مكتبة الأدب العربي و العالمي

كيف دعم العثمانيون المورسكيّين وحاولوا استرجاع الأندلس خلال القرنXV م (الحلقة 1

حفظت لنا كتب التّاريخ العديد من القصائد التي أرسلها أهل الأندلس إلى العثمانيين لمنع سقوطها بيد الإسبان ،ومن أروعها قصيدة طويلة، مجهولة المؤلف، أرسلت إلى السّلطان العثماني بايزيد الثاني، في القرنXV م تبكي حال المسلمين،وتستنجد به من النصارى ،وتقول :
فلو أبصرت عيناك ما صار حالنا إليه
لجادت بالدّموع الغزيرة
فيا ويلنا ويا بؤس ما قد أصابنا
من الضّر والبلوى وثوب المذّلة
ولم تكن تلك أوّل استغاثة وجهها أهل الأندلس إلى ملوك الدول الإسلامية من المماليك، والعثمانيين، وحكام المغرب العربي، لكن الدولة العثمانية أصبحت الملاذ الأخير لأهل الأندلس لفترة طويلة، فما الذي أجابت به الدولة العثمانية على هذه الأبيات وما الذي قدمته إلى الأندلس؟
1 – نداء الأندلس إلى العالم الإسلامي وضعف المواقف العثمانية :
كان العالم الإسلامي يتغير بشكل مطرد في القرنXV م إذ تغيرت موازين القوى في الشرق والغرب؛ فقد كان المماليك الجراكسة يسيطرون على مصر، فيما كانت الدولة العثمانية تواصل السيطرة على البلقان والأناضول، وفي الغرب كانت الأندلس – أو بقاياها متمثلة في مملكة غرناطة – تدخل مرحلة الاحتضار.
لذا أرسل ملوك غرناطة إلى السلطان المملوكي الأشرف برسباي (1421- 1437) يستنجدون به من الهجمات القشتالية المتوالية، لكن بُعد المسافة كان يعوق المماليك عن تقديم أية مساعدة لإنقاذهم، ولم يكن لدى المماليك أسطولًا قويًا يمكّنهم من قطع المسافة البحر إلى غرناطة، فأشار عليهم السلطان الأشرف بالاستعانة بالسلطان العثماني مراد الثاني.
لاحقا حين اعتلى ألفونسو الخامس عشر عرش أراجون (1416 – 1458) سعى للتحالف مع ملك الحبشة لإحكام محاصرة مصر، فصعّب ذلك على مصر الاستجابة لإستغاثات غرناطة ، فباتت مهددة من الشمال بعد أن استولت قشتالة على جبل طارق عام 1462، ومهددة من الحبشة جنوبًا، في وقت شهدت فيه مصر عدم استقرار داخلي بسبب صراع المماليك على السلطة، فلم يجد أهل غرناطة سوى الاستنجاد بالعثمانيين.
أرسلت الدولة العثمانية عام 1468 أسطولًا بقيادة كمال الريس، القائد البحري العثماني، للجهاد ضد الإسبان في البحر المتوسط وإنقاذ مسلمي الأندلس، ثم أرسلت أسطولًا بحريًا آخر لتخريب السواحل الإسبانية عام 1486، وفي عام 1491 (قبل سقوط غرناطة بعام واحد) عقد السلطان المملوكي قايتباي اتفاقية صلح مع السلطان العثماني بايزيد الثاني للتعاون من أجل إنقاذ الأندلس بأن ترسل الدولة العثمانية أسطولًا إلى غرب البحر المتوسط لقتال الإسبان، ويلاحقهم المماليك بجيش بري عبر المغرب العربي.
لكن الظروف الداخلية لدولة المماليك حالت دون تقديم أي مساعدة، فاكتفوا بالجهود الدبلوماسية وإرسال السفراء والرسائل إلى الملوك الكاثوليك، أما الأسطول العثماني فقد نجح في التوغل في البحر المتوسط وشن غارات على صقلية، وسردينيا، وكورسيكا، وجزر البليار الحليفة لإسبانيا، كما توغل في المياه الإسبانية وقصف موانئ تابعة لمملكة أراجون، واستولى على ميناء ملقا.لكن تلك العمليات التي تواصلت في البحر لم تكن من القوة بحيث تمنع سقوط مملكة غرناطة في النهاية عام 1492.
2 – المتغيرات الإقليمية لم تكن تسمح بعمل قوي في الأندلس
حين تأرجت الموازين لصالح العثمانيين كانت غرناطة في أيامها الأخيرة في كتابها «العصر المملوكي تفسر نادية مصطفى أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الموقف العثماني من الأندلس، ولماذا بدت المساعدات إلى الأندلس ضئيلة، فتقول إن السقوط الفعلي للأندلس بدأ بسقوط إمارة طليطلة عام 487 هـ – 1085م ،قبل قيام الدولة العثمانية بنحو 200 عام، فحين كانت الإمارة العثمانية الناشئة تخوض غمار التحول نحو امبراطورية كبرى عبر فتوحاتها في البلقان كان سقوط الإمارات الأندلسية يتوالى، إلى أن بقيت إمارة غرناطة وحيدة.
وظلت غرناطة لسنوات إمارة قوية باقية على أطراف إسبانيا، تمثل تهديدًا لقشتالة بأن يعبر العثمانيون من خلالها إلى أوروبا كما حدث من قبل عند الفتح العربي، لكن الضّعف التدريجي الذي شهدته الإمارة بسبب هجمات الإسبان من جهة والصّراع على السلطة فيها من جهة أخرى، جعل من إنقاذها صعبا،وفي غياب بحرية قوية إذ كان على الدولة العثمانية إرسال جيوشها البرية لتخترق أوروبا، بينما الدول الأوروبية تتربص بها بعد إعادة فتح البلقان والتّوسع فيه وسقوط القسطنطينية.
لم تتوفر القوة البحرية للعثمانيين إلا بعد نصف قرن من سقوط القسطنطينية أي في عام 1503م تقريبًا، أي بعد سقوط غرناطة بأكثر من قرن وفي هذا الصدد أشار المؤرخ أرنولد توينبي إلى أن القوة البحرية العثمانية لو كانت قد بلغت أوج قوتها قبل ذلك بـ30 عامًا فقط، لتغير مجرى الأحداث إذ كانت ستمكنها من إنقاذ غرناطة من السقوط، والسيطرة على البحر المتوسط لكن تنامي القوة البحرية العثمانية حدث بعد أن كانت الإسبان قد وضعوا قدمًا ثابتة في عدة مواقع في شمال أفريقيا وأسقطوا غرناطة بالفعل.
كان هناك سبب آخر لضعف الفاعلية في إنقاذ غرناطة هو تطور الأحداث في الشرق عداء المماليك والحملة العسكرية على الشام ، ثم ظهور الدّولة الصفوية ذات المذهب الشّيعي في إيران على حدود العثمانيين السنة، ولم يكن هؤلاء يريدون فتح أكثر من جبهة للصراع ،خصوصا أن أي مواجهة مع الإسبان ستدفع جميع القوى الأوربية للتكتل ضدهم .
يتبع…

من قصص حكايا العالم. الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق