مكتبة الأدب العربي و العالمي

السّاحرة وكنز سليمان الجزء الثاني

السّاحرة بديعة تحاول كسب ثقة اهل القرية

أعلم بائع السّمك كل أهل القرية بعرسه ،لكنهم تقبلوا الخبر بحزن كبير،لم يغفروا له رغبته في الزّواج ،ولم يمض على مرض زوجته سوى شهر،كانت امرأة لطيفة يحبّها كلّ النّاس ، والأكثر من ذلك لم يكونوا يرتاحون لهذه المرأة بديعة ،ولكنّه تعلل بكونه لا يقدر أن يهتمّ بعائشة بمفرده ،أمّا بخصوص جارته فقال أنّه يجدها رائعة ،وطبعا لا يوجد شخص واحد يوافقه على هذا الرأي فهي عبوسة الوجه ،لا تضحك أبدا .رغم أنّهم يعترفون في سرّهم أنها جميلة جدا بعينيها الزقاوين و شعرها الأسود الطويل الذي تغطيه بوشاح من الحرير ينزل على صدرها ..
مضت بضعة أيّام على العرس كانت فيه بديعة مثالا للزّوجة المطيعة إلى درجة أن أهل القرية بدئوا يتغيّرون من ناحتها ،و شرعت في الخروج إلى السّوق ،وتكلم النّساء ،وتعرّفت على الناس،لكن نظرتها كانت تدرس كل شبر في القرية ومسالكها ،لم تكن مثل غيرها من القرى بل كانت ملتصقة بالجبل و الجزء الأقدم منها منحوت في الصخر لكنها بمرور الوقت تمدّدت في سفح الجبل ،هناك أساطير كثيرة حول أصل القرية من بينها ما يقول أنها مساكن الجن، و آخرون يقولون أنها كانت قبورا حوّلها أجداهم إلى مساكن، و قاموا بتوسيعها ونحتوا لها مئات الدرجات التي يصعدون منها و ينزلون .
5 ـ السّاحرة بديعة تكتشف سرّ القرية
لم تجد صعوبة كبيرة في معرفة ما يتعلق بحكايات و أساطير القرية ،كلّ ما عليها أن تفعله هو إعطاء بعض عجائز القرية شيئا من مرهم قالت إنه يعيد نظارة الوجه، بالطبع لم يصدّقن ،لكن عندما نظرن في الغد إلى وجوههن في المرآة دهشن جدا زالت التجاعيد وأصبحن أكثر شبابا ،إدّعت انّ لديها كمية صغيرة اشترتها من ساحر لا تعرفه، ومن الأفضل ان يبقى الأمر سرّا لكي لا تعرف بقية النسوة بالموضوع ،و تضطر الى إعطائهن نصيبهن .لا فائدة في ذكر أن صديقات بديعة من مصلحتهن كتمان السر ليبقى هذا المرهم لهن فقط ،كذلك كل الأسرار القديمة للقرية التي حكيناها لها ،على العموم العجائز كن يلقين متعة كبيرة في الكلام حول الماضي ،كانت بديعة تتظاهر بعدم الاهتمام، لكنها كانت تسجل كل التفاصيل في ذهنها ،و وسهلن لها حتى دخول البيوت التي كانت تريد مشاهدتها من الداخل، وكانت كلها حول منزل عائشة ..
في نهاية الأسبوع الأول من الزواج أصبحت لها كل المعلومات التي بحاجة إليها كان هناك كثير من الخرافات لكنها بدهائها الشديد أصبحت تعرف الحقيقة من الخيال، و التفاصيل الصغيرة المتفرقة التي سمعتها كانت جزءا من أحداث قديمة حفظتها الذاكرة الجزء الجبلي من القرية هو مقبرة مملكة سليمان ،والبيت الذي فوقه نقش حيّتين متقابلتين هو مدخل مغارة الكنز، و المكان الوحيد الذي عليه هذا النقش هو بيت عائشة وهو في وسط الجبل..

-عائشة تفهم حقيقة جارتها بديعة…

ذات يوم رجعت بديعة وجدت البنت في إنتظارها ، و قالت لها أصبحت تغيبين كثيرا عن البيت ،وتتركيني وحدي ليس هذا الاتفاق مع أبي، ثمّ أنّك لم تنفذي وعدك لي بإعطائي الفستان المطرز ،لقد مرت الآن أيّام كثيرة ، ، ففوجئت بصفعة في وجهها من جارتها التي أصبحت زوجة والدها ، صفعة تركت أثراً على وجهها و حفرت جرحاً في قلبها ، فقد انقلبت معاملتها لها بعد أن كانت تتودد لها ،و تظهر لها العطف و الحنان ،و تقوم بأعمال البيت في غياب الوالد إلى أن نالت مرادها ..
قالت لها كلاماً قاسياً لم يستوعبه عقلها ذو العشرة سنوات : كيف لمثلك أن يطلب مكافئة على تسميم قلة أمك ،لقد خدعت أيضا أباك ، و تتظاهرين أمامي بالبراءة.. أغربي عن وجهي و إياّك أن أسمع لك صوتاً ، وسترين منّي ما لم تتمنّيه أبداً .. أغربي عنّي يا فتاة السّوء ..
أحسّت عائشة بغصّة في حلقها ،وفجأة أصبحت الصّورة واضحة أمامها ،من البداية كانت هذه المرأة تدبّر أمراا ،كل شيئ واضح،لكن الطمع أعماها ،لقد لاحظت إهتمامها بالجبل ،و كثرة أسئلتها حول البيوت المنحوتة فيه ،هي أيضا تعرف أسطورة الكنز المدفون في الجبل ،عبر القرون حاول السّحرة البحث عنه ما يهمهم ليس الذّهب بل الخاتم الذي يجعل لمن يلبسه السلطة علي الجنّ والطير و الوحوش،لكنهم لم يجدو شيئا، و رويدا رويدا جاء النّاس و سكنوه و نسي هذا الموضوع من مدّة طويلة ،صمتت عائشة قليلا، و قالت لبديعة أنا أعرف من أنت و لماذا  جئت لهذا المكان و تحايلت عليّ و أبي ، و بسببك مرضت أمّي . كلّ هذا لأجل الكنز ..

-السّاحرة بديعة تفكر في التّخلص من عائشة…

دهشت بديعة لكلام عائشة ،فلم تتوقّع من طفلة صغيرة هذا الذّكاء الحادّ ودقّة الملاحظة ،لقد حرصت ان لا تثير الإنتباه ،لكن هذه الشقيّة كشفتها ،أجابتها هذا هراء حكته لك جدّتك لا وجود لكنوز ولا ساحرات ،و أبوك لم يحسن تأديبك لتعرفي كيفيّة الإحترام ..
قالت لها عائشة : سأحكي قصّتك أمام كل القرية و سأفضح نواياك الخبيثة ،أدركت بديعة أنّها أمام مشكل حقيقي ،أهل القرية لا يزالون ينظرون إليها بريبة ،و هم متعاطفون كثيرا مع هذه البنت ،و لو تكلمت ستجلب عليها الوبال،عليها أن تستعمل الحيلة لتتخلص منها كما فعلت مع الأمّ …
قالت لعائشة برقّة : لا يجب أن نختلف ،فنحن صديقتان ،أليس كذلك ؟..هذا فستانك ،كنت سأعطيه إليك ،لكن أنت إخترت وقتا غير مناسب ،أنا أحسّ بالتوتر الشّديد ،طول عمري عشت وحيدة ،وفجأة أجد نفسي مع زوج و بنت ،يجب بعض الوقت لأتعوّد ،ثم هناك أهل القرية الذين لا يحبوني ، على كل حل لقد كنت قاسية معك ،أعرف أن لا شيئ يبرّر ذلك ،لكن سأعتذر منك و هذا كيس مليئ بمواد الزينة، خذي منه ما تشائين ،قامت بإفراغه على الطاولة ،كان هناك كثير من الأشياء اللامعة: أمشاط من الفضة، و حلي، و مرايا .
أقبلت البنت تنظر بلهفة إلى هذه الأشياء ،و قلّبتها ،واختارت قلادة جميلة من اللؤلؤ ،قالت هل صحيح أنها لي ؟ أجابت بديعة ،على شرط أن تنفذين ما أقوله لك ،هل تقبلين ؟
نظرت عائشة إلى القلادة ،تردّدت قليلا ،وقالت هذا يتوقّف عن المطلوب منّي ، قالت بديعة: فقط أن تقولي لأبيك أريد أن ابقى بعض الوقت مع أمي و خالاتي ،أجابت عائشة هذا كل شيئ ..سأفعل..
إبتسمت بديعة ، قالت لا تقولي شيئا حول ما دار بيننا لأبيك، و إلا لن أعطيك شيئا في المستقبل ،هزت الكيس أمامها ،وتمتمت: لا يزال هناك الكثير كما ترين ،ردت عائشة أوه طبعا ،هذا سرّنا أنا و أنت …
قالت بديعة في نفسها : وقعت في الفخ أيتها اللئيمة ،قريبا لن يسمع أحد خبرا عنك …

يتبع

من قصص حكايا ألعالم الاخر ” واقعية “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق