مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #الفتاة_المخطوفة الجزئين الرابع والخامس

إنتظرت الفتاة نزولهم في القوارب ،ثم أخذت عودا وضعته وسط خشبة وبدأت تحركها بسرعة حتى إشتعل العود فألقت به وسط البراميل ،ثم إنتظرت عند المدخل. لما شاهد من بقي من القراصنة الدخان يخرج من عنبر السفينة أحضروا أسطل الماء ،ودخلوا وهم يلعنون ،فتسللت ثريا ،وطلعت السلم بسرعة ثم أغلقت عليهم الباب ،وصعدت إلى سطح السّفينة ،ونظرت حولها فرأت صندوق خشبيا فارغا ،فرمته في البحر ،ثم قفزت ،ودخلت وسطه وبدأت تجذف بيديها وحين إبتعدت بمسافة كافية رأت الدّخان يصعد من السّفينة ،فقالت هذا جزائكم أيّها الأوغاد ،ومن نزل على البرّ سيقع في الفخ ّ.
لمّا وصلت إلى الشاطئ رأت أربعة قوارب، وفيها الذخائر وطبنجة فأخذتهم ،ثم دفعت القوارب في البحر،وبدأ التيار يجرفها ،بعد ذلك تقدمت قليلا وسط الرمال ومن بعيد سمعت الصرخات وإطلاق النار،ورأت القراصنة قادمين ومعهم صندوق بالأشياء الثمينة التي نهبها القراصنة وعدد كبير من الفتيان والأطفال المربوطين وراء بعضهم بحبل طويل ،وغير بعيد عن السّاحل رأوا االنّار تشتعل في السّفينة فتصايحوا هيا نسرع قبل أن تحترق السّفينة كلها ،بحثوا عن القوارب لم يجدوها في مكانها ،وكادوا يجنّون لما رأوها تبتعد إلى عرض البحر فبدأوا يلوّحون بأيديهم إلى السّفينة، ويطلقون الرّصاص في الهواء لكن لم يشاهدوا أيّ حركة على ظهرها ،وصاح قائدهم إن لم نهرب سيتجمع أهل هذه القرية ،ويهاجموننا لذك سنبتعد من هنا، ونترك الأسرى ،قال واحد آخر دون هؤلاء سيلحقون بنا قال البقيّة هذا هو الرأي الصائب وبإمكاننا مبادلتهم بمركب صيد من أحد القرى .
شرعوا في المشي، وكلّما إلتفتوا خلفهم، رأوا النّاس يتبعونهم، وقد حملوا العصيّ والفؤوس ،قال أحد القراصنة :لقد هلكنا فلن يتركونا أحياء!!! أجابه القائد :لن يجرئوا على الإقتراب مادام أبنائهم معنا،بعد ساعات بدأ الليل ينزل فجمعوا الأسرى، وأجلسوهم بجانب صخرة ثم صعد بعض القراصنة فوقها ليراقب الجموع التي تصيح وتهددهم بالقتل إن لم يرجعوا أبنائهم وأموالهم رأت ثريا أن القراصنة منشغلون بالناس التي تتجمع قربهم فدخلت إلى حافة البحر ثمّ تسللت قرب الصّخرة التي بجانبها الأسرى ثم جلست وسطهم وهمست لهم أن يسكتوا ثم بدأت تحل وثاقهم وواحدا بعد الآخر كانوا يجرون في الظلام ،إلتفت أحد القراصنة ،وقال في نفسه :هل عددهم ينقص أم أنا مخطئ؟ ولما إقترب قليلا، صوّبت ثريّا الطبنجة، وأطلقت عليه النّار ،وكان قلبها جامدا ،لما رأته يسقط أمامها .
ولمّا سمع الناس هذه الطلقة ،إندفعوا ،خوفا على أبنائهم ،صاح القائد إفتحوا النار عليهم !!! لكن طلقة أخرى من ثريّا أسكتته ،ورمت به أرضا ،والواقع أنّها ليست أوّل مرّة تطلق فيها النار فقد كان ذلك اليهودي شمعون من محبي الأسلحة ،ودائما يذهب للغابة ليتمرّن وكان يصطحب مع إبنه، وثريّا لتخدمه وذات يوم طلبت منه أن يعلّمها ،ولم يمض وقت قليل حتى صارت ماهرة في الرّمي .أحسّ القراصنة بالفزع ،ولم يعرفوا مصدر النّار ،ولمّا نزلوا من الصّخرة رأوا آخر أسير يختفي في الظلام ،ولم يكن عندهم من حلّ إلا الجري لكنّهم ما كادوا يبتعدون حتى رأوا مئات المشاعل آتية في طريقهم، فلقد سمعت بقيّة القرى بما يحدث، وخرجت لمحاربة قطاّع الطّرق، وفي النّهاية جرت معركة قصيرة إنتهت بإبادتهم
وتجمع القرويون حول ثريا وأشادوا بشجاعتها ولما سألت عن هذا المكان قالوا لها إنّه غار الملح في تونس، وعرفت أن قريتها هي فقط على بعد ساعة من هنا …

يتبع الحلقة 5

حكاية #الفتاة_المخطوفة
الجزء الخامس

عزم الصّيادون على مرافقة ثريا إلى قريتها لرؤية أمّها ،وأرسلوا معها ثلاثة من االفتية الذين نصبوا شراع الزّورق فتهادى على البحر ،وقد بدأت خيوط الفجر الأولى بالظهور في السّماء ،كانت ثريا جالسة في ركن تتأمل مياه البحر المظلمة وتسمع صوت تكسر الأمواج على القارب ،وفجأة قطع أحد الفتية واسمه حسن حبل أفكارها ،وقال: لم أر بنت تطلق النار بمثل براعتك ،لقد سقط قائدهم دون أن ينطق بكلمة ،لقد كانت إصابة محكمة !!! كم أتمنى تعلّم إطلاق النار ،فذلك مسلّ جدّا ،والنّاس يخافون من هذه الأسلحة ،أمّا المشائخ يعتبرونها بدعة لا يجوز المحاربة بها ،حقّا هم حمقى، ولو كانوا على الشّاطئ ،وخطف القراصنة أبناءهم لما قالوا هذا الكلام الغبيّ !!! رمقته ثريا بطرف عينها ،ولاحظت أنّه قويّ البدن قد لوّحت الشمس بشرته وكسته بلون قمحي جميل ،أحسّت بفطرتها أنّه مهتمّ بها ،فلم تفتها نظراته على الشاطئ لكنها تجاهلت الموضوع بسرعة ،فبالها مشغول الآن بأمّها ،أمّا الحبّ فلم يبق له مجال في قلبها ،بعد كلّ ما عانته من أهوال وهي لا تزال طفلة ،والمشاهد المروّعة الي شاهدتها تلك الليلة لا تزال تأرّقها في نومها وتسبّبب لها الكوابيس .
وفجأة صاح الفتية : أنظري تلك هي أضواء قريتك، وقريبا سنصل !!! بدأ قلبها يدقّ بصوت مسموع ،كأنّه قرع طبل يأتي صوته من بعيد ،فقريبا ستعرف ما صار في القرية بعد كلّ هذه السّنوات التي غابتها عنها. ،وحين إقتربوا من الشاطئ كان الضّياء قد بدأ ينتشر وأطفأ القرويون مصابحهم ،نزلت ثريا ،ثم جثت على ركبتيها ،وأخذت حفنة من الرّمل، وشمّتها ،فأثارت في نفسها ذكريات كثيرة مليئة بالسّعادة حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم ،وقضى على أحلام تلك الطفلة البريئة التي غابت عن لياليها الطويلة الحب والدفئ. ثم ذهبت إلى دارهم والفتيان يتبعونها من بعيد ،وقد أشفقوا على حالها ،ولمّا وصلت إليها أصيبت بخيبة أمل، فقد كان البيت مهجورا وخربا ،وأكثر القرية كانت على هذه الحالة ، وحتّى البيوت التي بقيت سليمة هرب سكانها إلى مناطق بعيدة عن الشاطئ ،
أما الصّيادون فيأتون على ظهور الحمير ،ويرمون شباكهم قريبا من الشاطئ بينما يراقب بعضهم عرض البحر ،فالقراصنة يمكن أن يظهروا في أيّ وقت ،وحين ينتهون من عملهم ،يخفون زوارقهم في أماكن مموّهة بالرّمال.جلست ثريا تنتظر وبعد قليل بدأ الصيادون يتوافدون وبرفقتهم الكلاب ،فقد كانوا يخشون أن يكمن لهم القطاع ويجبرونهم على حملهم إلى الأماكن التي يختفي فيها القرويون وسط الجبل .بدأت الكلاب بالنباح ،فصاح أحد الصّيادين: من هناك ؟ فوقفت ثريا ،ومسحت عن نفسها الرّمال، ثم قالت :أنا إبنة عبد الله ،وقد قتله القراصة، واختطفوني منذ خمسة سنوات، لكنّي تمكنت من الهرب ،وأنا الآن أبحث عن أمّي واسمها فطيمة!!! لم تمرّ سوى دقيقة حتى إقترب منها أحد الصّيادين ،وسألها :هل أنت حقّا إبنة الشّيخ عبد الله ؟ فلقد كنت حاضرا ذلك اليوم ،أمّا أمّك ،فلم تقدر على تحمّل الصّدمة ،وماتت بعد وقت قصير من إختطافك .
إسمعي ،سأحملك إلى جارتها أم عليّ فهي تحتفظ بصندوق فيه كلّ أشيائها لك،لو جاء ايوم ورجعت فيه .إلتفت الفتيان الثلاثة إلى بعضهم، وقال إإثنين منهم ،لقد إنتهت مهمتنا ،وسنرجع ،لكن حسن ردّ : سأبقى معها فهي الآن وحيدة ،وليس لها أحد ،ثم مشى وراء الصّياد وثريا ،ولمّا رأته البنت لم تقل شيئا ،وربما تستحقّ أحدا لتبكي على صدره عمّا حلّ بها . بدأوا في صعود جبل مرتفع، وبعد قليل لاحت لهم ديار الصيادين ،وهي صغيرة لكن على الأقل هم في مأمن الآن ،فحكّام تونس يحمون فقط الموانئ الهامّة والمدن ،أمّا القرى الصّغيرة فعليها أن تتدبّر أمرها وحدها ،وكلها إبتعدت عن الشاطئ ،وأصبح عمل الصّيادين صعبا وخطرا ،ثم بدأ الجوع ينتشر عند القرويّين ،ولم يعد عندهم ما يأكلونه هم وصبيانهم ..
….
يتبع الحلقة 6

المصدر : من قصص حكايا العالم الاخر” واقعية “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق