اقلام حرة

هل الحرب أفضل الخيارات للأسد وما هي جائزته؟ بوسة إعلامية لـ«شيخ المحشي» و«حَرّاق إِصْبَعو» للسُّنّة وطوشة زعران على «الميادين»!

بقلم :  لينا أبو بكر

لماذا لا يساند الغرب الأسد، رغم أنه في نظرهم الدرع الأخير لحماية مسيحيي الشرق؟ بل لماذا يُعتبر أمنه السياسي مرهونا فقط بأمن اسرائيل، رغم أنه المنقذ لواحدة من أكبر التجمعات المسيحية في العالم، كما يثني عليه البطاركة الأرثوذوكس!

اللعبة ليست دينية، وإن بدت كذلك، اللعبة أقذر من أسبابها وظروفها، وأدواتها، حتى طرد السنة وترسيخ الوجود الشيعي والعلوي والمسيحي لا يدخل أبدا في نطاق التوزيع الديمغرافي، بقدر ما هي خدعة تهجير سياحية لـ12 مليون سوري داخل وخارج الشام، وهنا تحديدا عليك أن تجيب على تساؤل «الإيكونومست»: «كيف يغير بشار الأسد من سوريا»؟!
«فوكس نيوز» تعرض لك خارطة «الإيكونوميست»، فسوريا أصغر حجما وأكبر دمارا وأشد طائفية، ثم تخبرك «سي أن أن» أن سوريا الحالية لا سنية ولا محمدية، بينما يختبئ إعلامك من هذه المحاصصة الجغرافية، لأن النسخة الأخطر للخارطة الإعلامية لسوريا هي النسخة اللامرئية: كارتوغرافيا لا طائفية لخصوم طائفيين… فماذا بعد؟

جائزة الأسد و«حراق إصبعو»

لقد انتصر الأسد، لا اختلاف ولا خلاف، مبروك بالمناسبة، وعقبال بقية الطغاة والغزاة والزناة والعراة والطهاة من فئة «حراق إصبعو»، ولكن من المسؤول عن ظلم إيران للمحمديين؟ وكيف تكتفي «الإكونومست» باعتبار المدينة القديمة في دمشق شهادة معمارية على الإسلام السني، في حين تدعي أن مقاومي حزب الله وسعوا الحي الشيعي في المدينة إلى مناطق يهودية سنية؟ وتعرب عن رفض المسيحيين لمجاورة متطرفين كانوا يطلقون عليهم: الكفار، في الوقت ذاته، الذي تتهم فيه المسيحيين بالانتشاء لصوت الغارات، التي تدك معاقل التكفيريين؟! ثم بعد ذلك تتصبب قلقا من الحج الشيعي وصور السيد نصر الله على المآذن والمقاهي!
النظام نجا من الحرب، فإن كان الخلاص من الحرب أهم من تخليص الشام، فمرة أخرى مبروك يا نظام، سوريا تخرج من دائرة الصراع إذن، بما أن جائزة الأسد – كما تقول الصحيفة، ليست عودة سوريا، بل أنقاضها، رغم أن الإدارات الحكومية تعمل وإمدادات الكهرباء والماء أكثر موثوقية من معظم بلدان الشرق الأوسط، في مناطق سيطرة الأسد، لا بل يتوقع المحللون الإعلاميون أن تتجاوز نسبة إنتاج الغاز الطبيعي في العام المقبل مستويات ما قبل الحرب، ومتحف دمشق الوطني، الذي لم يزل محتفظا بآثاره الثمينة سيفتح أبوابه للتاريخ مجددا، وسكة دمشق حلب تستأنف رحلاتها إلى المجهول، وقلعة حلب تصدح بنشيدها الأوبرالي مع جوقة سماوية وكورال عسكري: (الله وسوريا وبشار)، بينما تمتد الأطلال في المشهد الخلفي نحو الأفق… فماذا ترى في الصورة بعد؟!
لا يخلو الأمر من مجانين، ينتظرون جوائزهم الإعلامية، بين «شيخ المحشي» و«داود باشا»، ولن ينوبهم من موائد الوحوش سوى ما يكفي لنكش أنيابهم العالقة بلحوم الموتى… ويلاه!

القانون رقم 10

النساء، يشكلن بعد الحرب ثلثي القوى العاملة، أما الرجال فلم يزالوا مشغولين بالطوش بين شوارب القباضايات وعصيهم، وخذلك عاد!
بينما يرى محللون نفسيون أن المنظومة الاجتماعية في سوريا منهارة، فنسب الطلاق بارتفاع، وظاهرة تسول الأطفال تتفشى بشكل مخيف، وحدث ولا حرج عن الخمارات، التي تنتعش روحها مع بوار سوق الجهاد، وملايين من المواطنين واللاجئين يتعرضون للتشويه والصدمة، في حين تصل تكلفة إعادة الإعمار إلى 250 مليار دولار، وطلبة الهندسة المدنية يفرون، علما بأن السوريين هم من أعادوا بناء بيروت في التسعينات، حسب الصحيفة نفسها، وهنا لك أن تعيد النظر بما يتم نشره عما يسمى بالقانون رقم 10، الذي يعطي أصول السنة للموالين للنظام، والذي يشبهه إعلام اللاجئين بقانون الملكية في اسرائيل، مع تفضيلهم البعث العلماني على التطرف الإسلامي! فكيف تفهم إذن اتهام الإعلام الغربي للأسد بإطلاق سراح المتطرفين لإشاعة العنف وتقسيم المعارضة؟!
حين يستبدل رئيس البرلمان السني بالمسيحي ووزير الدفاع السني بالعلوي، بما يخالف البروتوكولات الدستورية، في ظل ترحيب الحكومة بعودة اللاجئين، وحشدهم في مأوى، هو في حقيقته تعبير لطيف للاعتقال، بما أن مغادرتهم رهينة التصاريح الأمنية، التي تستغرق وقتا لا يعلمه إلا الله، لتصبح سوريا سجنا وطنيا بامتياز، ويصبح اللاجئون أو السنة، فلسطينيين جددا، يسددون ضرائب أو فوائد السنة في نقاط تفتيش لا طائفية، ليتماهى مع اعتراف أحد الضباط المحمديين: «نحن لا نصلي ولا نصوم في رمضان، بل نشرب الخمر»، كأنه يوحي بأهم شروط الموالاة، فهل تغتر بعد كل هذا بحرص الإعلام الغربي على السنة أكثر من حرصهم على سننهم؟ فعلا عجبي!

الحرب ليست أسوأ الخيارات للأسد!

لم تعد إسرائيل وحدها هي التي تقع على حدودها المنطقة العازلة، لأن الحدود نفسها مفتوحة على سواحل تصعيد إعلامي، وأقاليم فضائية سحيقة بنيران صديقة، ولكن المفارقة الصادمة ليست هنا، بل بما كشفته الصحيفة عن إعطاء الصهاينة الأسد ضوءا أخضرا لإيران، فهل يكفل هذا بقاؤها أم يتكفل بإقصائها؟ هل بعد هذا نلوم «الإيكونومست» حين تعتبر أن الحرب ليست هي أسوأ الخيارات للأسد، خصوصا أنها تنجيه من قائمة مصاريف لإعادة إعمار بلد، دمرها لكي ينقذها من المخربين؟!
ولكن، لأن المشاهد العربي شريف ووطني بالفطرة، لا الوعي، سينحاز لأعداء إسرائيل أولا، وللمنتصرين ثانيا، وللعدو الإسلامي ثالثا، وللقومية العجمية رابعا، وللإعلام المقاوم أخيرا وليس آخرا، فأين فلسطين من كل هذا؟ يبدو الأمر متعلقا بالصهاينة أكثر منه بالقضية الفلسطينية، فهل هناك فرق؟
في النهاية، عليك أن تعترف بينك وبين إعلامك، أن الحرب لم تقم لأن الأسد أو إيران أرادا لها ألا تقوم، وليس لأنهما استبسلا في حربها، وليس لأن الحرب مؤامرة فقط، بل هي خطة، اشترك الجميع فيها، وتقاسموا النصر والهزيمة، ليس عن جدارة أو كنتيجة طبيعية لمواقف مستحقة، بقدر ما هي مكافأة أو جائزة لكل من تواطأ في لعبتها، وبصراحة لم تعد الأمور قابلة للفرز بناء على معايير الشرف الوطني أو الخيانة، بل تبعا لكوبونات البوس الإعلامية، التي يتم توزيعها مجانا في سوق المهابيل والعبيد والحشيشة، الذين جعلوا من شيعة العراق نموذجا أكثر سوءا من سنة إيران!
طيب، ما ذنب الأسد بطوشة الزعران الإعلاميين بين «الإيكونوميست» و»الميادين»، حول كون الحرب خيارا أو اختبارا له؟ هؤلاء لا يتدبرون الحدث، بل يدبرونه، وهم بين هذه وتلك، هدفهم إثارتك لا التأثير بك أو عليك، فاحذر فطرتك معهم أكثر من اطمئنانك إلى وعيهم!
أيها المشاهد، كل شيء فاتر ومحايد ومائع وزئبقي وبلا إحساس يذكر، ولهذا لم يعد مهما أبدا أن يكون الأسد مذنبا أو بريئا، الأهم منهما، هو من الذي نجا من الحقيقة حقا، ومن الذي ظن أنه نجا؟ ومن فعلا يستطيع أن يكون شجاعا بما يكفي ليقول للرئيس الأسد: كنت بطلا لأنك لم تستطع أن تكون مجرما فقط… وسلامتكم!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

المصدر : القدس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق