اقلام حرة

مبروك عطية وأغبياء يدخلون الجنة في «أم بي سي»! دُعاة الكاوبوي بين «الواوا» و حضن أبي لهب

لينا أبو بكر

«أيها الشعب: لولا الكهرباء لاضطررنا لمتابعة التلفزيون في الظلام»! و«أيتها الرعية، للمرأة حق الترشح، سواء كانت ذكرا أم أنثى»، أو: «أيها المحكومون، بر الوالدين أهم من طاعة أمكم وأبيكم» أو :«أيها المساطيل، الثورة أنثى الثور» وغيرها من لزوم ما يلزم لإثبات أننا أبناء طغاتنا، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بالسياسة، بل في فهمنا لديننا، وطريقة تعاملنا مع أمور دنيانا وآخرتنا، فنحن نختار حرامنا وحلالنا، ونحن نحدد مواصفات آلهتنا، بما يتناسب مع تكويننا النفسي والاجتماعي، لا مع وعينا الأخلاقي والإنساني، فكل ما كنا نتناوله من وجبات شرعية جاهزة، أثبتت «أم بي سي» ودعاتها المعاصرون بطلانه، لأن الفردوس التي كنا نظنها حكرا على الأنبياء والأولياء، والمجانين والمحرومين و الفقراء، أصبحت بفضل «أم بي سي» متاحة للأغبياء والأغنياء وربيحة اليانصيب وعارضات الأزياء وحريفة التطبيع وسدنة الأعداء، فماذا بعد يا أمة البوكيمون؟!
متى يكون الدين مكافأة إعلامية، ومتى يصبح عقوبة بين مدرستين لا ثالث لهما سوى «أم بي سي»: مدرسة عمرو خالد وما أفرزته من ثلة متحررة من الدعاة الشباب الذين يرتدون ما يرتديه رعاة البقر الأمريكيون، أو مدرسة الدعاة الكلاسيكيين، الذين لا يعرفون من التقوى ومستحضراتها، سوى الترهيب والتحريم؟
أيها الشيطان مهلا، ما تعصّبْ، أنت بريء من إعلامنا، حتى وإن أخبرونا أنك في عقل المشاهد ولست في غمزات الشاشة، ولذلك نصدق آل باتشينو حين يخاطبك: «الأمور تسير على النحو الذي تريد، فالبشر فاقوك سوءا» في الوقت الذي يطمئنك شكسبير على فراغ الجحيم، لأن الأرض معقل الأبالسة، فكيف يحق لنا نحن العرب فقط أن نسأل: «إن كان الشيطان رجيما فلماذا نمنحه السلطة؟ وإذا كان ملاكا بِرّا فلماذا تحرسه الشرطة»! ولماذا نحن دون سوانا، الذين عليهم أن يصفقوا لترامب بعد فتحه المبين للبيت الأخضر في واشنطن، حين اعترف: «أيها الأمريكيون، نحن بحاجة إلى رئيس عظيم»… وإِدّيلوو!

الداعية الشيف و مراجيح المولد!

الشيخ مبروك عطية، الذي انتقل من «الموعظة الحسنة» على قناة دريم، إلى «كلمة السر» على «أم بي سي مصر»، يقود ظاهرة جديدة في ملكوت «دُعاة الفضاء»، ليقلب المشهد رأسا على عقب، ليس فقط على صعيد العبارات التي يستخدمها في تفنيد وجهة نظره، ومخاطبة المشاهدين، والمتصلين، إنما أيضا في أسلوب الطرح المغاير لكل الأعراف المتبعة والأنماط المتكرسة، عداك عن براعته في إقناعك، رغم ما يعتريه من انفلات في العرق العصبي أو تشنج في العضل الإعلامي، حين يستثيره وعي مسطح أو فكر مدجن، أو قضية رخيصة، ولأنه ينتمي لأسلوب الشيف الشربيني الشعبي على قناة «سي بي سي»، تراه أكثر قربا لقلب المشاهد وأسرع وأسهل تأثيرا، من غيره، حتى ليختلط عليك وعيك وأنت تتابع الأداءين، فيتهيأ إليك أن الشيخ الشربيني والشيف «مبروك عطية»، يتناوبان على تحضير الوصفات الإعلامية، لتثير ارتباكك المراوحة بين النزق الحاد والحس التهكمي، خفة الظل ووطأة الوقار، ثم الشعبوية مع نخبوية الأفكار والفتاوى! ولكن هل حقا ينجح المبروك بتغيير منطق المشاهد، وإعادة تأهيله دينيا؟ أم أن الجهل أقوى من السماء، والفضاء وما تحت الأرض وأسفل سافليها، طالما أنه إرادي ورهان وجودي؟
قد يكون الإنجاز الأعظم لهذا الداعية، هو جرأته وشجاعته على كشف إرثنا الديني المشوه، فكل ما كنا نظنه حراما، لم يكن أبدا كذلك، وكل ما كان حلالا، حرمناه على أنفسنا وأقرب المقربين لنا، يا إلهي ما أقبحنا، فبعضنا عار على الشياطين، فبلاهتنا ليست هبلا، إنما لؤما متأصلا، وجاهليتنا ليست زمنا، إنما نمطا سلوكيا وذهنيا مستفحلا، ولو اجتمع مليون داعية مثل عطية ليثبتوا لنا عكس ما نرتكبه، لما توانينا عن رميهم بالجمرات، أو إلقائهم في التنور، حتى ليتبرأ من جبروت شرورنا النمرود نفسه!
تذكّر ما قاله الرجل الأخضر يوما: «أنا لست ديكتاتورا لأغلق الفيسبوك، ولكنني سأعتقل فقط من يستخدمه»! ثم قل لي بربك أيها المشاهد: ما الفرق بيننا وبين طغاتنا؟ أليس الإصرار على الجهل طغيانا وإرهابا وديكتاتورية تعطي عذرا لشياطيننا بالاحتماء منا، بخزنة الجحيم والسيارات المصفحة، لا بل وبممرضات برتبة أمازونيات؟ إننا لا نستطيع أن نعيش بلا جاهلية، في ذات الوقت نتفنن بالاستهزاء من أوباما على الطريقة الترامبية: «لا يحب زوج ميشيل مسألة مكان ميلاده»! فهل بعد هذا ننتخب رئيسا إعلاميا لمراجيح مولد النبي على الطريقة القذافية؟ أم نكتفي بالتبرك بمبروك عطية!

قطع الخلف وساعة الغفلة!

ربما – رغم اليقين – ينتابك إحساس غريب وأنت تتابع طريقة التفاعل بين المشاهدين ومبروك عطية، حتى ليبدو الأمر تماما مثل فلسفة عنقودية تجعل السبب الرئيسي للطلاق هو الزواج، كذلك الأمر بالنسبة للبرامج الدينية، فالسبب الرئيسي للجهل هو الدين، وليس العكس، تلك حكمتنا أيها المشاهد: الشقلبة، فهاك رجل يشكو للمبروك، ضرب زوجته له، وخوفه منها، وهاهو المبروك يسأله: هل أنجبت منها؟ فيرد المتصل: أربعة، ليرتجف المبروك محذرا: يا ست بكرة يتقطع خلف الراجل، ميصحش كده! ثم تشكو امرأة من تحرش زوجها ببناته، مصرة على المضي بالزواج للسترة، ليجن جنون المبروك، ستر إيه يا ولية، والراجل لا يؤتمن على عرضه! ومتصل آخر يشكو ظلم والدته بتوزيع الإرث، فيدعوه المبروك لمحاكمتها، وتدليلها، وخليها تتفلق «لأنو أبوك بينام في حضن أبي لهب دلوأتي»! وآخر يريد تطليق مراته لأنها لا تخدم أمه، فيدعوه الداعية لتأجير خادمة لأمه، بدل تحويل زوجته وأم عياله لجارية ليزبل المتصل ويغلق السماعة مش عاجبو شرع ربنا، وأخرى تنام على الجانب الأيسر فترى كوابيسا، متسائلة عن حكم إغماض العين اليسرى قبل اليمنى ساعة غفلة، يا دي النصيبة!هل هذه روشيتات شرعية، أم وصفات إعلامية لترفيه المنكوبين والضحايا الناجين من هزائم الزواج!
لن أحدثك طبعا عن الكوارث العظمى، التي تحل بالأمة، وعن هجرنا لعظائم الأمور والانغماس بتوافهها! إنما عن التمرين الأدائي على صهر التحجر الوقائي، والذي دفع المبروك، لاستخدام أغان هابطة، يدلل بها تناحة المشاهد، ويناغشه، كأنه طفل أو غرير، أو ربما يتقمص دور طبيب أمراض ذهنية، يعالج المشاهد من إدمان الجهل، وتمرينه على المرونة، والبحبحة، بدل أن يتعرض للواوا، وما أدراك ما الواوا؟!
هل نحن من نصنع من دعاتنا آلهة؟ أم أن «أم بي سي» قلبت الآية، حين لعبت بفكرة عطية عن دخول الأغبياء النار، لتهبهم الجنة، وهي توزع عليهم منحا مجانية، لدخولها؟
بصراحة، لقاء مذيعة «العربية» في برنامج «تفاعلكم» مع عطية، كان فكاهيا، ولكنه ضروري، لأنها حين اعترضت على مصطلحاته العامية، سألها عن الفارق بين: هبلة وساذجة؟ فلم تستطع المحاججة؟ لكنها حين تعاطت مع أسلوبه انطلاقا من فكرة التقنيات الاستعراضية، ثار بمقدار، محتجا على اتهامه بالخضوع لمتطلبات العرض، لأنه عالم لا إعلامي؟ لا تدري هل هو استخفاف أم ترفع، وهو الذي يأتي بكامل عدته إلى الشاشة: «ضمة الورد» والنظارات الشمسية والمفردات الإفرنجية وكلمة السر: «حبيبتي»، فانظر ماذا سألته المذيعة؟!
«عادي تقول لي حبيبتي»؟ طبعا الشيخ عطية استنكر هذا الاتهام المبطن له بالإباحية أو التحرش اللفظي متسائلا: الله، هو إنت عدوتي؟ حبيبتي يعني محبة، مش يعني حَ آخدك لأوضة النوم؟!
غرقت المذيعة في نوبة ضحك مفتعلة، وسمجة، ودلوعة، فهل لك أن تخبرنا أيها المشاهد، أين الحرام؟!
لم نزل نخاف من الكلمة، كأن الكلمة هي الشيطان، وكل حرام دونها سلطان… فماذا بعد؟ الصورة والهمزة واللمزة والصهونة والفكرة والخطية، كلها أولها لك وثانيها على إبليس وليس عليك، ولكن إياك ثم إياك من الكلمة، فالكلمة هي الجحيم… يا أمة تأكل آلهتها قبل أن تجتر أبالستها… وكمان ويلاه!

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

المصدر : القدس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق