اقلام حرة

بين الهدنة والتهدئه.. نزع سلاح المقاومة والتأهيل للحلول السياسية / محمّد جبر الريفي

بعد حرب مايو 48 وهزيمة الجيوش العربية في فلسطين على يد العصابات الصهيونية المسلحة، وبعد إعلان دولة الكيان الصهيوني رسميًا، واعتراف الأمم المتحدة بها على أساس قرار التقسيم الصادر عام 47، جرت مفاوضات غير مباشرة في رودس بين دول الطوق العربية و( إسرائيل ) أسفرت عن توقيع اتفاقية أمنية، عرفت حينها باتفاقية الهدنة التي بموجبها تم الالتزام بوقف إطلاق النار واعتماد خط الرابع من حزيران هو الحدود (السياسية) الفاصلة بين الكيان العدواني الغاصب والدول العربية.

بتوقيع اتفاقية الهدنة، انتهى الطور الأول من تحقيق المشروع الصهيوني العنصري الإجلائي كما أعلنه الصحفي اليهودي النمساوي تيودور هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول، الذي انعقد في مدينة بازل بسويسرا، حيث تحقق تصريحه الذي أطلقه في نهاية اختتام أعمال المؤتمر حين قال: الآن أقيمت الدولة اليهودية في أرض الميعاد مما جعله محل سخرية واستهزاء عند بعض الأوساط السياسية الأوروبية المعادية للجيتو اليهودي الذي يتصف بالعزلة الاجتماعية عن المحيط وكراهية الأغيار، أي غير اليهود.

أما في الجانب العربي فلم يجد التصريح أي اهتمام بل قوبل بالاستخفاف أيضًا من قبل أوساط الحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت تقاد من قبل قوى الإقطاع السياسي الديني والشريحة العليا من البرجوازية الفلسطينية التي بدأت بالتشكل بسبب دورها الوظيفي المرتبط بمصالح الاستعمار البريطاني كما لم يعبأ به الحكام العرب الذين دفعوا بجيوش ومتطوعين بلدانهم إلى فلسطين تحت ضغط الشعور القومي والديني الذي كان يتملك إحساس الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.

بتوقيع اتفاقية الهدنة بدأت مرحلة الضياع والشتات الفلسطيني ومعها بدأ نزع سلاح المقاومة الفلسطينية بوقف إطلاق النار على جميع الجبهات العربية المحيطة بالكيان، وبذلك أصبحت القضية الفلسطينية مجرد قضية سياسية متنازع عليها وذات طابع إنساني بسبب الاقتلاع البشري الذي حصل للشعب الفلسطيني، الذي توزع لاجؤوه على المخيمات في الأردن وسوريا ولبنان وفي الداخل الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما جعل الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين التي شكلتها الأمم المتحدة عام 51 من بعض الدول المانحة وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكندا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، هي العنوان الأبرز للقضية الفلسطينية على المستوى الإعلامي الدولي غير أن هذا الواقع السياسي لم يلغ شعار تحرير فلسطين من الوجدان العربي، فقد ظل مادة أساسية في برامج الأحزاب والحركات العربية الوطنية والقومية كما ظل هذا الهدف القومي قادرًا على التوظيف لصالح الانقلابات العسكرية العربية حتى جاءت الهزيمة الثانية للمؤسسة العسكرية العربية بهزيمة يونيو حزيران 67، وعلى أثرها لم يعد لشعار تحرير فلسطين أي رواج في الخطاب السياسي العربي الرسمي حيث استبدل هدف التحرير بشعار إزالة آثار العدوان وبعد حرب أكتوبر عام 73 وحتي اليوم ظل الالتزام بخط الرابع من حزيران خط الهدنة هو مطلب أي تسوية عربية مع الكيان الصهيوني، حتى أن البرنامج المرحلي الذي أقر في المجلس الوطني الفلسطيني في عام 73 باعتباره برنامج تسوية سياسية يرتبط بإيقاع مساعي التسوية بعتمد على خط الهدنة كحدود سياسية للدولة الفلسطينية المستقلة حسب مشروع حل الدولتين.

على هذا المسار الذي سارت به اتفاقية الهدنة في رسم العلاقة الأمنية ثم السياسية بعد ذلك بين الكيان الصهيوني والدول العربية المجاورة، والتي تم اختراقها أكثر من مرة من قبله بشن العديد من الاعتداءات والحروب أبرزها الاشتراك في العدوان الثلاثي على مصر عام 56 والغزو الصهيوني للبنان عام 82.

التساؤل الكبير المطروح الآن: ماذا عن آفاق التهدئة لو تم التوصل إليها قريبًا بين فصائل المقاومة في قطاع غزة والكيان الصهيوني؟ هل هناك تقاطع بين ما يطرح الآن وبين المنحى الذي وصلت إليه اتفاقية الهدنة، حيث كلتاهما تدفع باتجاه وقف المقاومة المسلحة ونبذ (العنف والإرهاب) عبر التأهيل للحلول السياسية؟

إن الخطر الأبرز الذي يواجه المشروع الوطني الفلسطيني الآن هو نزع خيار المقاومة ضمن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والانتقال باتفاقية التهدئة في ظل بقاء الانقسام السياسي البغيض إلى القبول بما يخطط لقطاع غزة تحت ضغط العامل الانساني بما هو أدنى من حدود خط الهدنة الرابع من حزيران 67 الذي يقوم عليه أساسًا مشروع حل الدولتين الذي يحظى بإجماع دولي ..أجل لأن أي اتفاقية أمنية أو سياسية مع قطاع غزة منفردة بدون الضفة الغربية وبدون مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ستكون وفق الشروط الأمريكية الإسرائيلية المجحفة التي حددت مسبقا اطار وسقف الحل على المسار الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق