اقلام حرة

قالت العرب: كل فتاة بأبيها معجبة، فكيف لا أعجب بأبي؟ رنا فتحي فوراني

 

عندما أعلمني الوالد قبل فترة وجيزة بحفل إطلاق سيرته الذاتية, طلبت منه وأصررت على أن ألقي كلمة في هذا الحفل الكريم. فكيف لا أكون جزءًا من أمسية تخص والدي حبيبي وصديقي, وكيف أبخل عليه ببعض كلماتٍ, علّي أفيه جزءًا بسيطًا من حقه وأردّ له الجميل, إذا ما استطعت, في تربيته لي, وأنا الفتاة المدللة لهذا الأب الرائع.
عندما جلست قبل بضعة أيام لكتابة كلمتي, حاولت أن أكون موضوعية وأن أتطرق لكتاب “بين مدينتين” بشكل خاص..إلا أن نفسي أبت إلا أن تكون عاطفية, فرميت معطفي الرسمي الموضوعي, وأخذت بي المشاعر إلى حيث أنا اليوم.

في عام 2008 أقيم لوالدي, برعاية الحزب والجبهة, حفل تكريم مفاجئ, حينها كتبت بضعة أسطر, فكرت فيها طويلًا وشعرت بأن تلك الكلمات استنزفت كل طاقاتي. أنا التي أهوى اللغة العربية, وأعيشها وأسترسل في كتابتها, إلا أني عجزت عن اختيار الكلمات وشعرت بالرهبة لأن الأمر يتعلق بوالدي.

وها أنا اليوم, مرة أخرى, أجدني عاجزة عن استحضار الكلمات, فأتردد وأهمس لنفسي قائلةً: ” ما لك ولهذه المسؤولية الكبيرة؟ كيف ستستطيعين مرة أخرى كتابة كلمات تفي هذا الرائع حقه؟”

تغلبت على نفسي المترددة, وأقنعتها بأنه لفخر لي بأن أكون جزءًا من هذا الحفل, وإنه لشرف لي أن أعبر لوالدي عمّا يعتمل في نفسي من مشاعر وفخر لكوني ابنته, ولكوني شاهدة على إطلاق سيرته الذاتية.

أبي, أو “أبتي”, كما ناديتك في صِغري, وما زلت أذكر انبهارك حينها لسماعك هذه الكلمة من طفلتك الصغيرة التي لم تتجاوز السنوات الثلاث.
أبتي وصديقي, تعجز كل الكلمات أن تكوّن أسطرًا تصفك وتوفيك حقك من هذه الحياة, وأن تقدر عطاءك لهذا المجتمع. أنت الذي منذ صغري أنا وإخوتي, اعتدناك معطاءً متفانيًا للمجتمع الحيفاوي خاصة, ولشعبنا في هذا الوطن عامةً. فكما تردد أمي دومًا, وبفخرٍ, عندما كنا أنا وأخوتي نتذمّر من غيابك عن البيت أحيانًا كثيرة, حتى هذا اليوم, فتقول لنا “أبوكو خُلق للناس”.

فأنت يا أبتي, ومع انشغالك أحيانًا كثيرة عنا, ومع التزاماتك ..أنت فخرنا في هذه الحياة, أنت خيمتنا الأمينة، وحتى وبعد أن خرجت البنت المدللة من عرين أبيها وأصبحت أمًا, فلم يزدني هذا إلا حبًّا لك, أنت الذي ربيتنا على القيم الإنسانية ومحبة شعبنا, وها نحن اليوم نستعين بهذا القيم في حياتنا اليومية, ولا يخفى على الناس أننا أبناؤك.
اليم, وبعد أن قرأت “بين مدينتين”, زاد احترامي وتقديري لك، وفهمت كم من دربٍ شائك مررت به, وكم من شخص أثر في حياتك. وأنا واثقة يا أبي بأنك تركت بصماتك على آلاف الناس من طلاب وأصدقاء وأبناء وبنات هذا الوطن, وزرعت فيهم وفينا قيمًا وخلقًا لا يُنسى فضلك فيها.

أطلب الله أن يهبك العمر المديد, لتكتب آلاف الصفحات الأخرى لسيرتك الذاتية, هذه السيرة العطرة التي تفوح عطاءً ومحبة.
دمت لي ولأخوتي ولأمي وللعائلة ولأبناء المجتمع جميعًا ذخرًا ومفخرة, وكم أنا سعيدة وصدري يمتلئ نشوة وفرحًا لرؤية هذه الوجوه الطيبة اليوم تحتفي بك وبسيرتك العطرة.
أدام الله لك صحتك لكي تبقى نجمة تضيء سماء الوطن.

أدعو ورداتك الثلاث, الحفيدات ليا ولمار ونايا, ليقدمن لك ثلاث باقات ورد جورية, ويقلن لك: “لتبق أنت وردة دارنا الفواحة”.

(ألقيت هذه الكلمة في الأمسية التكريمية التي أقيمت في قاعة- كنيسة مار يوحنا للروم الأرثوذكس (حيفا) بتاريخ 12-6-2014 وشارك فيها الإخوة والأساتذة: د. حاتم خوري. المحامي وليد الفاهوم. المحامي علي رافع. د. نبيه القاسم. الأستاذ مارون قعبور. الكاتب محمد علي طه، وتولت عرافتها المربية نداء نصير)

المصدر : الصفحة الرسمية للاستاذ فتحي فوراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق