مكتبة الأدب العربي و العالمي

برهان_وحسناء_وادي_الياقوت” الجزء السادس “محاكمة العاشقين (الحلقة 6 )

قال لها ميسرة : بعد ثلاثة أيّام سيجتمع مجلس شيوخنا للنّظر في أمركما، وسنرسل في طلب حوريات الغابة، فأنت أيضا ملكتهم . في يوم المحاكمة ،ترأس أكبر الأغوال سنّا الجلسة ،وقال لقمر الزّمان: تعلمين أنّ هذا المكان ظل سرّا لآلاف السّنين ،وقد حرص آبائنا وأجدادنا عل إخفائه عن البشر لكي لا يأتوا ويفسدون ما فيه من جمال ،وأنت سمحت لإنسان أن يعيش هنا ،وعندما يرجع لقومه ويحدّثهم بما رأى فلن يطول الأمر حتى يأتوا إلى هنا ، ويقضون علينا وعلى الأقزام أقدم سكان هذا الجبل . ونحن موجودون هنا قبل أن يخلق الإنسان . ومنذ ذلك الوقت وهو يفسد في الأرض ،ويقطع الأشجار، ويقتل الحيوانات . لقد جعلناك ملكتنا لتحمينا ،وأحببنا فيك الشّجاعة والحكمة ،لكن تغلّب عليك طبعك، وخنت شعبك، فما الذي تقولينه لدفاعك ؟
وقفت قمر الزمان وقالت : الجبل هو وطني ،ومنذ مجيئي كبرت الغابة وامتلأت بالطرائد، ورجعت إليه الطيور ،والفراشات الملوّنة ،وقد وضعت قوانين للصيادين والحطابين إحترمها كل من حول الغابة من القرى، وعيّنوني ملكتهم، وسلطان هذه البلاد نفسه عمل بها رغم أنّ لا شيئ يجبره على ذلك ، وهذا الرّجل الذي أنقذته من الموت هو الأمير برهان الدين إبن السّلطان النّعمان ،وهو شخص ذو عقل ومروءة وشجاعة !!!
هزّ أعضاء المجلس رؤوسهم ،وقد بانت عليهم الدّهشة لفصاحة قمر الزّمان ،ثمّ قال شيخ الأغوال: لقد سمعنا عن عدل السّلطان ،وبلغنا أنّه يحترم العهود والمواثيق . اولأمير من أهل الفضل ،هذا ما لا شكّ فيه !!! لكن نفس الإنسان أمّارة بالسّوء ،وهو كذلك منذ زمن آدم ،ونحن تعلّمنا أن لا نترك شيئا للصّدفة خصوصا عندما يتعلق الأمر بأرضنا وبقائنا .تكلم شيخ الأقزام، وقال: لا شيئ يغفر خطأ الملكة ، فهذا الجبل مليئ بالياقوت ،ولا شيئ يفسد طبع الإنسان أكثر من الجشع ،ولو أطلقنا هذا الرّجل فلن ترتاح نفسه إلا بعد أن يأخذ أرضنا لنفسه ،وسيطاردنا في أنفاقنا ويستولي على آلهتنا الذّهبية !!!
وعندما جاء دور الحوريات ،قالت عجوز منهم : لتعلموا أنّ الملكة هي من قومنا ،وفيها من روحنا ،ولا يخفى علينا أنّها عاشقة ،ومن حقّها أن تحبّ ،وتحلم كأيّ فتاة في سنّها ،وترتاح قليلا من وجوه الأغوال البشعة ،ومن طمع الأقزام الذين لا يوجد في قلوبهم حبّ إلا للذّهب .إذا أراد الأمير أن يعيش في الغابة ويبقى واحدا منا فلا مانع لدينا !!! رمقها شيخ الأقزام و شيخ الأغوال بحدّة ،وقالا لها: لا يمكننا أن نتفق مادام عندكنّ هذا الغرور!!! هل تعتقدن أنفسكن أحسن منا ؟ كثر اللغط ، وتوتّرت الأعصاب، فقام برهان الدّين وقال : سأبقى هنا معكم ،ولن أرجع إلى قومي . فقط أخبروا رجالي أنّي بخير، وأنّي سأتزوج من قمر الزمان ملكة الغابة المسحورة ،فرحت الحوريات، وهتفن سيكون عرسا جميلا ، فنحن لا نتزوج ،ولم نر عرسا قبل ذلك !!! وقلن له : أكتب رسالة لأهلك، وسنحملها إلى رجالك . قال الأغوال والأقزام: هذا الحلّ يرضينا ،و لكن بشرط !!!
سأل الأمير: وما ذلك الشرط ؟ أجابوه : سنختبر شجاعتك في الحلبة مع العقرب الفضّية ،صاحت قمر الزمان إنه فخّ يا برهان الدين إياك أن تقبل وإلا كان في ذلك هلاكك !!! لكن الأمير قال للقوم :لا أخاف من عقربكم ،وسأقتلها وآتيكم برأسها !!! إبتسم شيخ الأغوال بخبث وقال غدا تبدأ المبارزة ،وإن نجوت تبقى معنا ،أمّا قمر الزّمان فقد حكمنا أن لا تتنقّل في الجبل إلا مع مرافق مرّة من الأقزام، ومرّة منا ،وبعد مناقشة حادّة إتفق جميع الأعضاء على ذلك ،ورفعت الجلسة .
في الغد خرج برهان الدّين إلى الحلبة ،ورمى له الأقزام بسيف صغير ،من سيوفهم وقالوا له: أرنا شجاعتك !!! كانت قمر الزمان جالسة ،ولقد أخفت وجهها بيدها لكي لا تظهر دموعها الغزيرة ،أتى أحد الأغوال بصندوق وضعه وسط الحلبة ثم انصرف. وبعد لحظات سمع الأمير ضربات عنيفة ،و لم يطل الوقت حتى تحطّم الخشب ،وظهرت عقرب ضخمة فضّية اللون ،ولمّا رأىت برهان الدين أمامها ،رفعت ذيلها، فلمعت الشّوكة السّامة في الشمس ،وأهوت بها عليه ،إلا أنّ الأمير قفز في الهواء وتفادى الضّربة ،فزاد غضب العقرب ،وفتحت مقصّاتها ليقطعه، فهرب برهان الدين ، ولاحقته الدّابة حتّى حصرته في أحد الأركان ،قال المتفرّجون : لقد هلك الرّجل !!! لكن قمر الزّمان صاحت : عش من أجلي يا برهان الدّين !!! قاتل من أجل حبّنا !!!
تذكّر الأمير أنّ العيون كانت نقطة ضعف الضّفدعة والعنكبوتة ،فأخذ حفنة تراب، ورماها في وجه العقرب التي لم تعد ترى شيئا، وأخذت تلوّح برأسها ، فقفز فوقها ،وغرز سيفه في رقبتها ،حاولت إلقائه من فوق ظهرها ،لكنّه كان متشبّثا بالسّيف ،أخذت العقرب تجري في كلّ مكان وفي النّهاية خارت قوّتها وسقطت على الأرض ،فقطع رأسها ،ورماه وسط الأغوال والأقزام الذين بقوا صامتين ،ولاحت عليهم الدّهشة .
أمّا الحوريات فأخذن في الصّياح من شدّة الفرح ،ونزلت قمر الزّمان إلى الحلبة ،وتعانقت مع الأمير ااذي وقف، وقال : أقسم بالله و برسوله أن يظلّ أمركم سرّا آخذه معي إلى قبري، فإنّي أحببت أرضكم ،وهي الآن أرضي .وإن أذنتم لي سأعيش معكم ،وأكون واحدا منكم !!! أجابه شيخ الأغوال :حسنا لقد أثبتت شجاعتك، وعشقك للملكة ،لكن أعلمك بأنّك وعدتنا أنّك لن تخرج من هنا، هل ما زلت عند وعدك ؟ أجاب : أضحّي بحرّيتي من أجل عيون قمر الزمان !!! وهي تستحقّ ذلك .
بعد أيّام أقيمت الأفراح، وتزوج برهان الدّين من حبيبته ،ورويدا رويد بدأ الأغوال والأقزام يحبّونه ،ويتعوّدون على وجوده بينهم ،وأصبح القوم أقلّ وحشيّة ،وتزوج الكثير منهم ،وأصبحت لهم عائلات بعدما كانوا يعيشون كالبهائم …

يتبع الحلقة 7

من قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق