نشاطات
الاعتداءات على المسجد الأقصى
أخبار العالم- في وقت انشغل فيه العالمان العربى والاسلامى بقضاياهما ومشكلاتهما وأزماتهما المتتالية والمتعددة، يتعرض المسجد الاقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين إلى سلسلة مستمرة من الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية شبة اليومية لهدمه بحجة إقامة هيكلهم المزعوم على انقاض هذا المسجد وقبة الصخرة بجواره، وهو ما يثير تساؤلا حول اختيار اسرائيل لهذا التوقيت تحديدا لبدء جولة جديدة من الاعتداءات على الحرم القدسى، فهل يرتبط ذلك باحتفالاتها الدينية فيما يسمى لديهم بعيد العُرش؟ أم يرتبط بأزمة داخلية تواجهه حكومة “بنيامين نتانياهو” فأراد أن يبعد الانظار عنها؟ أم يرتبط الأمر بقراءة اسرائيلية بأن الوقت قد حان لتحقيق الحلم بهدم المسجد الاقصى كما كان يراد به فى كل مرة بدءا من احتلاله عام 1967 وحرقه بعدها بعامين عام 1969 واقتحامه العديد من المرات؟الواقع أن هذه العوامل أو الاسباب مجتمعة هى ما تفسر إقدام اسرائيل على بدء هذه الحملة فى محاولة للاستفادة من الظروف الداخلية والخارجية إقليميا ودوليا لاستكمال مخططاتها وفرض رؤيتها على الأرض. فإذا كان صحيحا أن المناسبات الدينية لدى اليهود يتم اتخاذها كذريعة ومبرر من اجل تنفيذ المخططات الصهيونية التى وُضعت منذ المؤتمر الأول عام 1897 فيما يُعرف ببروتوكولات حكماء صهيون، فإنه من الصحيح أيضًا أن رئيس الحكومة الاسرائيلية فى ظل أوضاعه الداخلية حيث تسيطر حكومته الائتلافية على أغلبية بسيطة داخل الكنيست (63 نائبا من اصل 120) تواجه صعوبات فى تمرير قراراتها ومشروعاتها، ولذا يحاول دائما استرضاء الجماعات اليمينية المتشددة التى تسانده حيث يسيطر اليمين واليمين المتشدد على حكومته، وهذا ما يبرر سعى رئيس الحكومة إلى إرضاءهم حفاظا على حكومته الائتلافية.أضف إلى ذلك طبيعة الظروف والأوضاع الاقليمية والدولية التى لم تعد القضية الفلسطينية فى أولويات الاهتمام. فإذا ما نظرنا الى الواقع العربى الراهن نجد تراجع كبير للقضية الفلسطينية على جدول اعمال الحكومات العربية التى اصبحت تواجه الكثير من قضاياها الداخلية بدءا من الارهاب مرورا بالازمات الاقتصادية الخانقة وصولا إلى التحولات التى تجرى على حدودها بل تهدد كيان كثير منها، ولعل ما يجرى في العراق وليبيا واليمن ولبنان واليوم سوريا يعكس إلى أي مدى أصبحت الدولة العربية مهددة في وجودها.ولم يختلف الأمر كثير إذا ما توجهنا إلى بلدان العالم الإسلامي التى تعج هي الأخرى بمشكلاتها وصراعاتها أيضا. وإذا كان الامر في هذه البلدان قد وصل إلى وضع مزرى نتيجة ما تواجهه، فإن ما يثير الدهشة والاستغراب أن يمتد هذا التخاذل إلى المنظمات المعنية بشئون العالمين معا، ويقصد بهما تحديدا جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامى. صحيح أن الأمين العام للجامعة “نبيل العربى” أجرى اتصالا مع الأمين العام للأمم المتحدة لمناقشة قضية العدوان الاسرائيلى، إلا أنه لم يوضح لنا ما الذى جرى في هذا الاتصال او ما هي مخرجاته ونتائجه في صد هذا العدوان، حيث اقتصر الامر على مجرد المطالبات والمناشدات للمجتمع الدولى ممثلا في منظمته العالمية باتخاذ الإجراءات المناسبة. والامر ذاته، تكرر في حالة منظمة التعاون الاسلامى، صحيح أنها عقدت اجتماعا على المستوى الوزاري في الأول من أكتوبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيوريورك لمناقشة هذا العدوان إلا أن مخرجاتها لم تتجاوز مجرد المطالبة والمناشدة للأطراف الأخرى لتحمل مسئولياتها واتخاذ ما تراه من خطوات ملائمة في هذا الخصوص، فقد جاء في قرارها على سبيل المثال إدانة شديدة لكل محاولات إسرائيل فرض ما يسمى بـ”جبل الهيكل” على الحرم الشريف، داعيا مجلس الأمن إلى التحرك السريع والفعال لإلزام إسرائيل بوقف وإلغاء كل الإجراءات غير القانونية التى تقوم بها.الامر ذاته يتكرر إذا اتجهنا الى الموقف العالمى مما يجرى في القدس، والذى عبرت عنه اجتماعات الدورة السابعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فلم تتضمن جدول أعمالها مناقشة القضية الفلسطينية سوي فيما يتعلق بقرار رفع العلم الفلسطيني على مقر المنظمة وإن كانت هذه الخطوة ذات دلالة مهمة واستراتيجية إلا أنها لم تقدم شيء للقضية الفلسطينية في مواجهة الالة العسكرية الإسرائيلية. بل مما يزيد الامر تعقيدا أن الهجمة الاسرائيلية على الأقصى قد تزامن مع عقد هذه الدورة والتي لم تُخصص جلسة لمناقشة القضية الفلسطينية، بل زد على ذلك أنه لم يرد ذكر للقضية فى الكلمة التى ألقاها الرئيس الأمريكي “باراك اوباما” أمام الجمعية، بما يعنى أن الأمر لم يعد مجرد تراجع للاهتمام بالقضية بقدر ما يعنى تجاهل تام رغم التصعيد الإسرائيلي الذى يملأ شاشات الفضائيات ومقالات الكتاب والمواقع الإخبارية على شبكة المعلومات الدولية.ما نود أن نخلص إليه أن الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الاسلامية وتحديدًا المسجد الاقصى لم تكن الأولى ولن تكن الأخيرة فى ظل حالة الانقسام الفلسطينى والتخاذل العربى والاسلامى والذى يصل إلى حد الخزى للحكومات العربية والإسلامية أمام شعوبها، وفى ظل صمت دولى على الجرائم التى ترتكبها اسرائيل بحق الفلسطينيين. ولن يبقى للأقصى سوي أهله من المقدسيين المرابطين المدافعين عنه. ولكن التساؤل إلى أى مدى يمكن أن يبقى المقدسيين صامدين امام آلة الحرب الاسرائيلية من دون وحدة الصف الفلسطينى ومن دون مساندة ودعم عربى وإسلامى ليس فقط مالى وإن كان الدعم المالى مطلوبا بصورة أساسية، وإنما أيضا دعم سياسى وأخلاقى وإعلامى؟والاجابة على هذا التساؤل تكشف عما تمثله القضية الفلسطينية بصفة عامة والمسجد الأقصى على وجه الخصوص من مكانة فى ضمير الأمتين العربية والإسلامية وفى ضمير الإنسانية جمعاء، بما يفرض عليهم جميعا التحرك العملي لوقف هذا العدوان وإن تحمل العالمين العربي والإسلامي المسئولية السياسية والقانونية والأخلاقية في الذود عن الأقصى الشريف، خاصة في ظل ما يملكه من قدرات وإمكانات يستطيع إن أحسن توظيفها أن يوقف العدوان الإسرائيلي ويدعم الحق الفلسطيني، ومن أبرز هذه الإمكانات والقدرات العربية والإسلامية.- الفوائض المالية لدى البلدان العربية والإسلامية وخاصة النفطية منها، ودورها في توفير الدعم المالي المطلوب سواء للقدس أو للأقصى.- تفعيل دور المنظمة الدولية وفروعها ووكالاتها المتخصصة خاصة منظمة اليونسكو والمجلس الدولي لحقوق الانسان.- تفعيل دور المنظمتين الاقليميتين المعنيتين بشئون العالمين العربي والإسلامي وهما الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لأن فشلهما وتقاعسهما يثير التساؤل حول جدوى استمرارهما.- توظيف القدرات الإعلامية العربية في كشف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية أمام الرأي العالمى بعيدا عن الأكاذيب الإسرائيلية التي تحاول أن تبثها للعالم بأنها ضحية الأعمال الإرهابية.- انهاء قضية الانقسام الفلسطيني والذي يعد مرآة عاكسة لحالة الانقسام والتشرذم العربى، حتى يتمكن الفلسطينيون من الوقوف صفا واحدا امام العدوان الإسرائيلي المتكرر ليس فقط على المسجد الأقصى وإنما على الدولة الفلسطينية وشعبها ومقدراتها.خلاصة القول إن ما يتعرض له المسجد الأقصى اليوم من اعتداءات متكررة وانتهاكات مستمرة من جانب الكيان الصهيوني، وفى ظل انشغال الجميع بالتداعيات التي فرضها التدخل الروسى في سوريا وما يترتب عليه من إعادة ترتيب حسابات الأطراف كافة في المنطقة، يجب ألا يلهينا كل ذلك عن واجبنا الدينى ومسئوليتنا الوطنية والقومية عن الإسراع لوقف المجزرة الإنسانية والحضارية التي يسعى إلى ارتكابها الاحتلال بحق الأقصى والمقدسيين