تقدمه من أفلام شيقة مستمدة من الواقع الاجتماعي المصري العريق في انتمائه الوطني والقومي والديني العميق في مواجهة تيار الاغتراب الحضاري.. زمن الإبداع الفني الملتزم بالقيم والمبادئ والتقاليد العربية والإسلامية الاصيلة، زمن الحب الحقيقي في أرجاء المنطقة العربية بين الأفراد والأسر والعائلات والطوائف والأديان والأقليات والشعوب حيث قيم التسامح والتضامن والتكافل والعيش المشترك والقبول بالآخر بعيدا عن الكراهية و الصراع ؟ متى يعود الفن العربي ليأخذ مكانه في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة اليوم وهي أكثر وأخطر على المستقبل العربي مما واجهته في عهد الزمن الجميل الذي نتوق إليه حيث كان ذلك الزمن خاليا من الصراعات السياسية والطائفيه بين مكونات الشعب الواحد، خاليا من استفحال خطر التدخل الأجنبي الامبريالي في مخطط تقسيمي جديد لخارطة المنطقة العربية السياسية مستغلا بذلك هجمة الفكر الظلامي التكفيري المعادي لنهج الديموقراطية والتقدم والحداثة في محاولة لاعادة الشعوب العربية إلى عصور الجمود العقلي والانحطاط الفكري … زمن جميل لم يكن فيه المسجد الأقصى المبارك مستباحا بهذه القوة والوحشية والغطرسة من قبل اليهود الصهاينه العنصريين يؤجج حقدهم وكراهيتهم أحزابهم اليمينية المتطرفة والحاخامات ورجال الدين الغزاة القادمين من وراء البحار ممن يحملون في وعيهم وذاكرتهم الجمعية المشوهة فكر التوراة والتلمود الخرافي المزور ؟ زمن جميل خال من إجراءات التطبيع المذلة مع الكيان الصهيوني في هرولة غير مسبوقة للوصول إلى تل أبيب لكسب رضا ترامب المتصهين ونتنياهو …. متي يؤكد من جديد الإبداع الفني العربي الملتزم هويته الوطنية الشعبية و القومية والدينية في هذا الزمن الموحش الرديء ؟؟؛؛. ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق